ملخص :
وفقا لشعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية فإن اجتياح مخيم جنين مؤخرا وما رافقها كان بمثابة استهلال لما هو قادم. وقد طوّر ضباط شعبة الاستخبارات ادوات لكشف مبكر للمؤشرات بشأن انهيار شامل للنظام الفلسطيني العام وفقدان السيطرة الامنية وانتقال سريع للعمليات من شمال الضفة الى كل انحائها. وفي اطار التقييم الاستخباري، وضعت سيناريوهات لاحتمال اتساع رقعة عمليات اطلاق نار متزامنة يوميا في محاور السير ومفترقات الطرق وداخل المستوطنات. ينطلق فيها الالاف وربما عشرات الالاف من حاملي السلاح بمن فيهم رجال الامن الفلسطيني في انتفاضة مسلحة، وإذ تقوم الاجهزة الامنية بضبط عناصرها الا انه مثلما حدث في النصف الثاني من سنوات التسعين، فقد تحولوا الى مقاتلين ضد الاحتلال وبقيادة السلطة الفلسطينية وفقاً لشعبة الاستخبارات.
قراءة:
الاوضاع في الضفة الغربية تشير الى انفجار آتٍ، ووقوع ثلاث عمليات في اسبوع واحد مؤخرا، منها عمليتان مسلحتان، هو مؤشر لمنسوب الانفجار المتوقع في الضفة. ويدفع الجيش ثمنا باهظا سواء في عدم القدرة على توقع وتعقب المجموعات الفلسطينية، او في تراجع منسوب التدريبات لدى الوحدات النظامية، مما يضطر الجيش الى توجيه الاف اوامر الامتثال الى الجنود في الاحتياط لمدة شهر، مما يكلف خزينة الدولة مئات ملايين الشواكل لتمويل استدعاء 25 كتيبة مقابل 13 قبل عام ونصف. هذا على الرغم من التطور التكنولوجي النوعي الذي من شأنه ان يدفع نحو تقليص عدد الجنود والاستعاضة عن ذلك بالتكنولوجيا القتالية المتطورة بما فيه اجهزة الرقابة وإطلاق النار والمسيرات الصغيرة والفتاكة وحتى الذكاء الاصطناعي.
تطورات الامور في الضفة الغربية سلبية وتنبئ بالتصعيد. كما قام اللواء المركزي مؤخرا بتطوير الخطط التنفيذية لمواجهة حالات محتملة من التصعيد الواسع. وفقا لشعبة الاستخبارات العسكرية الاحتلالية " توجد قطع اسلحة في 16% من بيوت المدن والقرى الفلسطينية وهذا يشمل ايضا اسلحة عناصر الامن الفلسطيني". ويشكل هذا كما هائلا غير مسبوق من قطع السلاح في ايدي الفلسطينيين، في منطقة يسكن فيها مئات الاف الاسرائيليين المستوطنين. وعليه فإن العمليات التي استهدفت عشرات المستوطنين منذ بداية العام هي مؤشر أولي لهذه القدرات.
وفقا لتقديرات جيش الاحتلال فإن الاجهزة الامنية الفلسطينية لا تزال تضبط الاوضاع في الضفة الغربية في مناطق السلطة الفلسطينية الا ان هذه الحالة قد تنقلب ، بل ان السيناريوهات الإسرائيلية تأخذ في مخططاتها احتمالية ان توجه قوات الامن الفلسطيني اسلحتها ضد الجيش الاسرائيلي.
بخلاف ما تقوم عليه هذه الفرضية، ورغم جهود توفير المعلومة وتتبع المنفذين الفلسطينيين وإحباط مخططهم، فإن عددا من عمليات المقاومة في العام المنصرم كانت نوعية وحققت اهدافها وقد اخفق الاحتلال في تقديراته ولم يتوقعها. ينسب جيش الاحتلال هذا التحول الى تطور نوعي في عمل خلايا المقاومة وقدرتها على منع انكشافها المسبق، ويرى ان أحد الدوافع للتصعيد في كل انحاء الضفة الغربية هو الاعتداءات الارهابية من قبل عصابات المستوطنين التي تشكل دافعا لعمليات فلسطينية فردية او منظمة.
