منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الجماعية، تعمدت آلة الحرب الإسرائيلية، إلحاق الأذى لكل معالم الحياة ولكل ما هو فلسطيني، حيث تتوالى فضائح الجيش واحدة تلو الأخرى، بداية من إتلافهم مساعدات إنسانية داخل القطاع، والعبث بمطابخ بيوت الفلسطينيين بعد إخلائها، وصولًا إلى تفجير المنازل بغرض الاستهزاء والانتقام.
بأرقامٍ مفزعة، ذكر تقرير أممي أن ما بين 60% و70% من جميع المنازل في غزة، وما يصل إلى 84% من المنازل في شمال غزة، إما مدمرة بالكامل أو متضررة جزئيا.
وتشير تقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أن الأضرار التي لحقت بالقطاع حتى الآن تقدر بنحو 18.5 مليار دولار أو 97% من إجمالي الناتج المحلي لغزة والضفة الغربية.
ووفقا للخبراء، فإن حجم الدمار، الذي أدى إلى تهجير 1.7 مليون أي 75% من سكان غزة، يوضح بجلاء أن إعادة بناء غزة أمر ضروري.
في غضون ذلك، أجرى موقع بيلينغكات الاستقصائي، تحقيقًا صحفيًا وثق فيه تدمير كتيبة إسرائيلية منازل ووحدات سكنية مدنية، أثناء تحركها في جميع أنحاء قطاع غزة، دون مبرر أو أسباب واضحة للتدمير.
واستند الموقع في تحقيقه إلى منشورات جنود من الوحدة على حساباتهم الشخصية، التي وثقوا فيها عمليات التدمير، رغم الدعوات الدولية إلى وقف القصف واستهداف المدنيين.
والتحقيق الذي أعدّه موقع "بيلينغكات" الاستقصائي جاء تحت عنوان "أصبحنا مدمنين على التفجير في غزة".
وقد جاءت عملية الهدم الأولى التي وثّقها الموقع في 13 أو 14 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، حيث دمّرت الكتيبة الهندسية مبنى من طابقين قرب شارع الرشيد، بينما لم يذكر المنشور أي مبرر للهدم.
وبين 20 و23 من نوفمبر، وثق التحقيق كذلك عمليات هدم متعددة للأبراج السكنية بجوار مستشفى القدس في حي تل الهوا بمدينة غزة.
وبحسب التحقيق، كان نقيب من الوحدة الهندسية الإسرائيلية قد أفاد في 19 نوفبر، بالعثور على صواريخ وطائرة من دون طيار في موقع واحد.
ولكن لم يوضح لماذا تطلب هذا الاكتشاف تدمير هذا الحجم الهائل من المجمعات السكنية، لا سيما وأنه تم توثيق تدمير مبنى آخر بين 7 و10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي في المنطقة نفسها، بحسب ما وثق مقطع نشره أحد عناصر الكتيبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد الشمال، انتقل التدمير إلى الجنوب تحديدًا إلى بلدة خزاعة جنوب شرقي خانيونس، حسب ما تم توثيقه، بين 26 ديسمبر 2023 و3 يناير 2024.
أغراض انتقامية وراء تدمير المباني
ويشير قائد الكتيبة إلى أن وحدة منفصلة طلبت المساعدة من الفرقة 8219، حيث قام جيش الاحتلال بتجريف مناطق واسعة وهدم المباني في خزاعة باستخدام المتفجرات وبتوثيق مستفز من عناصر الكتيبة الإسرائيلية.
وبين 12 و15 يناير مطلع العام الحالي، وثّقت الكتيبة ما سمّته عملية الهدم الأخيرة في قلب مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة.
وقد تحدث نقيب في الكتيبة الاحتلال عن استخدام 400 لغم لهدم منطقة سكنية من أجل ما سماه تكريمًا لعيد السبت حسب قوله، بينما أضاف نقيب آخر أنه يقوم بعمليات الهدم من أجل الانتقام.
وفي المحصلة، فإن هذا الحجم الهائل من الدمار جعل المقرر الأممي المعني بالحق في السكن راجا جوبال، يقول إن الهجمات المنهجية واسعة النطاق على مساكن المدنيين والبنية التحتية في غزة تعد إبادة جغرافية.
