قائمة الموقع

مقال: لا أحد يجرؤ على نقد (إسرائيل)!

2023-08-01T08:28:00+03:00
محمد الشبراوي حسن

لم تفوت أمريكا فرصة واحدة على مدار عقود لتأكيد دعمها اللامحدود لإسرائيل، والذي يتواصل منذ إعلان تأسيس الكيان المحتل في فلسطين، ولا يقف عند حدود الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي، ولكنه يتجاوز إلى التحيز التام بطريقة عمياء، حتى أنه لا يمكن قبول مجرد انتقاد لإسرائيل، ومن يتجرأ على ذلك، من السياسيين والإعلاميين والأكاديميين، فقد ارتكب جرما لا يُغتفر، ويصبح في مرمى هدف هجوم النخبة السياسية والإعلامية والأكاديمية، وحكم على نفسه بالتدمير المعنوي، وقد يكون ذلك هو الفصل الأخير في مسيرة من يفعل ذلك.

في الثامن عشر من يوليو/تموز 2023، صوت الكونغرس الأمريكي بأغلبية ساحقة على قرار يعلن الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي، وأن إسرائيل ليست دولة عنصرية، أو دولة فصل عنصري، ويؤكد رفض الكونغرس جميع أشكال معاداة السامية، وأن الولايات المتحدة ستظل دوما الشريك القوي الداعم لإسرائيل.

ومن اللافت للنظر، أن قرار الكونغرس الداعم لإسرائيل جاء أثناء زيارة رسمية للرئيس الإسرائيلي “إسحق هرتسوغ” لواشنطن، وصدر بأغلبية ساحقة ( 419 صوتا مقابل 9 أصوات رافضة وامتناع صوت واحد).

وكان القرار بمثابة عملية توبيخ غير مباشرة للنائبة الديمقراطية “براميلا جايابال” التي أثارت غضب الديمقراطيين والجمهوريين، وواجهت ردود فعل واسعة، بعد انتقادها لسياسات بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووصفها لإسرائيل بالدولة العنصرية، أثناء كلمة لها في مؤتمر جماهيري في شيكاغو، وقد اضطرت بعد ذلك للتراجع عما قالت، وأبدت اعتذارها!

وهكذا هي الديمقراطية الأمريكية المزعومة، فالأغلبية الساحقة بالكونغرس لا تقبل مجرد انتقاد ولو عابر لسياسات حكومة الربيبة المدللة إسرائيل، ولا تغفر لنائبة بالكونغرس إقدامها على ذلك، ورغم تراجعها واعتذارها إلا أن غضب الجمهوريين منها لم يتوقف، إذ طالبوا بعزلها من رئاسة المجموعة البرلمانية التقدمية بمجلس النواب الأمريكي.

في أمريكا: نقد إسرائيل خط أحمر

ما حدث للنائبة الديمقراطية “براميلا جايابال” لم يكن السابقة الأولى من نوعها في الولايات المتحدة الأمريكي، ولكن هناك سوابق عديدة على هذا التحيز الأعمى من النخبة الأمريكية لصالح إسرائيل، والحساسية لأي نقد يوجه لها.

في عام 2006، وتحديدا في شهر مارس/آذار، صدرت دراسة بعنوان ” اللوبي الإسرائيلي والسياسية الخارجية الأمريكية” لأستاذين بجامعة هارفارد، هما: جون ميرشايمر، وستيفن والت، وقد أثارت تلك الدراسة عاصفة كبيرة من الجدل، كما أدانها أعضاء الكونغرس، وهاجمتها صحف وأكاديميون أمريكيون.

وكانت الدراسة قد أشارت إلى هيمنة اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية الأمريكية وأعضاء الكونغرس والسلطة التنفيذية، واستنكر كاتبا الدراسة سوء استخدام تهمة معاداة السامية، التي يوصم بها كل من ينتقد تصرفات اللوبي الإسرائيلي.

ومع ردود الفعل الواسعة ضد الدراسة وكاتبيها، تخلت جامعتا هارفارد وشيكاغو عن الأستاذين، وإزالة شعاريهما من على غلاف الدراسة.

وبعد شهور قليلة من صدور تلك الدراسة، قامت عاصفة هجوم كبيرة على الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، بعد إصداره كتابا بعنوان “فلسطين سلام لا فصل عنصري”.

فقد فتح عنوان الكتاب، وتحديدًا كلمة “الأبارتايد” العنصرية، النار على كارتر، وأثارت غضبا عارما لدى القيادات اليهودية، الذين لم يقفوا عند حد اتهامه بمعاداة السامية، ولكنهم كالوا له اتهامات من كل جانب، واصفين إياه بالمتعصب والجاهل والكاذب.

