قائمة الموقع

مقال: ثورة شباب مصر... والتأثيرات المرتقبة

2011-02-13T08:15:00+02:00

بقلم النائب د. أيمن دراغمة

لعلّ ما تميزت به ثورة مصر أنها جاءَت على غير موعد، ولم تستطع أجهزة التنصت التقاط موجاتها، ففاجأت الكل إلا الذين عندهم حدس قراءَة حركات الشعوب، لقد سبقت ثورة مصر غيرها وسابقاتها، بأنها أخرجت الملايين للشوارع بشكل غير متوقع وبشكل هادئ ومنظم ومقبول، فلا أحد يستطيع أن يراقب دوران عقارب الساعة، إلا رب العزة، الذي توعد سبحانه الظلمة، بساعة عصيبة قاسية، كأنها إذا زلزلت الأرض أو إذا كورت الشمس، وفي المقابل وبَشّر الصابرين .

هذه الثورة الجبارة الهادئة الواثقة الخطى، الجامعة والموحدة والتي بداها الشعب التونسي بعد أن يأس الشباب من حكوماتهم وأنظمة الحكم بأن تعيرهم الاهتمام أو تأخذ تطلعاتهم وآمالهم بعين الاعتبار، وربما أنها بداية إمساك الشعوب بزمام المبادرة والتي سيكون لها ما بعدها وهي ليست كما يصورها البعض مؤامرة أجنبية لإضعاف الأمة الضعيفة حالياً.

وأنها جاءت كخطوة استباقية نتيجة لاشتمام عدم رضى الشعوب من أداء الحكام، وخشية من حدوث أي خطوات غير محسوبة، والبعض يخشى من قدرة المخابرات وسياسة أمريكا والغرب لأن تمسك بأطراف ميدان التحرير لترسم وتوجه حركة وثورة الشعب، لتخدم مصالحها ورؤيتها، ولكن مع ذلك سيكون لميدان التحرير ولمصر وشعبها فضل على إعادة رسم صورة المنطقة، ويمكننا أن نستقرئ ونتوقع بعض تأثيرات هذه الثورة الاستراتيجية على عجالة.

1- مصر، بلد الأهرامات، صاحبة التاريخ العريق والمبشر، وتحظى بجغرافية مميزة، تربط بين شرق العالم وغربه، شماله وجنوبه من خلال قناة السويس، وتشكل نافذة العالم الإسلامي باتجاه الجنوب نحو القارة السمراء، هذا الموقع يفرض أهمية الحدث ووزنه، وانعكاساته بكل الاتجاهات على أنظمة الحكم وأشكالها وبرامجها.

2- ولذا هذه الثورة تعد بتحول في طريقة إدارة الحكم في معظم الدول العربية، فعدوى الديمقراطية واستحقاقاتها، والانتخابات، ومجالس الشعب والأحزاب، وموضوع ثراء الحكام والنظم غير المسبوق سيكون محل اهتمام، وإطلاع الشعب على مجريات الأمور سيكون لها نصيب في أروقة الحكم العربية بشكل أو بآخر وبنسب متفاوته، فلن ينجوا أي نظام عربي من حتمية هذه التغييرات، ليتوافق مع تطلعات شعبه، وليأمن على نفسه لضمان استمراره في الحكم.

3- إن واقع مصر وحاضرها، ومكانتها ستتغير، وربما تبعاً لذلك يتغير واقع المنطقة، وخاصة فيما يخص العلاقة مع الغرب ومع الاحتلال واتفاقيات كامب ديفيد، وبيع الغاز المصري بأسعار رخيصة، والعلاقة الاستراتيجية المصرية الأمريكية، فربما لن يكون لطابا وشرم الشيخ نفس الطقوس، وستتغير اتجاهات الريح بطريقة توافق تطلعات الشعب المصري العربي بدرجة معينة.

4- وعليه يُتوقع حصول تغير وتحول في سياسة أمريكا والغرب تجاه العالم العربي الإسلامي خاصة بعد أن أثبتت السياسة القديمة عقمها وآثارها المدمرة، فمصالح الدولة الغربية ومستقبلها مرهون بمصالح الشعوب وهذه الثورة. فقد قدمت أنظمة الحكم استحقاقات المرحلة السابقة، والآن مستقبل المصالح الغربية يحتاج لرؤية جديدة، وكأن أمريكا من خلال تحسس نبض الشارع العربي اشتمت رائحة التململ وعبق التغيير، وعدم القبول بالأمر الواقع الذي تفرضه أنظمة الحكم المحسوبة على الغرب. ولذا ستعيد صياغة قواعد اللعبة بطريقة تحفظ مصالحها بعد سلسلة الاخفاقات، وهذا يتوقع أن يُنتج مزيداً من الانفتاح الغربي مع خيارات الشعوب ومنها الحركات الإسلامية، مثل الإخوان وحزب الله وحماس والنهضة وربما سنرى مزيداً من ممارسة قيم الديمقراطية المتمثلة بحقوق الشعوب في ممارسة حقها الانتخابي، وأن تنعم كغيرها بأجواء الحرية والسلم الاهلي والاجتماعي، وأن ترى حقوقها الاقتصادية وآمالها في أيدٍ أمينة. بطريقة تخفف من حالة الاحتقان، وتُشعر الشعوب بقيمتها، وتتشارك الأنظمة مع الشعوب في إدارة شؤون الحكم على الأقل.

