سنوات من العنف الذي يمارسه المستوطنون ضد أهالي قرية (عين سامية) بهدف ترحيلهم، ما وضعهم في جو نفسي ومادي صعب، فمثلا حين يتجهز الصغير للذهاب لمدرسته يجدها مغلقة بفعل إخطار هدم، أو حين يعود رب الأسرة من عمله يجد عناصر الشرطة (الإسرائيلية) تسلمه أمرا بهدم بيته البسيط.
ولم يتوقف حال أهالي قرية (عين سامية) عند ذلك بل حتى أنهم يلاحقون في رزقهم فهم يعتمدون على تربية المواشي، لكن المستوطنين سرعان ما يسرقونها.
قبل أيام قليلة رحل 200 فلسطيني من القرية القريبة من بؤرة "كوخاف هشهار" الاستيطانية، أخلوا منازلهم بعد سنوات من مضايقات المستوطنين، خاصة حين بقيت حياتهم مهددة بالخطر.
ما هي (عين سامية)؟
عين سامية هي إحدى البلدات الفلسطينية، تقع على السهول الشرقية لقرية كفر مالك، على امتداد أربعة كيلومترات من بقايا مدينة رومانية عرفت باسم (ارام)، وصفها الباحثون في تاريخ الحضارات بأنها مدينة تحظى بالعديد من المزايا والآثار التي تعود إلى العهد البرونزي القديم والكنعاني المعروف وأيضا الروماني والإسلامي.
وتعتبر نبع مياه هائل يُعد الأقوى والأنقى في المنطقة، حيث أنها تزود أغلب بلدات شرقي رام الله بمياه الشرب، منذ ستينيات القرن الماضي، باعتبارها منطقة غنية بينابيع المياه، بالإضافة إلى الشّبكات التي تم بناؤها على طول القنوات المائيّة الخاصّة بالآثار القديمة في المنطقة، كما ساهم وجود العين في ازدهار الزراعة في سهول عين سامية الذي لا تزال غنيةً بمحاصيل مميزة مثل الزعتر والبابونج وأنواع كثيرة من الأعشاب الطبية.
ورغم الاستثمار المحدود لتلك الأراضي، هناك مثل حصري لأهالي كفر مالك يقول (إذا عين سامية نامت، عيني نامت)، للدلالة على شدة الأرق والقلق نتيجة الهم الثقيل الذي هبط على صدور المواطنين بسبب مضايقات المستوطنين وعدم قدرة السكان على استثمار الأراضي هناك حيث أقيمت على الأراضي المصادرة مستعمرة "كوكب الصباح" التي أقامتها قوات الاحتلال على أراضي قرية كفر مالك.
وأغلب السكان من عشيرة العمرين/ الكعابنة البدوية، وعدد سكانها حوالي 300 نسمة، يعتمدون في معيشتهم على العمل في المؤسسات الحكومية والزراعة.
سميت بهذا الاسم نسبة إلى ابنة سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي، التي سكنت المكان للراحة والشفاء فقد كانت تعاني من مرضٍ فوصفها أحد الأطباء، وبالفعل بعد وصولها للعين والاغتسال بها شفيت من مرضها.
لماذا قرر سكان (عين سامية) الرحيل؟
يتراوح عدد سكان قرية عين سامية من 50- 55 عائلة أي حوالي 300 شخص، كانوا يسكنون في (باركسات) من الخشب أو الزينجو، وأساسا منهم حوالي 90% مهجرون من النقب، تم تهجيرهم على مراحل في نكبة 1948، وحرب 1967.
يقول المحامي حسن مليحات إن جزءا من سكان عين سامية رحلوا إلى مضارب عرب الكعابنة الواقعة بين كفر مالك والمغير شمال رام الله، وسيقيمون بيوتهم على أراضي فارغة.
وذكر (للرسالة نت) أن معظم أبناء القرية يعيشون على الغنم وتربيتها منذ سنوات طويلة، وكذلك الزراعة، ودوما كان المستوطنون يسرقون ما يزرعون.
