تعيش الضفة اليوم حالة شبية لتلك التي مر بها قطاع غزة إبان تواجد الاحتلال الإسرائيلي فيه، وحتى في ظل السلطة الفلسطينية والعمل المشترك بينهما تحت ما يُسمى التنسيق الأمني. وعلى الرغم من ذلك؛ لم تتوقف كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية لحظةً عن مقارعة الاحتلال مُستخدمةً في ذلك العديد من الأسلحة والعبوات الناسفة التي تمكنت من صناعتها وعملت على تطويرها تدريجياً، واستخدمتها في عملية دحر الاحتلال عن قطاع غزة، إذ استطاعت المقاومة الانتقال من مرحلة الأسلحة والعبوات إلى صناعة الصواريخ التي وصلت إلى ما هي عليه الآن. وبفضل الله تعالى ومنته استمر العمل الجهادي، وبجهد المجاهدين المخلصين الذين واصلوا الليل بالنهار إلى أن تمكنوا من صناعة المُسيرات بأنواعها وأجيالها المختلفة، كما واكبت المقاومة الفلسطينية التطور الإلكتروني، حيث تمكن رجالها من إتقان أساليب جديدة في صراعهم مع العدو الصهيوني من خلال حرب السايبر الإلكترونية.
وقد عملت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية طيلة السنوات الماضية ونفذت العشرات من العمليات البطولية التي لقنت فيها العدو الصهيوني الضربات المؤلمة إبان فترة التسعينات، إلى أن توقفت بشكل تدريجي في ظل الهجمة الشرسة من قِبل السلطة التي بذلت خلالها جهوداً كبيرة في العمل على تفكيك الأذرع العسكرية واعتقال العديد من خلايا المقاومة والزج بهم في سجونها ومصادرة الأسلحة والتضييق عليهم وفي كثير من الأحيان كانت تقوم بتسليمهم للاحتلال، لتُعلن متبجحةً عن نجاحها في توجيه ضربة للمجاهدين وفرض حالة الأمن للكيان الصهيوني في محيط مدن الضفة التي توجد فيها مئات المستوطنات وآلاف المستوطنين أو في مدن الداخل المحتل. لكن تلك الحالة من الهدوء لم تدم طويلاً في ظل وجود احتلال جاثم على الأراضي الفلسطينية؛ وهو ما جعل الكثير من الشباب الفلسطيني الثائر ينضموا إلى الحالات العسكرية ويعملوا فيها بُغية ضرب العدو الصهيوني وجعله لا ينعم بحالة الهدوء التي تغنى بها. فعادت الخلايا ونشطت من جديد وأصبحت تستهدفه في كل مكان وزمان.
يجد الاحتلال الصهيوني نفسه اليوم أمام واقع صعب، وخطر تتدحرج فيه الأمور باتجاه مقاومة فلسطينية مُكتملة الأركان من رجال صناديد وأسلحة وعبوات ناسفة، تعصف بحالة الأمن التي عاشها لفترة من الزمن وصولاً إلى المجهول الذي كان ينتظره. وما نشهده في الضفة الغربية من حالة مقاومة جديدة، يُعد مؤشر عن التحولات في مسيرة النضال ضد الاحتلال وأعوانه، تُؤسس لمرحلة جديدة وصولاً لتحرير كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمتتبع لهذا الشأن؛ يجد أن كتائب القسام وأذرع المقاومة الفلسطينية كيف استطاعت خلال اقتحام الاحتلال لمخيم جنين من ضربه بالعبوات الناسفة الجديدة موقعةً فيه العديد من القتلى والجرحى، جعلته يجر أذيال الخزي والهزيمة وينسحب منه حاملاً قتلاه وجرحاه، ولم يكن ذلك ليحدث إلا من خلال تجسيد وحدة المجاهدين وما صنعته أيديهم لضرب العدو وتكبيده الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات وتنال منه مُحققة النصر المؤزر.
ما زال عام 2023 ومنذ بدايته يشهد ارتفاعاً قياسياً ملحوظاً في عمليات المقاومة، بأشكالها المتعدّدة، وعلى وجه الخصوص عمليات إطلاق النار على قوات الاحتلال التي تقتحم المدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة المحتلة وكذلك على الحواجز الصهيونية. بحيث أصبحت الضفة الآن عبارة عن كُرة من اللهب المُتدحرجة التي ستُلاحق الكيان الصهيوني وتقتلعه من أراضينا المحتلة، كما تم اقتلاعه ودحره من غزة، فالعمليات البطولية التي جاءت في إطار الرد على الجرائم الصهيونية تُنذر بالخير الكثير بأن نهج المقاومة لا ولن ينطفئ يوماً، وأن بُركان الثورة سينفجر قريباً في وجه العدو الصهيوني وأعوانه. حيث شكلت معركة جنين صدمة ومفاجئة للعدو من الأداء الفعال للعبوات الناسفة التي ظهرت في الكمائن وتسببت بتدمير وإعطاب العديد من الآليات العسكرية وحققت الإصابات المباشرة في صفوف جنوده ما بين قتيل وجريح. وقد وصف العدو المقاتلين الذين دافعوا عن المخيم بأنهم أكثر جرأة وشجاعة على مواجهة قواته، وأنهم لا يهابوا الموت ويرفضوا الاستسلام ويقاتلوا في بسالة حتى آخر طلقة.
خلاصة القول؛ أن نمط المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية ضد العدو الصهيوني يشهد مرحلة انتقالية في نضال الشعب الفلسطيني، وجاء ذلك نتاج لحقبة زمنية جديدة تتسم بحالة تفكك سلطة أوسلو وانكشافها للشعب بأنها وكيلة للاحتلال الصهيوني، كما جاءت نتاجاً لحالة الوعي الفلسطيني لواقع السلطة واصطفافها إلى جانب الاحتلال بدلاً من نصرة أبناء شعبها والعمل على حمايتهم منه.