قائد الطوفان قائد الطوفان

ماذا يحدث في (إسرائيل) ولماذا تجدّدت المظاهرات؟!‏

الرسالة نت - محمود هنية

ستكون الساعات القليلة المقبلة حاسمة في مصير حالة الانقسام داخل (إسرائيل)، وذلك في حال صوّتت الهيئة العامة للكنيست على تعديلات قانون "المعقولية" المثير للجدل والذي يخص عمل الهيئات القضائية.

وتشهد (إسرائيل) منذ ساعات الصباح الباكر احتجاجات في عدة مناطق، تزامنًا مع إضراب شامل لشركات كبرى، وذلك قبل ساعات من تصويت الكنيست على قانون إلغاء "حجة المعقولية" بالقراءتين الثانية والثالثة، ليصبح نافذًا.

في هذا التقرير تستعرض "الرسالة نت" جذور الأزمة الممتدة منذ بداية العام الجاري، وأهم التفاصيل المتعلقة بأزمة نتنياهو مع السلطة القضائية؟

متى بدأت الأزمة؟

في 4 يناير/كانون الثاني الماضي قدّم ائتلاف حكومة نتنياهو مشروع خطة التعديلات القضائية، ‏أي بعد 6 أيام من تنصيب الحكومة الـ37، وأعلن وزير العدل الجديد ياريف ليفين عزمه على ‏تعديل النظام القضائي لتضمينه "استثناءً" يسمح للبرلمان بتعليق قرارات المحكمة العليا.‏

متى بدأت أول تظاهرات ضد الخطة؟

في 21 يناير/كانون الثاني 2023، بدأت المظاهرات وانتظمت على نحو أسبوعين ضد حكومة ‏أقصى اليمين في تل أبيب وبئر السبع وحيفا والقدس الغربية، احتجاجًا على خطة حكومة اليمين ‏لإدخال تعديلات على النظام القضائي وسنّ قوانين يعدّها المحتجون انقلابًا على النظام ‏الديمقراطي وسيادة القانون واستقلال القضاء.‏

استمرت المظاهرات أكثر من 12 أسبوعًا في (تل أبيب) ومناطق أخرى، حتى انفجرت الأوضاع ‏مساء أمس (26 مارس/آذار)، إذ طالب المحتجون باستقالة نتنياهو وحكومته.‏

اقرأ أيضاً:

قيادات أمنية تُحذر نتنياهو: (إسرائيل) على حافة الهاوية

إضراب عام يشل (إسرائيل) احتجاجًا على قانون الإصلاح القضائي

كيف تفجرت الأوضاع الداخلية في (إسرائيل) الليلة الماضية؟

ما هي الخطوات التي مرّت بها عملية التصويت على الخطة؟!‏

‏1-‏ في 20 فبراير 2023م جرت المصادقة بالقراءة الأولى على مشروعي قانون، أحدهما يمنح ‏الائتلاف الحاكم الأغلبية في اللجنة الخاصة بتعيين القضاة، والثاني يمنع المحكمة العليا ‏من إلغاء (قوانين أساس) سنّها (الكنيست).‏

‏2-‏ ‏ 22 فبراير 2023: المصادقة على مشروعي قانون (فقرة التغلب)، القاضي بتقييد ‏الكنست وحريته المطلقة في سن قوانين تتعارض مع حقوق إنسان أساسية يضمنها قانونا ‏الأساس المذكوران بشكل خاص ويقضي بالالتفاف على قرارات المحكمة (الإسرائيلية) ‏العليا ويمكّن الكنيست من سن قوانين بأغلبية عادية من 61 عضوًا كانت قد ألغتها ‏المحكمة العليا. ‏

وقانون آخر صادق عليه الكنيست بالمناقشة الأولى ويقضي بمنع المحكمة من إلغاء ‏‏"قوانين أساس" شرّعها الكنيست.‏

‏وصادق الكنيست بالمناقشة التمهيدية على ما يعرف بقانون "درعي 2" الذي يمكّن من ‏إعادة تعيين رئيس حزب شاس أرييه درعي وزيرًا رغم قرار سابق للمحكمة العليا بمنعه ‏بسبب إدانته بقضايا فساد مالي وتهرب ضريبي. وينص هذا القانون على منع المحكمة ‏العليا من ممارسة الرقابة القضائية على تعيين وزراء أو إلغاء تعيينهم، وإبقاء ذلك بيد ‏الكنيست.‏

