يعيش المعارضون السياسيون للسلطة في رام الله تحت وطأة التهديد بالاعتقال أو إفساد حياتهم، إلى أن وصل الحال إلى حد اغتيال بعضهم، أو على أقل تقدير إطلاق "الرصاص المجهول" على بيوتهم ومركباتهم وأفراد عائلاتهم، في تحذيرٍ أخيرٍ لهم من مغبة مواصلة إعلاء "الصوت المعارض".
وتجاوزت السلطة -منذ قدومها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1994، نتيجة اتفاق أوسلو- الخطوط الحمراء في سياسة قمع الأصوات المعارضة، إذ وصلت إلى حد قتلهم تحت وطأة التعذيب، والزجّ بهم في سجونها المنتشرة بالضفة الغربية المحتلة، وأبرزها مسلخ سجن أريحا "سيئ الصيت والسمعة".
صحيفة "فلسطين" تفتح عبر هذا التحقيق الاستقصائي الصفحات السوداء لأجهزة أمن السلطة التي تلطّخت بقتل عددٍ "غير قليل" من المواطنين، خاصة المعارضين السياسيين تحت "مبررات واهية"، وعادةً ما يتبع تلك الجرائم "إعلان مُزيف" عن تشكيل لجان للتحقيق، لا تخرج نتائجها للعلن.
جريمة اغتيال
في الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران 2021، استيقظ الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج على جريمة بشعة هزت أركان مدينة الخليل تحديدا، على وقع اغتيال فرقة أمنية الناشط والمعارض السياسي نزار بنات.
يروي غسان بنات، شقيق الشهيد نزار، أنّ قوة مكونة من 14 عنصرًا أمنيًّا يتبعون لجهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة، اقتحموا منزلًا كان يوجد فيه نزار بمحافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية، بعدما كسروا أجزاء من شبابيكه وداهموه بوحشية.
أوضح بنات في حديث لصحيفة "فلسطين" أنّ عناصر الأمن الوقائي انهالوا بالضرب المبرح على "نزار" وهو مُلقى على فراشه، باستخدام الهراوات والعتلات ورشّ الغاز على وجهه، حتى سالت منه الدماء وغاب عن الوعي، متهمًا العقيد في الأمن الوقائي عزيز طميزي بالإشراف على جريمة قتله.
وذكر أنّ "نزار" تلقّى 42 إصابة في جسده نتيجة كثرة الضربات والغاز السام الذي تعرض له، كان ما نسبته 22% منها في منطقة جسده العلوية، معتبرًا ما حدث "قتلًا مباشرًا" وفق تقرير التشريح الصادر عن أروقة السلطة ووافقت عليه العائلة.
وبيّن أنّ عناصر الأمن الوقائي ألقوا "نزار" في سيارة لا تحمل لوحة، (مسروقة)، لشخص يُدعى "شادي القواسمي"- حسب قوله، لافتًا إلى أنّ الجريمة استغرقت 8 دقائق وانتهت باستشهاد نزار.
وبحسب بنات، فإنّ السلطة شكّلت لجنة للتحقيق في الجريمة برئاسة وزير العدل في حكومة اشتية محمد شلالدة، وتضم نقابة المحامين وقائد الاستخبارات في السلطة زكريا مصلح، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وطبيب العائلة، وبعد بضع أيام من مباشرة اللجنة عملها انسحب رئيس الهيئة عمار دويك، ثم النقابة، ولاحقًا طبيب العائلة، وتبقّى فقط شلالدة ومصلح، معتبرًا ذلك مؤشرًا واضحًا على تورط أجهزة السلطة بشكل مباشر في الجريمة.
وتساءل: "هل يُعقل أن تحقق السلطة وهي متهمة مع متهمين من أجهزتها الأمنية؟"، مشيرًا إلى أنّ وزارة العدل أصدرت تقريرًا من 20 صفحة "مليئًا بالأكاذيب"، لم يُقنع المجتمع المحلي ولا الدولي، لذلك رُفض التقرير وما صدر عنه.
وشدد على أنّ "كل ما صدر عن اللجنة مرفوض جملة وتفصيلًا من العائلة ولا قيمة له"، منبهًا إلى أنّ بعض بنود التقرير تقول إنّ "نزار انتحر وضرب رأسه في سيارة وفي الجدار، ما أدى لوفاته".
وبيّن أنه بعد مرور المزيد من الوقت والاعتراضات على اللجنة وتقريرها، وممارسة ضغوط دولية وعربية على السلطة، شكّلت الأخيرة لجنة تحقيق بإشراف عربي ودولي، وأصدرت تقريرًا يتكون من 2800 صفحة مُرفقًا بأدلة من مقاطع الصور والفيديو و25 شاهدًا على الجريمة.
