ياسر الزعاترة
في قرية الرامة (محافظة جنين) فوجئ الناس ببيان يصدر عن فعاليات في القرية يعلن البراءة من وضاح خنفر، المدير العام لفضائية الجزيرة، وذلك بسبب الضرر الذي ألحقه بشعبه، بحسب البيان، إثر نشر وثائق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
إلى هذا المستوى وصل الأمر بالقوم، فهم لم يكتفوا باستخدام كل ما في قاموسهم من شتائم بحق الجزيرة ومن يقفون خلفها (أحدهم تحدث مراراً عن تحالف خنفر - ليبرمان)، فضلاً عن الحديث عن خدمة المحطة للإسرائيليين، مع أن هجائها هو أحد القواسم المشتركة بين الطرفين، بل أضافوا إلى ذلك نهجاً جديداً لم يُعرف من قبل في الخصام السياسي تمثل في الضغط على بعض الناس من أجل إعلان البراءة من ابن قريتهم الذي يعتزون به.
في سياقات ومراحل كثيرة وصل الخلاف السياسي بين الأطراف الفلسطينية حداً غير مسبوق، تماماً كما حصل في المناكفات الإعلامية، لكننا لم نسمع أن طرفاً قد ضغط على أهالي قرية شخص أو رمز من أجل إعلان البراءة منه أمام الملأ.
الأسوأ بالطبع أن يحدث ذلك بطريقة فيها الكثير من التلفيق والتزوير والابتذال، فقد ذكر الموقعون على البيان أن موافقتهم قد أخذت من أجل إصدار بيان يدعم محمود عباس، وقد أخذتها حركة فتح التي يصعب على كثيرين رفض طلباتها في الوضع الراهن، لاسيما من قبل بعض الفعاليات المجتمعية التي تخشى ردود فعل السلطة، لكنهم فوجئوا بما سمعوا عنه لاحقاً، فما كان منهم إلا أن اتصلوا بأهل الرجل وأوضحوا لهم حقيقة ما جرى.
حدث في السابق أن اعتقل أشقاء وضاح خنفر في سياق من الضغط، لكن هذا المستوى من الضغط لم يحدث من قبل، لا معه ولا مع سواه من العاملين في الشأن العام، أكان السياسي أم الإعلامي. وتخيلوا لو لم يكن كاتب هذه السطور لاجئاً يعيش أقاربه في الشتات، إذا لضغطوا عليهم من أجل إعلان البراءة منه بدل رفع القضايا أو الشتم في خطب الجمعة أو كتابة التقارير في الوكالات والمواقع الرسمية كما حدث من قبل. ولا تنسوا أن أحدهم قد طالب الحكومة القطرية بتسليم وضاح خنفر من أجل محاكمته على نشر الوثائق إياها.
كل ذلك إنما يدل على مدى التخبط الذي يعيشه القوم خلال المرحلة الأخيرة، إذ بدل أن يتوجهوا نحو القضية الأساس ويعترفوا أمام الشعب الفلسطيني بحقيقة ما جرى، أو يحاكموا المتورطين في تقيم التنازلات إذا كانوا يرفضونها حقاً.. بدل أن يفعلوا ذلك ذهبوا في اتجاه شتم الجهة التي نشرت الوثائق، تماماً كما فعلوا من قبل في سياقات أخرى عندما وزعوا إعلانات في مدن الضفة تشتم الجزيرة وتتحدث عن بيعها لمستثمر إسرائيلي (القصة كانت تأليفا بالطبع)، مع أن ذلك سيكون أفضل لهم من دون شك، لأن سياسة المحطة ستتغير وسيغدو الحفاظ على سرية التفاوض والتعاون الأمني نهجاً لها، فضلاً عن دعم سلطة صممت لخدمة الاحتلال وليس التشكيك في مواقفها (لا ننسى حملتهم على العلامة الشيخ يوسف القرضاوي).
لم ترتكب الجزيرة جريمة بنشرها الوثائق، وكل الملاحظات التي أبدوها لم تكن ذات قيمة، لاسيما حكاية التزوير بعد الاعتراف الضمني بصحة الوثائق بإعلان التحقيق لمعرفة الجهة التي سربتها. وفي أي حال فنحن لازلنا في انتظار أن يقدموا لنا قراءة أخرى لتلك الوثائق التي لم تضف أي جديد يذكر للعارفين بالشأن الفلسطيني، اللهم سوى تقديم المزيد من الأدلة على مواقف كانوا ينكرونها عندما يتحدث عنها المعارضون.
ليس ثمة تزوير ولا تدليس، بل هي حقائق واضحة، ونتمنى أن يتفضل بعض الذين يدافعون بالحق والباطل أن يدخلوا إلى موقع الوثائق ويقرأوا محاضر الجلسات ليتأكدوا من الحقيقة بدل الشتائم والهجاء للجزيرة وأصحابها ومديرها.
ولأن شعب فلسطين ليس بهذا المستوى من السطحية، فإن قصصاً من هذا النوع لن تمر عليه، كما إعلان البراءة المشار إليه لن يضير وضاح خنفر، وبالضرورة لن يضير الجزيرة، بقدر ما يسيء لمن وقفوا خلفه ويفضح حالة التخبط التي يعيشونها على مختلف الصعد.
صحيفة الدستور الأردنية