لطالما اعتمد المحتلون والغزاة والمستعمرون على سياسة “فرق تسد” لتقسيم البلد المحتل وإضعافه وتشتيت مقاومته، وعزل أقاليمه ومناطقه عن بعضها البعض، كي يسهل عليهم السيطرة والهيمنة واستمرار احتلالهم.
وقد اعتمد العدو الإسرائيلي على هذه السياسة منذ احتلاله فلسطين بهدف زرع الشقاق في صفوف المقاومة الفلسطينية وعزل القدس عن الضفة الغربية وعن قطاع غزة، كما عمل على عزل أبناء فلسطيني 1948 عن إخوانهم في فلسطين، وتقسيم الوطن المحتل لقطع أواصر التواصل والعلاقات التي تجمع أبناء الشعب الفلسطيني، ولتشتيت مقاومته وعزل أقاليمه ومناطقه عن بعضها البعض، حتى يتمكن الاحتلال من الاستفراد بكل جزء من الوطن الفلسطيني لوحده، ويسهل عليه السيطرة على مقاومته والاستفراد بكل فصيل مقاوم على حدة، وعزله عن بقية الفصائل الفلسطينية المقاومة.
إلا أن المقاومة الوطنية الفلسطينية وبكل فصائلها، أدركت ذلك المخطط الصهيوني التقسيمي المعادي، وعملت على إسقاطه وإفشال أهدافه، فسعت إلى توحيد جبهة العمل والصف الفلسطيني المقاوم كل في ساحاته، وتوحيد الساحات طالما أن العدو مشترك، والهدف النضالي لكل الفصائل متحد حول تحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق الفلسطينية، وأن كيان العدو وفي ظل الظروف الراهنة وتجربة النضال السابقة لا يفهم إلا لغة المقاومة، ولم يترك أي فرصة سياسية للتفاهم معه، وأثبتت التطورات أن المقاومة هي اللغة الوحيدة التي تجبر العدو على عودة الأرض المحتلة، واسترجاع الحقوق المغتصبة شاء من شاء.
وقد استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تضرب نظرية الحروب الخاطفة التي اتبعتها قوات الاحتلال، بعد أن نقلت المعركة إلى داخل الكيان الصهيوني وإلى كل شبر من أرض فلسطين، وذلك من خلال معركة “سيف القدس” التي ضربت كيان الاحتلال في العمق، وكان من نتائجها توحيد الأرض والشعب والقضية، وإزالة الحواجز الجغرافية داخل فلسطين، وأن قضية فلسطين كقضية تحرر وطني عادت مرة أخرى للبروز في صورة للوحدة والتماسك بعد معركة سيف القدس.
ولم تعد حماية وحدة الصف الفلسطيني خياراً بل أصبحت واجباُ، وخاصة في ظل تحالفات معادية تنشأ من حولنا كل يوم، وتصب في مصلحة العدو. وبالتالي، دفعت معركة المقاومة في جنين وغيرها من المدن الفلسطينية إلى اصطفاف كبير من الشعب الفلسطيني حول خيار المقاومة في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والتي شكّلت رادعاً قوياُ في وجه العدو، عبر إعادة تصويب البوصلة إلى المشترك البيني، وتجديد التعاون والتآزر في مواجهة أيّ عدوان إسرائيلي.
وقد شكلت معركة “وحدة الساحات” التي خاضتها الفصائل الفلسطينية المقاومة في وقت سابق ضد عدوان كيان الاحتلال على قطاع غزّة الذي توقف فيه العدوان بعد 55 ساعة، إذ إن أبعادها ونتائجها أسست لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع مع الكيان.
وأثبت المقاومون الفلسطينيون مجدداً أنّهم وبالعزيمة الراسخة والإدارة الحكيمة، قادرون على كسر شوكة العدو وهزيمته.
هؤلاء الذين صمدوا وواجهوا كل أشكال الترهيب، واستمروا في إعداد القوة التي ترعب العدو وتصنع النصر بالتعاون ووحدة الصف التي أبداها أبطال المقاومة الفلسطينية أيضا في معركة “ثأر الأحرار”، حيث استطاعوا أن يضيفوا نصراً جديداً إلى انتصاراتهم ومفاخرهم السابقة.
واستمر أبطال المقاومة في إعداد القوة التي ترعب العدو وتصنع النصر بالتعاون ووحدة الصف التي أبداها رجال المقاومة لاسيما معركة جنين الذي اندحر العدو بعد يومين من المعارك والصمود البطولي لشعبنا ومقاومته البطلة.
لاشك أن انتصارات المقاومة الفلسطينية تشكّل خطوات ثابتة نحو النصر الكبير والنهائي على الاحتلال، وأبطال المقاومة على امتداد أرض فلسطين أثبتوا من خلال المعارك مع العدو الإسرائيلي أنّ فجر النصر بات قريباً، وأنهم يحملون أمانة الدفاع عن القدس والمقدسات بعزيمةٍ ووفاء.
وهذه المعارك شكلت اختباراً لثبات المعادلات التي كرّستها الفصائل الفلسطينية المقاومة في معاركها، وأهمية ترابط ووحدة جبهات الساحة الفلسطينية من غزّة إلى القدس والضفة الغربية وصولاً إلى أراضي عام 1948، إذ إن الاحتلال كان يظن خلال عدوانه الأخير على جنين والضفة أنه سيكون عملية خاطفة ذات ردود محدودة لتفكيك جبهة المقاومة الفلسطينية. إلا أن مخططه فشل وسقط أمام صمود شعبنا الفلسطيني ومقاومته الباسلة ووحدة الصف الفلسطيني والمقاومة في كل ساحات النضال والمقاومة التي وقفت صفاً واحداً في وجه الاحتلال والعدوان الإسرائيلي.