واعتبر صدور التقرير الأخير دليلًا على "محاولات السلطة للتضليل وتمييع القضية"، مؤكدًا موافقة العائلة على التقرير، إذ يتضمن أيضًا إدانة السلطة بالكامل، مع معرفة مرتكبي الجريمة.
وحصلت صحيفة "فلسطين" على نسخة من التقرير الدولي وتقرير آخر للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، يثبت إدانة وتورط السلطة وعناصرها الأمنية في الجريمة بشكل كامل.
كما حصلت أيضًا على "تقرير طبي قضائي نهائي" بعد تشريح جثة نزار في معهد الطب العدلي/ جامعة القدس- أبو ديس، الذي خلُص إلى أنّ سبب الوفاة الصدمة الإصابية (الرضحية) الناجمة عن الإصابات المتعددة التي تسبّبت بحدوث فشل قلبي تنفسي حاد.
وعلى الرغم من مرور نحو عامين على جريمة اغتيال "بنات" فإنّ السلطة لا تزال تعقد سلسلة من المحاكمات بدعوى محاسبة الفاعلين "لكنها لم تتخذ قرارًا قضائيًّا بحقهم، بل لا يزالون طلقاء حتى اليوم"، الأمر الذي دفع العائلة لمقاطعة جلسات المحاكمة والتهديد بالتوجه للمحاكم الدولية.
وكانت مجموعة "محامون من أجل العدالة" قد قالت في بيان سابق، إنها تابعت جلسة محاكمة 14 متورطًا من منتسبي الأمن الوقائي المتهمين في قتل "نزار" في المحكمة العسكرية الخاصة برام الله يوم 29 يناير/ كانون الثاني العام الجاري، بحضور كامل هيئة الحكم والمتهمين الذين أُفرج عنهم سابقًا ومحاميهم ووكيل النيابة العسكرية.
وبحسب تقرير صادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، فإنّ أجهزة أمن السلطة قتلت قرابة 12 معارضًا سياسيًّا بين عامي 2007 و2021.
مقتل "البرغوثي"
وفي قصة أخرى ترويها إشراق البرغوثي، ابنة المعارض السياسي مجد البرغوثي الذي قتلته أجهزة أمن السلطة عام 2008، تحت ذرائع زائفة، وعن سبق إصرار وترصُّد، تسرد إشراق لـ"فلسطين" تفاصيل الصفحة السوداء التي وقعت في 14 فبراير/ شباط 2008، حينما انقضّت عناصر من جهاز المخابرات على "مجد" في أثناء خروجه من المسجد بعد صلاة المغرب "دون سابق إنذار"، واقتادته إلى منطقة مجهولة في رام الله.
ظلّت العائلة في حالة قلق على مصير "مجد" في ظل عدم توافر أيّ معلومات عن مكان وجوده لمدة 8 أيام متواصلة، حتى أبلغهم مواطنون أنه مُعتقل لدى جهاز المخابرات.
تقول "إشراق": إنّ مخابرات رام الله تواصلت مع العائلة بعد مرور تلك الفترة وأبلغتهم أنّ "مجد" بحاجة إلى بعض الأغراض والملابس، وعند وصول عمي إلى المقر منعوه من الدخول، مضيفة أنّ الاعتقال جاء على خلفية انتماء والدها إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس وتشكيل خلايا مقاومة، علمًا أنه أمضى عدة سنوات في سجون الاحتلال بشأن التهمة ذاتها.
وتروي أنه في 22 فبراير في العام ذاته، تفاجأت العائلة بارتقاء "مجد" شهيدًا، وإلقاء عناصر من مخابرات السلطة جثمانه في مستشفى خالد برام الله، مشيرةً إلى أنّ الجثمان حُوّل إلى الطب الشرعي الذي أثبت أنه فقد حياته نتيجة التعذيب.
وأوضحت أنّ السلطة أصدرت تقريرًا طبيًّا كاذبًا أنّ وفاة "مجد" جاءت نتيجة حدوث تضخم في القلب بفعل الإدمان على التدخين، وهو ما نفته جملة وتفصيلًا، ولا سيّما أنّ والدها إمام مسجد ويُحارب ظاهرة التدخين.
وبيّنت أنّ الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أصدرت تقريرًا أثبت تعرُّض "مجد" لتعذيب جسدي خاصة في منطقة اليدين والبطن والظهر والأرجل، وقد حصل "مُعد التحقيق" على نسخة منه.