5- ولذا يُتوقع إعادة ترتيب الملفات من جديد فيما يخص السياسة الغربية في عالمنا العربي والإسلامي، فيما يخص خارطة المشرق العربي والإسلامي وهذا سيحدث اضطراب على أجندة الساسة والإدارات ومراكز الأبحاث والدراسات بحيث ينتج عن ذلك إعادة ترتيب الملفات، تأخذ بعين الاعتبار التغيرات والمستجدات.

6- واستكمالاً للتحولات التي حدثت فيما يخص محور الاعتدال ومحور الممانعة، الأمور أصبحت تميل لصالح محور الممانعة، والميزان كفّته ترجح لمصلحة من يتبنى نبض الشارع، ومركزية القاهرة في هذا المحور ستشكل هزة وخلخلة في انتظام هذا المحور وخاصة بعد وصول المقاومة لتشكيل الحكومة في لبنان، وخاصة مع بروز سياسة تركية جديدة تجاه العالم العربي.

7- ربما يساعد ذلك ايران في الاستفادة من هذا الانشغال والمضي قدما في برنامجها النووي، واللواذ من طائلة الضربة المتوقعة، وهذا سيكون له انعكاسه على مجمل السياسات المحلية والخارجية تجاه قضايا المنطقة.

8- وفيما يخص الخطاب الإعلامي، وجدت كثير من وسائل الاعلام نفسها مرغمة لنقل صوت الشارع ومطالب الجماهير، وخطاب الثورة، في الوقت الذي كانت تحجم هذه الوسائط عن نقل هموم الناس اليومية والحياتية حتى لا تزعج الأنظمة، والتي هي بتراكمها ولدت هذا الانفجار، وهذا سيؤثر على بوصلة كثير من الفضائيات ووسائل الاعلام فيما يخص خطابها وسياستها الاعلامية، حتى يتقبلها المشاهد.

9- على صعيد الوضع الفلسطيني، لاشك ان الجميع في حالة ترقب وانتظار، ولحظات المخاض هذه لن تطول، فالحذر سيد الموقف، وكل يتمنى ان تجري الامور وتهب الرياح فيما تشتهيه سفنه، فالوضع مجمد حتى تقول القاهرة كلمتها، لما للقاهرة من دور هام فيما يخص كثير من مسائل الخلاف الفلسطيني، والرؤيا الفلسطينية المستقبلية، ولكن وبكل تأكيد سيكون التأثير للصالح الفلسطيني الوطني.

10- قادة الاحتلال منشغلين، أكثر من غيرهم بما يجري، وقد عبروا عن قلقهم هذا من خلال تصريحات بيرس وبن اليعيزر ونتنياهو، فهي مصيبة جديدة لم يستطيعوا توقعها، وتأتي في وقت غير مناسب لهم، وتزامنت مع انتكاسات في العلاقة مع تركيا وصعود حزب الله للحكومة في لبنان، وبقاء غزة تحت حكم حماس، فسابقاً كان همهم الوحيد تجاه مصر كيفية وقف الهجرة أو ضبط حركة الانفاق، وضمان ثبات السياسة المصرية عند اجندة كامب ديفيد، لكنهم اليوم يفكرون في موضوع جديد، مصر بعد الثورة وكيف يمكن التعامل مع محور فيلادلفيا في غزة، هل باحتلاله من جديد ام باحتلال غزة كاملة وهل هذا ممكن؟؟ أم ماذا...؟! والأهم من ذلك الرؤيا الاستراتيجية ومستقبل دولة الإحتلال، خاصة أنها كانت تقول على بناء جسور من العلاقات الطبيعية لبعض العواصم العربية، على امل ان يصبح الإحتلال مواطناً طبيعياً مقبولاً لدى شعوب المنطقة. ولا يستبعد أن نرى بعض آثار التحول السريع في صياغة وإعادة بلورة سياسة عاجلة تتمثل في تقديم بعض التنازلات للسلطة من طرف الإحتلال وسياسة بعيدة تقوم على إعادة التفكير من جديد في خياراتها الاستراتيجية، والتي ستجد نفسها امام استحقاقات كبيرة وضرورية لابد من تقديما لأجل تقليل الخسائر.

11- لميدان التحرير ارتدادات وانعكاسات على المحيط العربي، وسيؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الثقافات التحررية للشعوب وعلى كل المدن والعواصم، زيادة على سلوك الاحزاب والقوى بإعادة التفكير في برامجها من جديد بما يتوافق مع آمال الشعوب.

كل هذه توقعات استقرائية لما يمكن ان ينتج عن ثورة مصر المباركة ولكن كل ذلك يقع في دائرة التحليل الإنساني والجهد البشري المحدود.

 

اخبار ذات صلة