أعتقد أن التحقيقات حول عملية العوجا المستمرة، لا تزال طي الكتمان، من هولها، وضخامتها، وما تشكله من صدمة وإخفاق كبيرين للفواعل الأمنية على طرفي الحدود المصرية مع الكيان المحتل، وواضح أن هناك حالة تعمية وتضليل واسعة حول ملابسات الحدث، حيث أن هناك مؤشرات بأن الحدث أضخم مما تم تصويره، أو ما أعلن عنه من قبل مصر، أو "اسرائيل"، من حيث الأبعاد، والتخطيط، والتنفيذ، وحتى الأدوات والوسائل، وكذلك أعداد وطبيعة المنفذين، وهذا بدوره يربك حسابات حكومة "نتنياهو"، والمستويات الأمنية لدى الكيان.
وأيضاً رأينا من أول أمس السبت 3/يونيو لغاية اليوم حجم الضغط من قبل المتظاهرين في الشارع ضد الحكومة التي تحاول تضليل الشارع، وكذلك هم يطالبوا بالثأر والانتقام، ورفض بيان الجيش المصري، كونه يستخف بهم على حد وصف أعضاء في الكنيست.
هذه المتغيرات بدورها؛ ستخلق حالة أمنية، برأيي؛ لم تكن في حسابات الإحتلال، ولا في حسابات رعاة مؤسسته الأمنية، بالإضافة لأن هذا الحدث النوعي والغير مسبوق منذ عقود، يدفع نحو تحوّلات جيوسياسية خطيرة بالنسبة للإحتلال الصهيوني، وتزيد من حالة رهاب (جبهات القتال المتعددة) .
وهذا من شأنه الدفع بالاحتلال لتوسيع تحشدّاته النوعية من الألوية النخبوية المقاتلة، بدلا من اللواء المختلط المنتشر حالياً على الحدود الجنوبية مع مصر، وهذا بهدف التالي:
أولا: سد ثغرة الجنوب الرخوة، التي أظهر ضعفها الحدث الأخير، كونها تخوم منطقة تحوي قواعد عسكرية وأمنية ومراقبة دولية، باشراف أمريكي مباشر، وكذلك قواعد صهيونية، وهي ذات حساسية أمنية وعسكرية عالية.
ثانيا: ضمان عدم تكرار هذا الحدث لخطورة أثر ذلك من ناحية جيوسياسية، وجيواستراتيجية، وهو ما يحذر منه كل مستويات القرار في الكيان الاحلالي، ويوصي بسرعة تأمين جبهة الجنوب، الغير موضوعة في الحسابات، وربما يشكل ذلك عبئ جديد وانفاق واسع، يرهق الإحتلال.
أما على صعيد الجمهورية المصرية أعتقد أن الولايات المتحدة والكيان قد يلجأوا لممارسة ضغط غير مسبوق، على القيادة المصرية، وتحميلها المسؤولية عن هذا الإخفاق، كونها هي من تشرف على تأمين الحدود من جانبها. وقد لا يمكننا الآن استشراف الرد المصري ومدى الاستجابة المصرية لتلك الضغوطات، خاصة أننا لا نعلم في أي اتجاه يتم الضغط على مصر.
ولكن من الواضح أن جمهورية مصر في وضع لا يسمح لها بالاستجابة لتلك الضغوطات، خاصة بعد تلك الصفعات التي تلقّتها من أمريكا في السودان، حيث تم سحل قواتها واهانتهم، وحرق طائراتها "السوخوي" المتمركزة في السودان، وحرمانها من امكانية المبادأة بأي عمل عسكري ضد أثيوبيا هذا من جانب، ومن جانب آخر ؛ احراج المخابرات المصرية باستهداف قادة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة الشهر المنصرم، من قبل عصابات الإحتلال الصهيـ.وني.
وبالتالي؛ أعتقد أنّ مصر غالباً ستتبنى مبدأ المناورة في هذه الورقة الحساسة والمهمة، في مواجهة الضغوطات الأمريكية الصهيونية، وهذا من شأنه أن يفضي إلى إتفاقات أمنية مجدداً تعيد من خلالها الولايات المتحدة النظر في شكل وحجم ونوعية القوات الأمنية المنتشرة على طول الحدود المصرية في المناطق (ب، ج). وربما تحصل مصر على أدوار وامتيازات، أو مكتسبات اقتصادية، وسياسية في قادم الأيام.
وفي كل الأحوال يمكنني القول؛ أن حدث حاجز العوجا قد قلب الموازين، وأن الكيان المحتل المسمى "اسرائيل" في وضع أمني حرج وخطير، وهذا قد يؤخر أو يعرقل أي عمل مبادر من قبلها ضد أي فاعل من الفواعل المحلية أو الإقليمية، ويجبرها صاغرة على اعادة النظر مجدداً في خططها الفاشلة، والمُعدّة بهدف استعادة حالة الردع المتهالك، وكذلك خططها الرامية لاستهداف إيران وأذرعها على حد وصفها