وأشارت إلى أنّ السلطة شكّلت لجنة للتحقيق في جريمة اغتيال والدها، لكن تم حلها بعد مرور 8 أشهر فقط على الجريمة، في أعقاب صدور مرسوم رئاسي باعتباره "شهيدًا" ويتمتع بحقوق الشهداء.
وتابعت أنّ السلطة أوقفت منحة الشهداء عن العائلة بذريعة أنّ "كل من لا يُقتل على يد (إسرائيل) فهو ليس شهيدًا"، متهمة محاكم السلطة بعدم إنصافهم بقضية التحقيق مع قتلة والدها، ولا سيّما أنهم لا يزالون طلقاء ولم يتعرضوا للمحاكمة، إذ مرت أكثر من 10 سنوات على الجريمة ولا يزال الحق ضائعًا، والقتلة دون محاكمة.
قمع وديكتاتورية
من ناحيته، وصف الناشط السياسي فخري جرادات ممارسات السلطة ضد معارضيها بـ"الديكتاتورية"، إذ إنها تمارس قمع الحريات، والتفرد في الحكم، وإصدار القوانين بأمر من شخص واحد؛ وهو رئيسها محمود عباس.
وأوضح جرادات في حديث لـ"فلسطين" أنّ هذه السياسة دفعت أجهزة أمن السلطة للتغول على المواطنين، كونها تعمل دون حسيب أو رقيب، على قاعدة "من أمن العقاب أساء الأدب"، مردفًا: ليس هناك سلطة لجهاز على آخر، ولا جهات رقابية تُوقف المسؤولين وتُحاسبهم على إجراءاتهم القمعية وممارستهم ضد المواطنين.
ورأى أنّ محاولات السلطة ضد المعارضين السياسيين تأتي في سياق إخماد أصواتهم، مشيرًا إلى أنّ وسائلها تختلف بين الإغراء بوظيفة معينة، أو التهديدات بمختلف أشكالها، وصولًا لحد القتل كما حدث مع الشهيد نزار بنات.
وأفاد بأنّ السلطة تعتقل المعارضين بذريعة ارتكابهم أعمالًا جنائية، مستندة بذلك إلى ما أفرزته التعديلات الواسعة التي أجرتها باستخدام قانون الجرائم الإلكترونية والعقوبات لسنة 1960 مثل إثارة النعرات الطائفية والعنصرية والتجمهر.
أما الناشط ضد الفساد في رام الله فايز السويطي فيؤكد أنّ السلطة لم تتوقف عن نهج ملاحقة المعارضين السياسيين على مدار السنوات الطويلة الماضية، في محاولة منها لإخمادهم.
وبيّن السويطي لـ"فلسطين" أنّ أيّ معارض سياسي يؤرّق السلطة إما أن تعتقله وإما أن تسلمه للاحتلال، وإما أن تعمل على تصفيته، مستدلًّا على ذلك بمقتل الناشط "بنات" والمثقف باسل الأعرج وغيرهما من النشطاء.
وقال: السلطة تسعى للقضاء على الشخصيات المعارضة، وبالتعاون مع الاحتلال في أحيان كثيرة.
جلطة ثم وفاة
إلى ذلك، تروي أم طارق السخل تفاصيل وفاة زوجها سعدي السخل (63 عامًا) داخل سجن مخابرات السلطة في نابلس قبل عدة سنوات.
تقول أم طارق لـ"فلسطين": إنّ قوّة من مخابرات السلطة داهمت المول التجاري الذي يمتلكه زوجها، في 15 يونيو/ حزيران 2013، لاعتقال نجلها "أنور" دون سابق إنذار أو معرفة الأسباب.
وأضافت: "لم يسمح زوجي لقوّة المخابرات باعتقال أنور، فزجّته مع نجله في جيب عسكري، واقتادتهما إلى مقرها في نابلس"، موضحة أنه فور وصولهم للمقر اقتادت القوّة "أنور" إلى داخل مكتب التحقيق في السجن، وتركت والده في الخارج، فاندلعت بينه والقوة "مشادات كلامية" بهدف معرفة أسباب الاعتقال.
وتابعت "تعرّض زوجي خلال المشادات إلى جلطتين في القلب أدّتا إلى وفاته على الفور"، لافتةً إلى أنّ مخابرات السلطة تواصلت مع العائلة وأخبرتها بأنّ الحالة الصحية لـ"سعدي" تشهد تدهورًا طفيفًا، دخل في إثرها المستشفى، علمًا أنه "وصل هناك وهو مفارق الحياة".
