د.الأقطش: الاعلام الاجتماعي الجديد شكل قوة لمواجهة قمع الشعوب
الرسالة نت-محمد أبو قمر
"اليوم ننجيك ببدنك، لتكون لمن خلفك آية"... قالتها قناة الجزيرة في أوائل تقاريرها عقب الاطاحة بمبارك لتحمل تلك الكلمات بين طياتها تحذيرا لمن يفكر في الوقوف بوجه السلطة الرابعة.
سلطة بقيت تصدح أمام محاولات اخضاعها، ولم يفلح التشويش أمام من حمل صوت الثائرين، وبقي الرأي الحر يصدح في حين انهار الاخرون برفقة وسائل اعلامهم.
في تونس ومصر أوصل الاعلام الحر غضب الجماهير، وحول وجهة الرصاصة الاعلامية التي كان يستخدمها الحكام لتخدير الشعب بحقنة تحت الجلد, لترتد على صدورهم.
ثورة الاعلام
فهم الزعماء جيدا النظرية الاعلامية المسماة بالرصاصة أو الحقنة تحت الجلد التي تقوم على أن وسائل الاعلام تؤثر تأثيرا مباشرا في الجمهور، والاستجابة لها مثل رصاصة البندقية تؤثر بعد انطلاقتها مباشرة، لذلك لم يتوانوا عن تجنيد تلك النظرية لصالحهم في سطوتهم على وسائل الاعلام، وتجنيدها لتحقن الشعوب بما أرادوه أن يكون.
لكن أولئك الحكام لم يتخيلوا أن الرصاصة سترتد عليهم يوما، من خلال اعلام انتفض من تحت عباءة السلطة ليرصد الرأي الاخر.
ولمن لا يعرف الرأي الاخر فهو الشعار الذي ترفعه قناة الجزيرة القطرية، وحورب به الحكام الذين فشلت محاولاتهم في إخماده.
فقد شكلت قناة الجزيرة كابوسا للزعماء العرب، وكانت أبرز من حمل الرأي الاخر، وبدأت تنقب عن حقائق مخبأة في أروقة الأنظمة، ومكبوتة في صدور المواطنين المقهورين.
وأخذت وسائل اعلام عربية خلال السنوات الاخيرة على عاتقها أن تصدح بالحقيقة لا تزويرها كما فعل اعلام السلطات، مما أوجد نوعا من التذمر بين أوساط الحكام الذي لم يخفوه، وأخرجوا شكواتهم للعلن.
مع انطلاق شرارة الثورة التونسية ومن ثم المصرية وما حملته وثائق الجزيرة فيما بينهما من وثائق مفاوضات السلطة مع الاحتلال التي تكشف حجم التنازلات عن ثوابت يتشبث بها الفلسطينيون، كان الهجوم السلطوي على الجزيرة ظاهرا.
أبرز ذلك الهجوم شنه النظام المصري من خلال اسقاط قناة الجزيرة عن قمر النايلسات، ومحاولات التشويش عليها، لكنه لم يعلم أن الصوت الواحد لم يعد موجودا عندما قطعت الكثير من الفضائيات بثها وأفسحت المجال للجزيرة لتقول كلمتها.
وامتد الهجوم المصري لمنع مراسلي الجزيرة من العمل في الاراضي المصرية وسحب بطاقاتهم الصحفية، الا أن الرد جاء من أبناء الشعب حينما تحولوا الى مراسلين للجزيرة.
واستعان المعتصمون في ميدان التحرير بشاشات عرض ضخمة لنقل بث الجزيرة، ردا على محاولات النظام المخلوع حجبها.
سقوط الرواية الرسمية
انطوت صفحة الاعلام السلطوي، الذي عزفت عنه الشعوب، لكن النقط السوداء في صفحات الاعلام الرسمي، لا تزال باقية.
ففي مصر أسقط الشعب إمبراطورية مبارك الإعلامية، وفشل موظفو التلفزيون الرسمي "الماسبيرو" في ترويج رواية النظام وتزوير الحياة العامة للغاضبين.
ولعل محاصرة المتظاهرين المصريين في آخر أيام الثورة لمبنى التلفزيون جاء تأكيدا على الغضب الشعبي من النظام الإعلامي المصري الذي أسهم في العقود الثلاثة الأخيرة في خداع الشعب المصري، ما أدى إلى هجرة جماعيّة منذ سنوات إلى الفضائيات العربية.
وبلغت التطورات المتسارعة في انقلاب لغة التلفزيون المصري صباح الجمعة الاخير لمبارك كان التلفزيون الرسمي المصري يجري مقابلات مع ضيوف ينددون بالمحتجين المعارضين له ويصفونهم بأنهم عملاء لإيران، وفي المساء عرض ملصقا يدعو صراحة لسقوط النظام الحاكم.
إنها قصة اختزلت الرغبة الجامحة للإعلام الرسمي المصري في اللحاق بثورة الشعب المصري التي طالما نعتها بأبشع الأوصاف.
وشهدت لغة الصحف المصرية الرسمية «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية» في الايام الاخيرة من الاسبوع الماضي انقلابا صارخا حيث تبدلت على نحو مفاجئ من صوت النظام الرسمي، الحاملة لتصريحاته ووجهة نظره، إلى صوت مناصر لـثورة شباب ميدان التحرير.
ويخطو الاعلام الرسمي في أغلب البلدان العربية ذات الخطوات في التمجيد بالحكام، وتغييب رأي الشارع، وكان ذلك جليا في تغطيتها للثورة المصرية.
