كشفت صحيفة الواشنطن بوست، في تحقيق لها عن قيام القوات الخاصة (الإسرائيلية) “المستعربين” باستهداف المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقتلهم بشكل متعمد، لا سيما الأطفال.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن الاقتحامات (الإسرائيلية) أصبحت إجراءً اعتياديًّا في الضفة حيث يعيش أكثر من 3 ملايين فلسطيني، لكنها كانت تحدث غالبًا في الليل وتنتهي عادة باعتقالات، إلا أن العام الجاري شهد في ظل الحكومة الأكثر يمينية بتاريخ (إسرائيل)، تنفيذ عدد متزايد من الاقتحامات خلال أوقات النهار في مناطق مكتظة بالسكان مثل جنين.
وفي الوقت الذي تقول فيه (إسرائيل) إن “هذه الاقتحامات ضرورية لتعطيل الشبكات الإرهابية وحماية مواطنيها من الهجمات”، يؤكد مسؤولون فلسطينيون أنها “جرائم حرب” تجب إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وحتى 15 مايو/ أيار، قُتل 108 فلسطينيين في الضفة الغربية وشرقي القدس، بينهم مسلحون ومدنيون، بأيدي قوات الاحتلال، وفقًا للأمم المتحدة، أي أكثر من ضعف حصيلة العام الماضي في الفترة ذاتها، بينهم 19 طفلًا.
محاكاة ثلاثية الأبعاد
وأجرت الصحيفة مزامنة لـ15 مقطع فيديو للاقتحام الدموي (الإسرائيلي) لمدينة جنين في نهار يوم 16 من مارس/ آذار الماضي، الذي أسفر عن استشهاد 4 فلسطينيين، هم نضال خازم، ويوسف شريم، وعمر عوادين، ولؤي الصغيّر.
وحصل التحقيق على لقطات فيديو من كاميرات مراقبة من المحلات التجارية المجاورة لمكان اقتحام القوات الخاصة (الإسرائيلية)، وتحدثت الصحيفة إلى 9 شهود وحصلت على شهادات من 4 آخرين لإعادة تصوير الاقتحام عبر تقنية المحاكاة الثلاثية الأبعاد.
وأظهرت المحاكاة قيام قوات الاحتلال باستهداف شخصين قالت إنهما كانا مسلحيْن، مع أنه لم يكن أي منهما مسلحًا بشكل واضح وفقًا للتحقيق. وأشارت سلطات الاحتلال إلى الشخصين على أنهما “مسلحان مشتبه فيهما” في بيان أوّلي لكنها لم تقدم أي دليل يدعم مزاعمها.
وفي التفاصيل كشفت الصحيفة أن وحدات المستعربين، تسلّلت إلى المنطقة بزي مدني بواسطة مركبة تحمل لوحة ترخيص فلسطينية، وفجأة ظهر المستعربون المدججون بالسلاح، وأطلقوا النار نحو الشاب نضال الخازم خلال قيادته دراجته النارية، ورغم وقوعه أرضًا، تقدّموا نحوه وأعدموه من نقطة صفر، كما لاحقوا زميله يوسف شريم، واغتالوه.
وعندما اكتشف أهالي جنين الواقعة، اندلعت المواجهات وبدأت الجماهير الغاضبة مهاجمتهم، فأطلقوا النار بشكل جنوني، وكان الطفل عمر عوادين يمر على دراجته الهوائية متوجّها إلى متجر والده، فأصابه رصاصهم، ووقع على الأرض مضرجًا بالدماء، وسرعان ما أعلن الأطباء استشهاده.
وأطلقت قوات الاحتلال النار على أحد المسلحين عدة مرات بعد أن أصبح عاجزًا، وهو ما يبدو أنه إعدام خارج نطاق القانون، وقد أكد خبراء أنه قد ينتهك القانون (الإسرائيلي) نفسه؛ لكون من ادعت تل أبيب أنّهم مسلحون لم يكونوا يشكّلون أي تهديد للقوات لحظة الاغتيال، إلى جانب وجود العديد من المدنيين في المكان.