وفي سؤال حول "هل يمهد الاحتلال لترحيل التجمعات البدوية؟"، أجاب مليحات: "قطعا الاحتلال يسعى لنكبة جديدة للفلسطينيين من خلال ترحيل البدو الذي يسكنون ضمن تجمعات بدوية في الضفة والقدس، لذا بحاجة إلى خطة وطنية شاملة لدعم البدو لتعزيز صمودهم.
وذكر أن التجمعات البدوية التي تقطن على السفوح والمرتفعات الشرقية للضفة الغربية المحتلة تعيش على صفيح ساخن وتتعرض لخطر الاقتلاع عبر سياسة التهجير القسري، الرامية إلى السيطرة والاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية وطرد سكانها منها في أكبر عملية تطهير عرقي ممنهج يحدث أمام نظر العالم.
وأرجع مليحات النزوح الجماعي لحوالي 200 شخص من تجمع عين سامية البدوي إلى سياسات الاحتلال ومستوطنيه عبر ممارسات الهدم والإخلاء القسري وهجمات المستوطنين الإرهابية، والتي يهدف الاحتلال من ورائها إلى اقتلاع وتشريد التجمعات البدوية، ليعيد التاريخ نفسه بنسخته المعاصرة لإنتاج نكبة العام 1948 في شكل جديد.
إلى أن (إسرائيل) تهدف من خلال طرد البدو من تجمعاتهم إلى تحقيق معادلة "أكبر عدد من الفلسطينيين على أقل مساحة من الأرض، وذلك لتفريغ محيط المستوطنات وجوانب الشوارع من أي وجود فلسطيني، وستلجأ سلطات الاحتلال لإخلاء التجمعات وفقا لسلم أولويات حددته مخططات المشاريع الاستيطانية، بغية الاستيلاء على تلك المناطق وضمها للسيادة (الإسرائيلية).
عقوبات للتهجير
بداية تنتشر غالبية التجمعات البدوية في المناطق المصنفة(ج)، علما بأن أكثر من 90% من البدو لاجئون، ويعتمدون في هذه التجمعات البدوية على حرفتي تربية المواشي، والزراعة، وقد انتهجت سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) سياسة الحرمان من الخدمات الأساسية "الماء، الكهرباء، البناء، الصحة، التعليم" تجاه التجمعات البدوية بهدف ترحيلها وتهجيرها قسرًا.
وهنا يعقب المحامي بشار القريوتي بالقول:" لو لم يرحل أهالي عين سامية، ستكون حياتهم معاناة يوميه ـ ويتم قطع أرزاقهم وسرقة أغنامهم من قبل المستوطنين"، مشيرا إلى أن التهديد والاستفزاز والاعتداءات تشكل الخطر الكبير ضد التجمعات البدوية.
ولفت إلى أن كثيرا من سكان عين سامية كان المستوطنون يسرقون مواشيهم، في ساعات متأخرة من الليل.
وذكر القريوتي (للرسالة نت) أنه خلال متابعته القانونية، تم تقديم شكاوى ضد المستوطنين حيث توجهت مؤسسة (سانت إيف) للموقع ولقاء الأهالي هناك وتقديم شكوى ضدهم، بالإضافة
إلى عدة قضايا قانونية في المحاكم.
وأكد أن سياسة المستوطنين ضد التجمعات البدوية تمهد لترحيلهم، لذا سيكون هناك سياسة لدعمهم بمساندتهم عبر التواجد الفلسطيني فيها طيلة الوقت وليس وقت الاعتداء، بالرغم من أن الحكومة الصهيونية تعمل على التغطية على جرائم المستوطنين وتقوم بإغلاق الملفات التي يقدمها المواطنون المتضررون.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية النزوح الجماعي لتجمع عين سامية البدوي، جاءت نتيجة هجمات متتالية نفذها غلاة المستوطنين ضد هذا التجمع، حيث صادر المستوطنون أغنام سكان التجمع وقاموا بتنفيذ هجمات ليلية ضدهم تمثلت برجمهم بالحجارة، ومنعوا أغنامهم من التنقل وحصروهم في منطقة لا تزيد عن 50 كيلو مترا.