قائمة الموقع

مقال: عبث إسرائيلي

2011-02-07T07:44:00+02:00

مؤمن بسيسو

الثورة المصرية ضد الظلم والطغيان لها وجهان، الأول داخلي تعتمل فيه عناصر الشعور بالقهر والظلم على مدار عقود، فيما الآخر خارجي يمس صلب السياسة الخارجية المصرية التي تلتحق في الكثير من مفاصلها ومحدداتها بالسياسة الأمريكية ورؤيتها للمشهد المتفاعل في المنطقة.

وغني عن التعريف أن السياسة الأمريكية تتماهى مع السياسة الإسرائيلية، وتحرص على الانسجام معها وعدم الخروج عن التوافق مع اتجاهاتها إلا في أضيق الحالات.

من هنا نستطيع تفسير سر الرعب الإسرائيلي المهول جراء التغيرات الدراماتيكية التي عصفت بالنظام المصري مؤخرا، ووضعت مبارك وفريقه في مواجهة مع الشعب المصري الثائر، كما نستطيع تفسير سبب العلاقة الوطيدة التي ميزت نظام مبارك بالكيان الإسرائيلي طيلة العقود الماضية.

لا تقتصر العلاقة البينية بين دولة الكيان ونظام مبارك على علاقات صداقة اعتيادية، بل إن الأمر يدخل في نطاق التحالف الاستراتيجي الشامل الذي يدور بسياسات الطرفين في إطار منظومة مصلحية واحدة تتصل بمحور الاعتدال المعروف، ويربط مصير النظام المصري الحالي بمصير الاحتلال.

منذ تقلّد مبارك زمام الرئاسة قبل ثلاثة عقود وحتى اليوم لم تواجه "إسرائيل" معضلة حقيقية أو مشكلة وجودية واحدة تهدد مستقبلها، فقد انتصب نظام مبارك بالمرصاد لأي محاولة للإخلال بمعادلة التحالف القائمة التي اشتد رسوخا يوما بعد يوم رغما عن كل الشعارات الإعلامية والأحاديث الاستهلاكية التي أطلقها النظام المصري وأدواته الدعائية ضد دولة الكيان، إمعانا في تضليل شعوب الأمة، وللإبقاء على مستوى ما من الاحترام للتاريخ المشرف الذي حققه الجيش المصري في حرب رمضان المجيدة عام 73.

عمل نظام مبارك، بمساعدة أنظمة أخرى، على إنقاذ دولة الكيان من مآزقها المختلفة، وتولى كِبْر مواجهة كل الدول والقوى الإقليمية التي تناوئ "إسرائيل" وتناصبها العداء، ليشكل بحق حلقة الدفاع الأولى عنها في المنطقة.

من الصعب حصر واستحضار صور ونماذج التحالف الخطير بين نظام مبارك وكيان الاحتلال، لكن كل مفردة سياسية وأمنية وجغرافية في إطار عمل وأداء النظام المصري خارجيا تنطق بالدفاع اللافت عن الاحتلال وسياساته العنصرية.

تدرك "إسرائيل" تماما أن نظام مبارك الآن يتزعزع ويترنح، وأن مؤشرات ذهاب دوره التقليدي الخادم للسياسة الإسرائيلية تتصاعد بشكل مخيف، ما أشعل الأضواء الحمراء في عقول قادة الاحتلال وأروقة مؤسساته السياسية والأمنية والعسكرية المختلفة.

هناك، في "إسرائيل"، لا يضيعون دقيقة واحدة في مدارسة كل ما يرتبط بمصيرهم، ويضعون السيناريوهات والبدائل المختلفة للتعامل مع مختلف الأوضاع المحتملة، ويتحسبون لأسوأ النتائج.

ومع ذلك، فإن القناعة الأكثر تغلغلا في نفوس وأفهام المسئولين الإسرائيليين أن نظام مبارك قد بدأ طريقه العكسي، وأن التحسب للمرحلة القادمة ينبغي أن يكون مشفوعا بآليات ووسائل جديدة لإعادة التوازن إلى المشهد الراهن الذي يؤول تدريجيا لمصلحة تيار التغيير الذي تشكل قوى المقاومة والممانعة قلبه النابض وعماده الرئيسي.

التراث الحافل الذي خلّفه مبارك ونظامه في خدمة السياسة الإسرائيلية يُنتج حاليا مواقف إسرائيلية مشهودة تتجاوز حدّ الإشادة والثناء التقليدي عرفانا بالجميل، إلى ممارسة كل أشكال الضغوط الممكنة بهدف طمس الانتفاضة الشعبية المصرية والالتفاف على مطالبها المشروعة، واستعادة عافية النظام المصري عقب الزلزال الكبير الذي هدّ كيانه السياسي وبنيانه المعنوي داخليا وخارجيا.

ألم يسأل أحد نفسه عن سبب تراجع المواقف الأمريكية والأوروبية التي أصرت –بداية- على رحيل مبارك، وها هي تلتمس بقاءه بحجة قيادة مرحلة التغيير المنشودة؟!

"إسرائيل" تلعب لعبتها، وتعمل في السر والعلن دون كلل، وقد تذهب بعيدا، وربما أبعد مما نتصور، في سياق محاولاتها المحمومة لحفظ النظام المصري الحالي وصيانة سياساته ورموزه الكبرى بعيدا عن يد التغيير الشعبية.

تيار المقاومة والممانعة في فلسطين والوطن العربي بحاجة اليوم إلى إعادة تقييم المشهد المصري الراهن، وبحث سبل مواجهة التدخلات الإسرائيلية الرامية إلى تكريس صفحة النظام المصري الحالي، وانتهاج الآليات الكفيلة بتشتيت الكيان وإرباك خطواته العابثة بمشهد التغيير العربي خلال المرحلة المقبلة.

اخبار ذات صلة