قرابة ١٠٠ عام مرت على استشهاد الشيخ المجاهد عز الدين القسام في أحراش يعبد قرب جنين. قضى القسام نحبه ورفاقه ولم يكن يعلم أنّ كل قطرةٍ دمّ غرست في تراب الأرض بذور العزة والكرامة، فأنبتت شجر الصمود والتحدي ثم أثمرت مقاومةً باسلة لا تعرف الانكسار.
اتخذ الكيان الصهيوني قراره باجتياح مدينة جنين ومخيمها برياً فجر الاثنين ٣ يوليو في عملية عسكرية أطلق عليها اسم "المنزل والحديقة" وصاحب ذلك من قصفٍ جويٍّ مكثف وذلك بهدف تقويض قدرات المقاومة المتزايدة وعلى رأسها كتيبة جنين والتي تقودها سرايا القدس. بدأت العملية وقد خطط لها قادة الكيان لتستمر ٧٢ ساعة، لكن باغتتهم جنين بما لم يكن في الحسبان!!
١. استطاع المقاومون التعامل بثباتٍ تام على مستوى رد الفعل في الميدان وكذلك على مستوى اتخاذ القرار في أروقة القيادة العليا، الأمر الذي مكنهم من امتصاص الصدمة الأولى رغم سقوط الشهداء وتزايد الجرحى وضراوة الآلة العسكرية الصهيونية، والتعامل مع الموقف بحكمةٍ مدهشة تنبئ عن الكثير من التطور اللافت في القدرة والكفاءة.
٢. فوجئ العدو الصهيوني من النقلة الواضحة في البنية التحتية للمقاومة وقدرتها على المناورة ضمن تكتيك حرب الشوارع والذي خاضه المقاتلون باقتدار وفق الأدوات والمقدرات المتاحة لديهم. ولقد أظهرت التقارير حجم الإعداد والتجهيز المبذول خلال الفترة الماضية والذي برز في صورة الأنفاق والوصلات القتالية، نجاعة العبوات الناسفة، والقدرة على التعامل مع الأسلحة المتوسطة، وتفخيخ مداخل المنازل والأماكن الحساسة مما أحدث حالة إرباك لدى العدو جراء ما أصاب آلياته المتوغلة وإسقاط طائرة مسيّرة، وسقوط جنوده ما بين قتيلٍ وجريح..
٣. جسدت حالة الوحدة بين صفوف الأذرع العسكرية المقاتلة وتلاحمها مع الحاضنة الشعبية في جنين حالة فريدة من الثبات والدعم الذي سبق ورسمه المخيم قبل نحو عشرين عاما يوم أن تعرض لحرب إبادة في مطلع انتفاضة الأقصى في معركة السور الواقي. لذلك لم تفلح محاولات بث الإشاعات الصهيونية التي تحدثت عن اعتقالات بالجملة في صفوف المقاتلين، أو ضلوع حركات فلسطينية في عملية تنسيق مع العدو الصهيوني بخصوص العملية الدئرة.
٤. مثلت العملية الفدائية التي نفذها عبدالوهاب خلايلة في قلب تل أبيب منعطفا حادا أثار قلق قادة الكيان من احتمال توجيه ضربات أقسى في العمق الصهيوني وهو الأمر الذي لا يمكن أن تستمر معه العملية العسكرية التي انطلقت أساسا لتأمين الحديقة والمنزل لا لإفساح المجال لمزيدٍ من الزعزعة وعدم الاستقرار على صعيد الجبهة الداخلية لدى الكيان.
٥. الإعلام المقاوم الرسمي والشعبي والذي مثل درعاً حصينة في مواجهة الإشاعات الصفراء، وعلى العكس تثبيت دعائم المجتمع الفلسطيني بمواطنيه ليكون لذلك الأثر البالغ في تثبيت أهل جنين ومقاتليها، إضافة إلى نشر صورة الحقيقة من قلب الحدث والتي تبين بربرية المحتل وغطرسة مخرزه في مقابل إظهار بسالة المقاومة في الدفاع عن أبناء شعبها وطهارة كفها الذي يناطح المخرز. هذه الصورة الإعلامية هي التي دفعت بعض الدول ك "ألمانيا" للقول بأنّ لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ولكن مع اعتبار مبدأ التناسب".
انسحبت إسرائيل تجرّ أذيال خيبتها مجدداً ومعها آلياتها المدمرة وجنودها المهزومون. انسحبت إسرائيل وقد تآكلت قوة ردعها أكثر فأكثر. انسحبت إسرائيل وقد ارتفعت معنويات المقاومة بقدرتها على الصمود والتحدي، بل بقدرتها على استرجاع الأرض والمقدسات، لتقول كما قال الشاعر تميم البرغوثي: تحريرها من البحر إلى النهر ممكن!!