وبحسب أم طارق، فإنّ مخابرات السلطة كذبت على نجلها "أنور" الذي يقبع في سجنها وأبلغته أنّ هناك مستوطنين هاجموا نابلس، وطلبوا منه التوجه لبيته.
ومما أثار غضب العائلة حينها، وفق أم طارق، أنّ مخابرات السلطة نقلت زوجها إلى المستشفى العربي وهربت دون الإبلاغ عن هويته وتفاصيل وفاته، مشيرةً إلى أنّ مناوشات كبيرة وقعت بين العائلة وعناصر من أمن السلطة عقب الوفاة.
وأكدت أنّ المتسببين بالوفاة معروفون لدى العائلة، ولم يتم تقديمهم للمحاكمة مطلقًا، ولا يزالون طلقاء ويقطنون في مدينة نابلس.
وتنصُّ المادة (11) من القانون الأساسي الفلسطيني على عدّ الحرية الشخصية حقًّا طبيعيًّا، وهي مكفولة لا تُمس، ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأيّ قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي.
وبيّنت أم طارق أنّ العائلة طلبت تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة تفاصيل الوفاة، وقد اكتفت اللجنة بقولها إنّ السبب هو "الجلطة القلبية".
وقالت: "مضى نحو 10 سنوات على الوفاة دون تقديم القتلة للمحاكمة، ولا إرجاع الحقوق لأصحابها"، مشددة على أنّ "هذه السلطة ديكتاتورية وتشكيل اللجان لذرّ الرماد في العيون، ولإماتة القضايا".
وعلق الناشط السياسي جرادات على تشكيل السلطة لجان التحقيق عند اغتيال أي معارض سياسي، بقوله إنّ هذه الخطوة "سخيفة"، ويتم استخدامها لـ"إماتة" القضية وعدم الوصول للقتلة المتهمين أو حتى التحقيق معهم.
وأضاف أن وسائل قياس الرأي العام غير موجودة، إنما الأمر بيد مجموعة حاكمة تشرّع وتضع النصوص القانونية والتنفيذية وفق "مزاجها"، الأمر الذي يترك فراغاً قانونياً تضيع من خلاله حقوق المغدورين، مؤكدا أن هناك توظيفا للقوانين وفق مقاسات مُعينة في ظل تعطيل المجلس التشريعي.
إخفاء الأدلة
ولم تكتفِ السلطة وقياداتها بقتل المعارضين السياسيين لها، بل تحاول إخفاء كل الأدوات المُحيطة بالجريمة للتغطية عليها، وأبرز مثال على ذلك قتل طبيب الأسنان الخاص بالرئيس الراحل ياسر عرفات سعيد درس "الطريفي".
وخلصت وثيقة مُسربة من اجتماع لجنة التحقيق في "وفاة درس"، إلى وجوب اعتقال عضو اللجنة المركزية حسين الشيخ للتحقيق معه في تفاصيل تورطه بقتل الطبيب.
وخلال الاجتماع أكد رئيس اللجنة اللواء توفيق الطيراوي أن "كل التقارير الطبية واللجان أثبتت أن درّس مات مقتولًا، وعليه فإن هذا الموضوع محسوم ويجب البحث عن القاتل، ولماذا قتله؟ ولماذا أهله معلوماتهم متناقضة؟ ولماذا يخفون أنه قُتل؟ وما هو دور ابن خالة حسين الشيخ؟".
وشدد على أنه "إما أن يكون درّس قُتل لإخفاء الفاعل الأساسي وإما أنه استُغل واكتشف أنه استُغل، وقتله من استغله".
وفي الجلسة نفسها، قال اللواء مازن عز الدين: "هناك علاقة بين الطبيب درّس وخلع ضرس الرئيس عرفات في 2004 وإصراره على أن يكون شريكًا في خلع ضرسه"، مشيرًا إلى أن "حسين الشيخ رتب العلاقة بين الدكتور درس والرئيس عرفات".
في حين تساءل الطيراوي "عمّن قتل درّس ولماذا، وما هي علاقة حسين الشيخ في إخفاء الملف الطبي له من المستشفى الفرنسي؟".
وأضاف في حديثه للجنة "اتفقنا على أن تتابعوا مع النيابة العامة وتحضروا منها قرارًا وأن تذهبوا وتفتشوا بيت درّس ولغاية الآن لم تفعلوا ذلك، يجب أن تنتهوا من هذه الأمور أولًا قبل أن أعتقل أحدًا، مع ضرورة إنهاء الملف الفني لمكالمات حسين الشيخ والدكتور درّس".