كتاب كارتر “فلسطين سلام لا فصل عنصري” لم يكن سوى خلاصة تجربة لمراقبة الانتخابات الفلسطينية، ومحاولة لإزالة جهل الأمريكيين بحقيقة الأوضاع في فلسطين المحتلة، ورغبة منه في إثارة نقاش في الولايات المتحدة حول الوضع المأساوي في الأراضي المحتلة والذي يحجبه نشاط اللوبي المؤيد لإسرائيل.

ومع استمرار هجوم اللوبي اليهودي، والذي لم يتوقف، انتهى المطاف بالرئيس السابق كارتر، بعد ثلاثة أعوام، إلى الاعتذار وطلب الصفح، مؤكدا أنه لم يكن يقصد وصف إسرائيل دولة فصل عنصري.

جون كيري وكلمة العنصرية بالخطأ في اجتماع مغلق

كلمة بالخطأ في حق إسرائيل، في اجتماع “مغلق بواشنطن”، كادت تقضي على المستقبل السياسي لجون كيري وزير الخارجية الأمريكية. هذا ما حدث بالفعل في عام 2014، عندما حذر كيري في اجتماع مغلق إسرائيل، بأنه إذا لم يُتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، فإن إسرائيل ستتحول إلى دولة فصل عنصري!

لقد فتحت كلمة العنصرية -غير المقصودة، والتي جاءت في سياق التخوف- على جون كيري أبواب هجوم وانتقاد من نواب الكونغرس والجماعات الموالية للاحتلال الإسرائيلي، وطالبه البعض بالاستقالة، والاعتذار عما بدر منه من تصريحات.

وقد كلف استخدام جون كيري خطأً لكلمة العنصرية في وصف إسرائيل جهدا كبيرا لإثبات حسن نواياه، وأصدر بيانا أشار فيه إلى أنه لن يسمح لأحد أن يشكك في التزامه نحو إسرائيل، مؤكدا أنه خلال ثلاثين عاما قضاها في مجلس الشيوخ الأميركي، كان فيها رجل الأفعال حين يحين الوقت للتصويت والقتال لدعم إسرائيل!

الأمم المتحدة وعنصرية إسرائيل

في 15 مارس/آذار عام 2017 كانت لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية “إسكوا” نشرت تقريرا اتهم الاحتلال الإسرائيلي بتأسيس نظام فصل عنصري، وجاء التقرير مدعوما بالأدلة والوقائع التي تؤكد وجود نظام أبارتايد مفروض على الفلسطينيين، حيث يقسمون إلى أربع فئات لكل منها ترتيبات قانونية مختلفة.

ورغم الواقع المرير الذي تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد الاحتلال الإسرائيلي، والذي وضح جانبا منه تقرير الإسكوا عن عنصرية إسرائيل، فقد قوبل التقرير بغضب شديد من الموالين للدولة اليهودية، وبعد يومين من نشره طالبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة رسميا بسحب التقرير، وتم ممارسة ضغوط على من قبل الأمم المتحدة على الأمينة العامة للإسكوا “ريما خلف” لأجل سحب التقرير. وقد قام الأمين العام للأمم المتحدة بحذف التقرير من موقع وكالة الإسكوا، وعلى خلفية ذلك أكدت “ريما خلف” أنها لا تستطيع مخالفة ضميرها ومبادئها، وقدمت استقالتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة احتجاجا على ذلك.

ختاما

ديكتاتورية فجة تمارسها النخبة السياسية الأمريكية لصالح إسرائيل، ليس على مستوى أمريكا فحسب، ولكن على مستوى العالم، فلا مجال لحرية الرأي، ولا للحديث عن العدالة، واحترام حقوق الإنسان، والالتزام بالقانون الدولي، إذا كان ذلك سيتعرض لإسرائيل.

ولا عجب من الموقف الأمريكي الذي لا يقبل نقدا لإسرائيل، ويدعمها على طول الخط، فأمريكا الراعي الرسمي لإسرائيل وعنصريتها، وانتهاكاتها في حق الشعب الفلسطيني، وتلك حقيقة تنطلق ليس من ثوابت استراتيجية فحسب، بل من ثوابت دينية لنخبة ترى دعم إسرائيل هو دعم سياسة الله الخارجية!

ولكن العجب كل العجب فيمن يعلمون أنه لا أحد يجرؤ في أمريكا على نقد إسرائيل ثم ينتظرون من أمريكا أن تكون عونا لهم ضد عنصرية إسرائيل وانتهاكاتها، ووسيطا نزيها لاستعادة حقوقهم!

المصدر : الجزيرة مباشر

اخبار ذات صلة