وحدة “يمام”
وأشار التحقيق الذي أجرته الصحيفة إلى أن وحدة “يمام” هي التي نفذت المهمة، وهي وحدة النخبة في شرطة الحدود (الإسرائيلية) التي تركز على عمليات “مكافحة الإرهاب”، بما في ذلك مداهمات في المناطق المدنية.
وتتنوع وحدات المستعربين ومسمياتها كـ”شمشون” بمحيط قطاع غزة، و”دوفدوفان” بالضفة الغربية، و”يمام” التابعة لحرس الحدود، وتختلف مهماتها لكنها جميعها تخدم الأهداف التي يحددها الاحتلال (الإسرائيلي).
وأشارت الصحيفة إلى أن بعضًا من الوثائق الأمريكية السرية التي تم تسريبها مؤخرًا من خلال منصة “ديسكورد” عبر الإنترنت سلّطت الضوء على مخاوف الولايات المتحدة المتزايدة من أن الاقتحامات (الإسرائيلية) في الضفة الغربية بما في ذلك اقتحام الاحتلال لمدينة نابلس يوم 22 فبراير/ شباط حيث أطلقت القوات (الإسرائيلية) النار على مجموعة من المدنيين، قد تخرّب الجهود الدولية لتهدئة الأوضاع في المنطقة.
من ناحيته، قال المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء فيليب ألستون، للصحيفة بعد مراجعة الأدلة التي قدمتها “يمكن للمرء أن يقول بدرجة من الثقة إن هذه عمليات إعدام خارج نطاق القانون”.
وأضاف ألستون أن “الفشل في توقيف الشابين تفاقم بعد ذلك بإطلاق المزيد من الطلقات المميتة حتى بعد تحييدهما”.
وبدوره قال المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية مايكل لينك إن “عمليات القتل هذه غير مشروعة إلى حد بعيد بموجب المعايير الدولية، وما يزيد من عدم مشروعيتها هو اختيار تنفيذ عمليات الاغتيال في سوق مدنية مزدحمة بشكل واضح”.
وأشار لينك إلى أن أيًّا من الشابين المستهدفين في الغارة، “لم يبد أنه يمثل أي تهديد ولا حتى تهديد وشيك، وكان من الممكن إلقاء القبض عليهما”.
جنين نموذج
أما مايكل سفارد، وهو محام لحقوق الإنسان سبق أن طَعَنَ في شرعية الاغتيالات التي تنفّذها (إسرائيل) في المحكمة العليا (الإسرائيلية)، فقد وصف اقتحام جنين بأنه “نموذج مثالي لكيفية تنفيذ (إسرائيل) للعمليات التي تشمل القوة المميتة”.
وقالت المحامية بجمعية حقوق المواطن في (إسرائيل) روني بيلي، إن المبدأ الأساسي هو أن “لا تفتح النار إلا إذا كنت في خطر”. لكن بحسب منظمات حقوق الإنسان، فإنّ مسألة ما الذي يشكل خطرًا هي مسألة ضبابية في ظل القانون (الإسرائيلي).
و”المستعربون” عبارة عن وحدات أمنية سرية خاصة، وتسمى بالعبرية “المستعرفيم”، تتبع لشرطة الاحتلال (الإسرائيلي)، وتطلق عليها ألقاب ونعوت كثيرة، منها فرق الموت، ويزرع أعضاؤها بملامح تشبه الملامح العربية وسط المحتجين والمتظاهرين الفلسطينيين، حيث يلبسون لباسهم وكوفيتهم ويتحدثون بلسانهم، وسرعان ما ينقلبون عليهم عنفًا واعتقالًا لصالح قوات الاحتلال.
المصدر: واشنطن بوست