وفي 22 يوليو/ تموز 2022، تعرض نائب رئيس الوزراء السابق الأكاديمي ناصر الدين الشاعر إلى محاولة اغتيال من مسلحين مجهولين فتحوا النار على مركبته بعد مشاركته في مناسبة اجتماعية في بلدة كفر قليل جنوب نابلس، ما أدى لإصابته بقدمه بجراح خطيرة لا يزال يتلقى العلاج في إثرها.
وقبل محاولة الاغتيال تعرض الشاعر لاعتداء من أمن جامعة النجاح وبلطجية أجهزة أمن السلطة، في منتصف يونيو 2022، في إثر قمع وقفة نظمها الحراك الطلابي في الحرم الجامعي.
وبحسب مراقبين فإن أصابع الاتهام تُشير إلى تورط أجهزة أمن السلطة في محاولة الاغتيال، مستدلين بذلك على عدم إلقاء القبض على أيٍّ من الفاعلين.
وصرّحت مجموعة "محامون من أجل العدالة" في حينها، بأن محاولة اغتيال "الشاعر" ومحاولات التصفية الجسدية والمجتمعية تتويج لسلوك خطير من القمع والتعذيب، تقوده أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية، بحق النشطاء والشخصيات الوطنية الجامعة.
وقال مدير المجموعة مهند كراجة في تصريح صحفي: "بعد اغتيال نزار بنات وإطلاق سراح المتورطين في الاغتيال، تعيش الضفة الغربية حالة خطيرة من الاعتقالات السياسية والتعذيب والقمع".
تغييب التشريعي
بدوره قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي د. حسن خريشة: إن تعطيل السلطة التشريعي ساهم في زيادة الجرائم بحق معارضيها، مضيفا أن غياب مؤسسات تشريعية منتخبة يفتح الباب واسعاً أمام الإفلات من العقوبات، وعدم جدية التعاطي مع هذه المسألة من السلطة التنفيذية وأجهزة الأمن.
وأشار خريشة لـ"فلسطين" إلى أن سياسة السلطة باستهداف معارضيها مستمرة منذ أكثر من 20 عاماً "دون محاسبة"، مستعرضا نماذج متعددة لممارساتها ومحاولتها قتل معارضين بالرصاص كما حدث معه شخصيا، وكذلك مع نائب رئيس الوزراء السابق ناصر الدين الشاعر وغيرهما.
وبيّن أن القضية التي كانت "كالشعرة التي قصمت ظهر البعير" هي جريمة اغتيال نزار بنات بدم بارد، بتخطيط من جهات رسمية متنفذة، والتغطية على المجرمين، والمماطلة في محاسبتهم، إلى حد تسريحهم من السجن، واصفًا ما حدث بأنه "استخفاف بحياة المواطن الفلسطيني، وقفز فوق القانون وكتم الأصوات المعارضة".
وأوضح أن هذه الممارسات خلقت حالة من الفوضى في الساحة الفلسطينية، إذ إن السلطة تسعى لإلهاء الناس في الصراعات الداخلية والقبلية للتغطية على جرائمها، في ظل غياب دور حقيقي للقضاء الفلسطيني والنيابة العامة.
وعن إعلان السلطة تشكيل لجان للتحقيق في جرائم القتل التي ترتكبها أجهزتها الأمنية، عد خريشة ذلك "خطوة شكلية فقط ليس لها تنفيذ فعلي على أرض الواقع، وتعبير عن عدم الرغبة والجدية في متابعة ملفات قتل المعارضين السياسيين وغيرها من قضايا الفلتان الأمني".
وأكد عدم قدرة القضاء في الضفة الغربية على جلب الحقوق لأصحابها، بسبب تغول السلطة التنفيذية على الجسم القضائي.
وتحظر القوانين الفلسطينية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان كل أشكال الاعتقال والاحتجاز غير القانوني. وتنص المادة (12) من القانون ذاته على "حق كل معتقل بأن يبلّغ بأسباب القبض عليه أو إيقافه، وكذلك بوجوب إعلامه سريعاً بلغة يفهمها بالاتهام الموجه إليه، وأن يمكّن من الاتصال بمحامٍ، وأن يقدم للمحاكمة دون تأخير".
وإزاء ما سبق يتضح أن السلطة تواصل جرائمها ضد المعارضين السياسيين، ضاربة بالقوانين الفلسطينية والدولية التي تجرّم هذه السياسة عرض الحائط، وما "يزيد الطين بلة" أنها تتنصل من إعادة الحقوق لأصحابها، الأمر الذي يهدد السلم الأهلي في المجتمع الفلسطيني.