‏ من هي أقطاب الخلاف في الكيان؟

الخلاف يحتدم بين ما تسمى بـ(إسرائيل التاريخية) التي أسستها قوى اليسار والوسط وطبقة ‏‏"الاشكناز" (اليهود الغربيين)، و(الجمهورية الإسرائيلية الجديدة) التي تتزعمها قوى اليمين.‏

من هي الجهات التي تقود معارضة القوانين؟

يتزعم المعارضة في الكنيست يائير لابيد رئيس الحكومة السابق، وهو عضو الكنيست من الكتلة ‏الأكبر حجما من بين كتل المعارضة، ويمتلك قرابة 53 مقعدًا في الكنيست.‏

انضم لمعارضة القوانين وزير الحرب آفي ايزنكوت، بعد إقالته من نتنياهو، وهو ينتمي لليكود، ‏وتقدر الأوساط السياسية (الإسرائيلية) وجود 30% من حجم كتلة الليكود التصويتية ضد ‏التعديلات القضائية.‏

وتعارض كذلك قيادات عسكرية كبيرة خاصة قوى الاحتياط، والطيارون، إضافة إلى القضاة ‏والمحامين، ورجال الأعمال والمستثمرين.

ما هي القوانين التي أشعلت الخلاف؟

قوانين فجرّت الخلاف، وتهدف لحماية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وآرييه درعي، وما ‏يمثلانه من قطبي الحكومة اليمينية المتطرفة.‏

الأول: يقرّ تركيبة لجنة اختيار القضاة التي ستكون فيها أغلبية للائتلاف الحكومي، مما ‏يعني أن اللجنة ستختار القضاة الذين سيحاكمون نتنياهو في لوائح الاتهام الثلاثة المقدمة ‏ضده.‏

الثاني: قانون الهدايا والذي يتيح للشخصيات العامة تلقي هدايا ومن ضمنها مبالغ نقدية، ‏والهدف الحقيقي لهذا القانون هو السماح لنتنياهو بتجنيد أموال لتمويل محاكمته، وعدم ‏إعادة 300 ألف شيكل تلقاها على شكل تبرعات لتمويل محاكمته، وفيها رأي قانوني ‏بوجوب إعادتها.‏

الثالث: قانون درعي 2، الذي يهدف لتمكين رئيس حركة شاس الدينية آرييه درعي من العودة ‏للحكومة، بعد أن أبعدته المحكمة العليا عنها بسبب إدانته بقضايا فساد في السابق.‏

ما هي مشكلة حكومة نتنياهو مع القضاء؟

يتهم العديد من اليمينيين في (إسرائيل) المحكمة العليا بميولها إلى اليسار، وبأنها نخبوية وتتدخل ‏بصورة كبيرة في الشؤون السياسية. بالإضافة إلى أنها تقدم حقوق الأقليات على المصالح الوطنية ‏في كثير من الأحيان.‏

ماذا تريد حكومة نتنياهو؟

‏1.‏ الضغط لإدخال تغييرات من شأنها الحد من سلطات المحكمة العليا في إصدار أحكام ‏ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنح النواب سلطة أكبر في تعيين القضاة.‏

‏2.‏ تعيين القضاة أعضاء اللجنة المعنية بموافقة السياسيين، وتقليص دور المستشار ‏القضائي، وعدم السماح للمحكمة العليا في مراجعة القرارات التي تمسّ القانون الأساسي.‏

لماذا ترفض المعارضة التعديلات القضائية؟

‏1.‏ تقليديًا من أسس الكيان هو اليسار، واستمر في السيطرة على مؤسساته لـ29 عامًا، حتى ‏العام 77 مع وصول مناحيم بيغن لرئاسة الوزراء عن اليمين، ومثّل بداية صعوده للحكم.‏

‏2.‏ ترى المعارضة أن التدخل في القضاء هو إنهاء الدور التاريخي التقليدي لليسار.‏

‏3.‏ التعديلات توسّع صلاحيات السلطة التنفيذية، كما أن النظر إلى القضاء باعتباره غير ‏مستقل، من شأنه تجريد (إسرائيل) من أحد خطوط دفاعها الرئيسية في القضايا القانونية ‏الدولية.‏

‏4.‏ اعتبار التعديلات تصبّ بشكل مباشر في خدمة نتنياهو؛ للإفلات من العقاب والمحاكمة ‏على خلفية القضايا التي تلاحقه في القضاء.‏

ما هي القضايا التي يتهم فيها نتنياهو بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة؟

‏-‏ ‏"القضية 1000": تسمى أيضا بقضية "الهدايا"، وتشمله وعائلته بسبب مزاعم حول تلقيهم ‏هدايا ثمينة جدًّا، من بينها مجوهرات لزوجته، من أثرياء بارزين.‏

‏-‏ ‏"القضية 2000": تتعلق بمحادثات سرية تسربت إلى وسائل الإعلام (الإسرائيلية)، جرت ‏بين نتنياهو وأرنون نوني موزيس، صاحب إحدى الصحف (الإسرائيلية) الرائدة "يديعوت ‏أحرونوت"، التي تنتقد نتنياهو.‏

وتقول الشرطة إن الرجلين بحثا تقييد انتشار صحيفة "هايوم" المنافسة التي يملكها الملياردير ‏اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون من خلال تشريعات وطرق أخرى مقابل تخفيف لهجة يديعوت ‏أحرونوت ضد نتنياهو.‏

‏-‏ ‏"القضية 4000": ويُتهم نتنياهو فيها بمنح مزايا تنظيمية لشركة بيزك للاتصالات ‏مقابل تغطية إيجابية عنه وعن زوجته سارة على موقع إخباري يديره الرئيس السابق ‏للشركة.‏

ما هي خيارات نتنياهو؟

أوقف مؤقتًا التصويت على القرارات، ولديه سيناريوهات عدة:‏

‏-‏ التوصل لتشكيل حكومة (أقل يمينية) بمشاركة غادي ايزنكوت وبني غانتس، مقابل ‏الحصول على ضمانات بعدم ملاحقته قضائيا بعد انتهائه من رئاسة الوزراء.‏

‏-‏ العودة لمربع الصدام وإخراج أنصار اليمين للشارع.‏

‏-‏ التوصل لصيغة توافقية تمنح الحكومة أغلبية في اختيار القضاة، على غرار المقترح ‏المقدم من رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ.‏

ما هي تداعيات الانقسام على المؤسستين العسكرية والأمنية؟

‏-‏ وزير الأمن (الإسرائيلي)، يوآف غالانت: التعديلات تسهم في تفكك الجيش وفقدان القدرة ‏على القيام بمهامه، خصوصًا مع اتساع ظاهرة رفض الخدمة ضمن قوات الاحتياط، ‏وقيادة الحراك والاحتجاجات ضد التعديلات القضائية من كبار ضباط الاحتياط ‏بالجيش والأجهزة الأمنية.‏

‏-‏ هرتسي هليفي رئيس أركان الجيش: الانقسام سيقود لتفكيك الجيش

‏-‏ رئيس جهاز الأمن (الإسرائيلي) العام "الشاباك"، رونين بار: الانقسام سيقوّض صفوف من ‏يخدم بالمؤسسات الأمنية.‏

‏-‏ تقدير موقف صادر عن معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب وصف ‏التداعيات بـ"الإنذار الإستراتيجي".‏

ما هو الموقف الأمريكي من الأزمة؟

الاحتجاجات الحالية مدعومة من الصندوق الجديد (لإسرائيل) داخل الحزب الديمقراطي ‏الأمريكي، وقادته من اليهود الليبراليين، الذين يعتبرون أنفسهم لادينيين، لكنهم مع فكرة وجود ‏دولة الاحتلال وبقائها بنظام ليبرالي بعيدا عن الشكل الديني.‏

ويدعم الصندوق يائير لابيد وحزب ميرتيس وغيرهما من اليسار.‏

‏ في المقابل، هناك دعم من الحزب الجمهوري الأمريكي، لتيار المستوطنين ومعسكر نتنياهو ‏واليمين برمته.‏

ما هي أبرز الاحتجاجات الطبقية والفئوية في (إسرائيل)؟!‏

هذه الاحتجاجات ليست الأولى، سبقها عديد الاحتجاجات تاريخيًّا، أبرزها:‏

‏2019: احتجاجات اليهود الإثيوبيين: اندلعت احتجاجات قادها الإثيوبيون بعد مقتل شاب إثيوبي ‏على يد الشرطة.

‏2011: احتجاجات (الكوتيج) خرجت مظاهرات في (إسرائيل) شملت كلّ المستويات السياسيّة ‏والطبقات الاجتماعيّة، للتنديد بغلاء المعيشة.‏

‏2005: الاعتراض على (خطّة الانفصال)، حيث خرجت مظاهرات تعارض الخطة التي أقرّها شارون، ‏ورغم فشلها، إلّا إنها ساهمت في صعود اليمين المتطرف ووصوله للسلطة.‏

‏1974: احتجاجات الفرد الواحد – النقيب موتي أشكنازي، خرج النقيب موتي أشكنازي وحيدًا ‏يُطالب وزير الأمن موشيه ديان بتحمّل مسؤولية هزيمة حرب أكتوبر، ثم انضمّ له الآلاف، وأدّت ‏المظاهرات لاستقالة جولدا مائير وديان وإسقاط الحكومة.‏

‏1974: احتجاجات شباب "غوش أمونيم"، طالبت الحركة باستيطان الضفة وغزة والجولان حتى ‏القنيطرة، بدعم جمهور التيار القومي والديني واليسار الصهيوني.‏

‏1975: صادقت الحكومة (الإسرائيلية) على مطالبهم بإقامة أول مستوطنة بالضفة، وكانت بداية ‏للاستيطان.‏

‏1969: بدأت حركة تسمى بـ"الفهود الأسود" بالتكتل من شباب فقراء وطلاب العمل الاجتماعي، ‏واهتمت بقضايا الفقراء والتمييز ضدّ اليهود الشرقيين.‏

‏1971: خرجت الحركة بمظاهرات ضد التمييز ومن أجل المساواة والعدالة، إلا أنهم فشلوا في ‏حراكهم.‏

‏1952: احتجاجات اتفاق التعويضات، تحت شعار خبز وعمل، كانت شعارات المتظاهرين ‏بمظاهرات في الخمسينات، حيث عانى اليهود الشرقيون التمييز والتهميش والفقر، وكانت بداية ‏الاحتجاجات الاجتماعية العرقية.‏

عام 1959: من الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها دولة الاحتلال، بعد قيام الشرطة (الإسرائيلية)، ‏بقتل يهودي مغربي، ما دفع المئات من سكان الحي، لمحاصرة الشرطة واحتجاز أحد أفرادها، قبل ‏إطلاق سراحه لاحقًا.‏

تجدد الأزمة!

في غضون ذلك، بدأ منتدى الأعمال الذي يضم 150 من كبريات الشركات والشبكات التجارية في (إسرائيل) إضرابًا اليوم، احتجاجًا على مضي الحكومة في خطة التعديلات.

وانضمت إلى الإضراب شركات في قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) وبنوك وغيرها من الجهات المؤثرة ذات المكانة الاقتصادية، فيما تضغط نقابة العمال على الحكومة لوقف التشريعات والموافقة على صيغة توافقية للقانون.

ودعا المنتدى الشركات الأخرى إلى "الانضمام إلى الخطوة الطارئة التي اتُّخِذَت اضطراريًّا، من أجل وقف التشريع أحادي الجانب والدخول في مفاوضات".

ورفض حزب "الليكود"، أمس، مقترح تسوية طرحته نقابة العمال، بحجة أنه يتبنى موقف المعارضة، ولم تنجح جهود الرئيس (الإسرائيلي) إسحاق هرتسوغ في مساعيه للتسوية، فيما تتواصل محاولاته اليوم لتخفيف القانون.

ونقل موقع "والاه" عن مصادر لم يسمها، أن هناك تفاهمات مبدئية على ورقة يطرحها هرتسوغ، تشمل صيغة مخففة للقانون، لكن ثمة خلافات جدية بشأن مدة تجميد باقي التعديلات القضائية.

وأبدى الائتلاف الحكومي، بحسب الموقع، موافقته على تجميد القوانين لمدة أقصاها 6 أشهر، بحيث يمكنه في حال فشل المفاوضات مع المعارضة خلال هذه الفترة، استئناف عملية التشريع وتغيير تركيبة لجنة اختيار قضاة المحاكم، التي تسعى الحكومة للسيطرة عليها، حتى دورة الكنيست المقبلة.

بالمقابل، تطالب المعارضة بمدة أطول، وذكر موقع "يديعوت أحرونوت" أن رئيس المعارضة يائير لبيد يطلب تجميدًا حتى 15 شهرًا.

وفي حال تصديق الكنيست، اليوم الاثنين، على قانون إلغاء "حجة المعقولية"، سيُمرَّر بذلك أول قانون من سلسلة قوانين تقودها الحكومة لإضعاف جهاز القضاء.

في غضون ذلك، تستمر أيضًا تحذيرات العديد من الجهات الأمنية من أثر التعديلات على "أمن إسرائيل"، خصوصًا في ضوء توقف عدد كبير من جنود الاحتياط عن الخدمة العسكرية والتطوع فيها.

 

البث المباشر