شكّلت عملية التفجير النوعية لإحدى الآليات العسكرية المصفحة التابعة لجيش الاحتلال (الإسرائيلي) والتي كانت تقل عناصر من وحد ما يسمى بــ"المستعرفيم" في الجيش، نقلة نوعية في تطور العمل العسكري المقاومة وخاصة مناطق شمال الضفة عموما وجنين على وجه الخصوص.
وليست المرة الأولى التي تنجح فيها المقاومة الفلسطينية المسلحة في جنين في جعل وحدة "المستعرفيم" تجثو على ركبتيها، عقب إصابة 7 من عناصرها بعضهم بجراح حرجة، لكن الجديد هذه المرة هو التطور اللافت في العبوات المصنّعة محليا بطريقة بدائية وأدوات بسيطة.
وبحسب وسائل إعلام الاحتلال فإن العبوة المتفجرة في جنين بلغ وزنها 40 كيلوغراما، وتمكنت من إخراج مركبة عسكرية متطورة من الخدمة، ما يعني أن الجيش سيكون مضطرا على تغيير سياسته المُتبعة في اقتحام المناطق الفلسطينية، إلى الحد الذي قد يصل لتغيير نوعية المركبات والعسكرية وزيادة التحصين لها وتغيير خططه المُعتادة.
نجح المقاومون الفلسطينيون في صدم منظومة الاحتلال الأمنية برمتها، وإجبارها على استخدام القوة المُفرطة وتدخل سلاح الجو (الإسرائيلي) للمرة الأولى منذ 20 عاما للمشاركة في العملية العسكرية التي كانت تهدف لاعتقال عاصم أبو الهيجا، وفق حديث الاحتلال.
قدمت جنين نموذج فريد من العمل المقاوم قبل عقدين من الزمن حين شكلت تحديا لجيش الاحتلال بأكملهم الذي حاصر المدينة عدة أيام ابان معركة مجزرة جنين عام 2002، وشهدت أيام طاحنة من القتال وانتهت بقتل 23 جنديا (إسرائيليا) في كمائن مُحكمة لفصائل المقاومة، فيما ارتقى 58 شهيدا فلسطينيا، كان أبرزهم رموز وأبطال المخيم أمثال جمال أبو الهيجا ومحمود طوالبة وأبو جندل، وغيرهم من الشهداء الأبطال.
نجحت مختلف الفصائل شمال الضفة وفي جنين تحديدا، في استقاء تجربة وحدة العمل المقاومة وصهر هويتها الحزبية في الإطار الوطني وتشكيل مجموعات "عرين الأسود"، متخذة من تجربة غرفة العملية المشتركة في قطاع غزة نموذجا فريدا في مقارعة الاحتلال.
وعرين الأسود هي مجموعات مسلحة مقاومة تضم مختلف الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، وتجتمع على هدف واحد وهو محاربة جيش الاحتلال بمختلف الأدوات والوسائل العسكرية المتاحة.
ما سبق شكل حالة وطنية متكاملة ساهمت الحاضنة الشعبية الفلسطينية التي شكلت ركيزة أساسية في صناعتها، مما قد يدفع مختلف مناطق الضفة إلى الحذو حذوها كنموذج مُشرف في ظل فشل مشروع التسوية التي تتبناه السلطة الفلسطينية هناك.
على صعيد الاحتلال فإنه يعتبر أن منطقة جنين عادت مجددا تشكل صداعا مستمرا للمنظومة الأمنية، في ظل أنها باتت الخاصرة التي تؤلم الجيش ونقطة ارتكاز لمئات المسلحين الفلسطينيين ومصدر للعمليات المسلحة.
يخشى جيش الاحتلال أن تشكل جنين معضلة لا يمكن مواجهتها والوصول لشوارعها؛ كباقي مدن الضفة، والاضطرار للتعامل مع أمر واقع جديد، لذا قد يدفعه باتجاه عملية عسكرية موسعة شمال الضفة في محاولة لاستدراك نفسه، والقضاء على المقاومة المسلحة فيها.
وتجلى ذلك في تهديدات وزير المالية في الحكومة اليمينة المتطرفة بتسلئيل سموتريتش بشن عملية واسعة النطاق شمال الضفة، لكن مثل هذا القرار قد يخضع لاعتبارات عديدة قد تدفع حكومته إلى عدم التسرع فيها، والاكتفاء بمواصلة السياسية القائمة "جز العشب" مع التغيير والتطوير في المركبات العسكرية المصفحة لعدم تكرار حادثة اليوم.
سيبذل جيش الاحتلال قصارى جهده في محاولة وأد المقاومة العسكرية المتصاعدة، بالقدر الذي لا يدفع نحو جره إلى تصعيد في مناطق وجبهات أخرى يخشى من اشتعالها، في ظل التوجه الذي تتخذه فصائل المقاومة نحو وحدة الساحات.