فتلفزيون فلسطين الذي تديره السلطة كان يبث برامجه وكأن شيئا لم يجر في الاراضي المصرية، وبقيت تغطيته باهتة حتى بعد سقوط نظام مبارك.
وحاول وزير الاعلام المصري أنس الفقي الذي سقط مع مبارك، خلال أيامه الاخيرة فرض سطوته على القنوات المصرية الخاصة الذي طلب منها توحيد البث مع التلفزيون الرسمي، الا أن القائمين عليها تمردوا عليه في الوقت الاخير وحاولت نقل رأي الشارع بعدما تيقنوا أن البقاء للشعب.
وبرزت محاولات توزان القنوات المصرية الخاصة من بينها "المحور والحياة" في تغطية الاحداث المصرية بعد نشوب الثورة بأسبوع، لتبقى محافظة على "بخط رجعة" مع الجماهير.
والملفت للانتباه التحول الجذري في لهجة بعض القنوات المعروفة للجماهير بأنها مساندة للأنظمة بشكل عام.
فقناة العربية بدأت تستجيب مع ثورة الشعب حتى ولو متأخرا، من خلال تصاعد لهجتها ضد نظام مبارك، ونقلها لرأي المتظاهرين بعدما كانت تفضل تغطيتها التركيز على رأي الحزب الوطني.
تبقى الجزيرة
في غرفة أخبار المحطّة القطريّة التي أدّت دوراً حيويّاً وأساسيّاً في دعم ثورة النيل تبادل الإعلاميّون التهاني والتمنّيات بامتداد الثورة وسقوط النظام...مشهد نقلته صحيفة الاخبار اللبنانية عن الكواليس الدائرة في قناة الجزيرة.
تعالت صيحات الدهشة عند ظهور مدير مكتب «الجزيرة» في القاهرة عبد الفتاح فايد مجدداً على الهواء من دون ميكروفون «الجزيرة» بعد تعليق السلطات المصرية بثها مع بداية الاحداث، فقال أحد العاملين في الجزيرة معلّقاً: «لا حرج الآن، فلم يعد هناك سلطة في البلد».
هكذا تعاملت «الجزيرة» بذكاء وتحايل على نظام مبارك، عرف مراسلها في واشنطن ناصر الحسيني كيف يتسلل إلى الإسكندرية ويصوّر بكاميراته الخاصة مشاهد عن الاحتجاجات.
ولعلّ ما سهّل مهمة القناة الشهيرة أنّ قرار سحب اعتمادات المراسلين لم يشمل العاملين في «الجزيرة الإنكليزية»، وهو الأمر الذي يفسّر استمرار تدفق الصور من القاهرة وعرضها على شاشة «الجزيرة».
وعندما سألت «الأخبار» أحد المذيعين عن الاتهامات الموجّهة إلى «الجزيرة» بترويج الفتنة في مصر، قال بثقة «نعم، نحن صوت الشعب، ولا يعنينا كلام مبارك ونظامه».
ولم يبدوا مسؤولو القناة مشغولين كثيراً بتلك التهم الموجّهة إليهم، بل رأوا أن الاتصالات التي لم تتوقف من شوارع مصر هي «ردّ كاف على نظام مبارك... نحن كنا ولا نزال صوت الشعب... لقد غطّينا ثورة تونس، وسنوصل أصوات الشعوب في كل مكان في العالم».
ويعلق استاذ الاعلام الدكتور نشأت الاقطش على التغطية الاعلامية لما دار في تونس ومصر بقوله " الاعلام استطاع من خلال تغطية الاحداث حماية الثورة، ويعود فضل الثورة بعد الجماهير الى الاعلام الذي ساهم بحماية المتظاهرين".
ويعتقد الاقطش أن لولا الاعلام والكاميرات التي غطت ثورة مصر وراقبت تصرفات النظام لسحقت الجماهير تحت الدبابات كما جرى في الثورة الايرانية عندما سحق الشاه الايراني خمسة عشر الف مواطن دون أن يرى احد الصورة".
ولعب الاعلام الجديد أو ما يعرف بالإعلام الاجتماعي الذي حول جميع المواطنين ليكونوا صحفيين دورا مهما في ثورة مصر وحماية المتظاهرين من خلال تصوير احداث لم يرها أحد، وتعميمها على المواقع الالكترونية والتلفاز.
وتباينت السياسة الاعلامية للفضائيات والصحف بشكل واضح خلال تغطية احداث مصر، وبعضها فقد مصداقيته بشكل كامل عندما كذبت على الجمهور بشكل ملحوظ، هذا ما قاله الاقطش الذي يعيد الفضل لمواقع الانترنت والتلفاز بنقل الحقائق.
ويشدد استاذ العلام أن الاعلام الاجتماعي الجديد سجل تاريخا جديدا لقوة وسائل الاعلام في مواجهة قمع الشعوب.
وفسر الاقطش تحول لهجة بعض وسائل الاعلام من مؤيدة للنظام الى مناهضة له للخوف الذي سيطر عليها من سطوة النظام، لكنه أكد أن ذلك ليس مبررا لاخفاء الصحفيين للمعلومات من اجل ارضاء السلطات الحاكمة، لاسيما أن الصحفي وقع اتفاقا مع الجمهور لنقل الحقيقة بعيدا عن التهديد.
وتابع "فكرة الوصاية على معرفة الجمهور خطيرة في العمل الاعلامي، واخفاء المعلومات وصفة لفشل الصحفي".
في النهاية انهارت الأنظمة بعد طول احتكار للإعلام وتحجيم الرأي الاخر، ولم تفلح محاولات تشويش الصوت المضاد الذي بقي يصدح لنقل مطالب الثوار.