إضرام النار بالمنازل ممارسة انتقامية "شائعة"
وفي تقرير سابق، كشفت صحيفة "هآرتس" أنها حصلت على معلومات تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي أمر جنوده بإضرام النار في المنازل التي غادرها سكانها في قطاع غزة، وأن مئات عدة منها تعرضت لأضرار يتعذر إصلاحها.
ووفقا لتلك المعلومات، فقد بدأ جنود إسرائيليون بحرق المنازل تنفيذا لأوامر مباشرة من قادتهم، دون الحصول على الإذن القانوني اللازم للقيام بذلك.
وأوضحت الصحيفة في تقريرها أن الجنود دمروا خلال الشهر المنصرم مئات عدة من المباني، ثم أشعلوا النار في هيكل البناية حتى تحترق، وتصبح عديمة الفائدة.
وقال الجيش الإسرائيلي في ردّه على التقرير، إن تدمير المباني يتم بوسائل معتمدة فقط، وإن أي تصرف يُنفذ بطرق مختلفة سيُتحقق منه.
وعندما سُئل عن هذه الممارسة الجديدة، قال قائد في الجيش الإسرائيلي لصحيفة هآرتس إن "المباني تُختار للحرق بناء على معلومات استخباراتية".
وفي ردّه على سؤال هآرتس عن مبنى محترق غير بعيد من المكان الذي أجرت الصحيفة معه اللقاء، زعم القائد العسكري –الذي لم تكشف الصحيفة الإسرائيلية عن هُويته- أنه "لا بد أن تكون هناك معلومات عن مالك المبنى، أو ربما أنه عُثر على شيء ما بداخله. لا أعرف بالضبط سبب إضرام النار في هذا المنزل".
وأكد 3 ضباط يقودون القتال في غزة للصحيفة أن إحراق المنازل أصبح ممارسة شائعة. وقال قائد إحدى الكتائب لجنوده الأسبوع الماضي، بينما كانوا يختتمون عملياتهم في منطقة معينة في غزة: "أخرجوا أغراضكم من المنزل، وجهزوه للحرق".
وكشفت تحقيقات هآرتس أن هذه الممارسة كانت في الأصل مقتصرة على حالات بعينها فقط، ولكنها أصبحت شائعة أكثر فأكثر مع استمرار الحرب.
في الآونة الأخيرة، لجأ الجنود الإسرائيليون المنتشرون في غزة إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار أنفسهم وهم يشاركون في إحراق المنازل في غزة.
وأضاف التقرير أن الجنود يفعلون هذا في بعض الأحيان "انتقاما لمقتل زملائهم الجنود، أو حتى لهجوم (حركة حماس على إسرائيل) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023″.
وتمضي الصحيفة في كشفها حيث أشارت إلى أن حرق مبنى ما، يعني أن ساكنيه لن يتمكنوا من العودة للعيش فيه مرة أخرى.
وتابعت القول إن الجيش الإسرائيلي عمِد، منذ بدء حربه في غزة، إلى تدمير منازل أعضاء حركة حماس، أو مواطني القطاع ممن شاركوا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وحتى الشهر الماضي، كانت وحدات مقاتلة تابعة لسلاح الهندسة، تستخدم في الغالب الألغام والمتفجرات، وأحيانا المعدات الثقيلة في هدم المنازل.
وأوردت هآرتس نقلا عن تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يتضمن تحليلا لصور التقطتها أقمار صناعية، أن ما بين 144 ألفا إلى 170 ألف مبنى في قطاع غزة أصيبت بأضرار منذ بدء الحرب.
وتوصل تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية الشهر الماضي، ونقلته صحيفة هآرتس، إلى أن مساحات كاملة من القطاع قد مُحيت في بيت حانون وجباليا وحي الكرامة في مدينة غزة.
وجاء في التقرير -أيضا- أن 350 مدرسة ونحو 170 مسجدا وكنيسة، إما تضررت وإما دُمرت حتى أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي.