ونحن نشاهد ما كشفت عنه بعض مشاهد التعذيب في السجون المصرية قفزت من الذاكرة "نكتة" دريد لحام في مسرحية كاسك يا وطن (الكهربا وصلت لقفاي قبل ما تصل لضيعتنا), يومها ضحكنا لا على النكتة ولكن على أنفسنا وعلى حالنا, وبقيت الكهرباء و"الزجاجات الفارغة" والعصي تطارد "قفى" المواطن في سجون الوطن العربي.
فلسطينيا عشنا مشاهد التعذيب خلال عمر الاحتلال , وبعد قدوم السلطة وتحديدا منذ العام 1996 حتى سقط نظام السلطة في غزة, وواصل الجريمة في الضفة حتى اليوم.
الأنظمة والسلطة رسخت فينا ثقافة "الفلكات" حتى "تعود خد المواطن على اللطم", فقد تفننوا في اهانة آدميتنا وانتزاع رجولتنا , ولمن يهوى سماع قصص الرعب يمكن أن يستمع لشهادات العائدين من السجون المصرية.
من القواسم المشتركة في التعذيب في أقبية سجون الاحتلال وسجون السلطة وسجون مصر: "الصعق الكهربي والإجبار على التعري, والتهديد أو تنفيذ الاغتصاب بحق المعتقلين", والملفت أن جميع المحققين "الإسرائيلي والفلسطيني والمصري" كانوا يخشون رجولة المواطن الفلسطيني والعربي, لذا استخدموا أسلوب عصر" خصيتي" الضحية .. معتقدين فيما يبدو أن الرجولة والثورة والغضب محصورة في العضو الذكري.
تفاجأ الاحتلال والسلطة والنظام المصري والتونسي أن "الخد العربي لم يعد يقبل "اللطم", وان التعذيب "والتلطيش" والكرباج , احد ابرز وسائل التحفيز لاحقا, لأنه يوقظ في الإنسان عناصر الثورة , وكل صرخة تدوي في أقبية و"مسالخ" الجلادين تتحول لصرخة مجلجلة في وجه السلطة.
ومن أراد ان يبكي فليقرأ قصيدة مؤلمة للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي و هو يوصف التعذيب في السجون المصرية كما هو الحال في باقي السجون, حيث يقول في بعض ابياتها:
أرأيت بالإنسان يُنفخ بطنه حتى يُرى في هيئة البالون ؟
أسمعت بالإنسان يُضغط رأسُه بالطوق حتى ينتهي لجنون ؟
أسمعت بالإنسان يُشعل جسمُه ناراً وقد صبغوه بالفزلين ؟
أسمعت ما يلقى البرئ ويصطلي حتى يقول: أنا المسئُ خذوني
أسمعت بالآهات تخترق الدجى رباه عدلك .. إنهم قتلوني
إن كنت لم تسمع فسل عمّا جرى مثلي ولا ينبيك مثل سجين
واسأل ثرى الحربي أو جدرانه كم من كسير فيه أو مطعون
وسل السياط السود كم شربت دماً حتى غدت حمراً بلا تلوين
أما إذا أردت أن تضحك فاسمع إلى شاهدة مغترب يقول: "إن ما لا يستطيع المرء إدراكه هو لماذا يستورد هؤلاء الحكام كل شيء من الغرب: من الخمور العتيقة إلى آخر موديل من السيارات. يستوردون كل معالم الحضارة الغربية بما فيها اللغة ونمط المعيشة وأنواع الرقص المختلفة لكنهم يرفضون وبشدة استيراد، أهم وأجمل وأرقى ما لدى العرب: الحرية وتقديس حقوق الإنسان".
ويروي آخر:"في منتصف الثمانينات، قضيت ثلاثة أسابيع ببولونيا وكان من بين ما زرت معسكر (أوشويتز) الذي يقال أن الغاستابو الهتلرية كانت تجمع فيه اليهود قبل تحويلهم إلى حمامات الغاز، وقد فوجئت وقتها وأعجبت بإنسانية "الرايخ" لأنه كان يسجن اليهود في غرف واسعة ومريحة وفيها تدفئة وأسرة للنوم. يومها لاحظت لبعض رفاق الرحلة أن هذا المعسكر هو أفضل بكثير من السجون العربية".