يشير تقرير الجيش الاسرائيلي الى السهولة النسبية في الحصول على الاسلحة في الضفة، بينما تأتي الذخيرة من داخل اسرائيل وحتى من قواعد الجيش من خلال مهربي الاسلحة ومنظمات جنائية من بين فلسطينيي48، وبكميات هائلة، ويعزو التقرير الى ان التمويل "يأتي من إيران ومن خلال حماس والجهاد الاسلامي"، "وباستخدام تطبيقات مستحدثة وسهلة" لتحويل الاموال.
من دروس اجتياح مخيم جنين، تبين ان العبوات المتفجرة التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية كانت بجودة عالية وقوة انفجارية كبيرة وبكميات فاجأت جيش الاحتلال. في المقابل بدأت شعبة الاستخبارات العسكرية تلقي بوزنها في استكشاف القادم في الضفة الغربية على غرار الجبهتين الجنوبية (غزة) والشمالية (لبنان)، في حين كان الشاباك هو المسؤول عن توفير المعلومات في هذه المنطقة. بالمقابل يقوم جيش الاحتلال باعتماد كبير على وحدة 8200 الاستخباراتية العسكرية، وبتوفير "خلية الضربة الجوية" لتكون تحت قيادة قائد كل لواء، بالإضافة الى تطوير قدرات تعقب وتنصّت مستحدثة وعلى مدار الساعة للعناصر الفلسطينية المقاتلة.
اعتراف بعدم القدرة على الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية بما فيه بصدد مخازن اسلحة او غرف عمليات في مناطق مأهولة في مخيم جنين وبكثافة سكانية عالية، فالثمن سيكون عاليا سياسيا في حال استهداف عدد كبير من المدنيين، وعليه، ذهب الاحتلال الى تهجير ثلث سكان المخيم من بيوتهم الى حين انتهاء العدوان، كما قام باستهداف البنية التحتية، وهدم الحيز باعتباره حاضنة شعبية
تقديرات بشأن مصير السلطة الفلسطينية :
منذ أكثر من عام، تنشغل المؤسسة الاسرائيلية بمستوييها الامني والسياسي وبشكل مكثّف بمصير السلطة الفلسطينية، ويبنون السيناريوهات لما يطلقون عليه "مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس"، وهناك تضارب في المواقف الحاكمة ومنها من يسعى الى تدمير السلطة الفلسطينية كما تيار الصهيونية الدينية واوساط اساسية في الليكود، وهناك من يسعى الى اضعافها وجعلها رهينة لسياساته كما يفعل نتنياهو وتفاديا للضغط الامريكي الساعي لتعزيز قدرات السلطة، وهو موقف تدعمه المؤسسة الامنية الاسرائيلية. وتتضارب التقديرات، فهناك من يرى ان الفوضى ستكون سيدة الموقف في الشارع الفلسطيني وسوف يدفع لسيطرة حماس على الضفة ليكون نموذج الهدنة حاضرا لحلول مستقبلية احتلالية. بينما تؤكد تقديرات موازية بأن كل من يحكم السلطة لاحقا سيبقى تحت سقف م .ت. ف. ولا يمكن ان يخرج من هذا الاطا، وبناء عليه ينبغي تعزيز قدرات السلطة الفلسطينية وعدم السعي بأي شكل لتقويضها، باعتبار ان تقويضها سيشكل خطرا استراتيجيا على اسرائيل لا يقل من خطره على الفلسطينيين.
ترى المؤسسة الامنية أن الاعمال الارهابية التي تقوم بها منظمات المستوطنين وبالذات "فتيان التلال" والمحمية حكومياً باتت خارجة عن السيطرة وباتت عاملا حاسما في توسيع حالة الصدام في كل الضفة الغربية. بينما المنظومة الامنية العسكرية والاستخباراتية والشرطية تقدم تقديراتها وتوصياتها، بما فيه اهمية وجود السلطة الفلسطينية، وفي حال رفضتها الحكومة فإنها تلائم نفسها ومخططاتها العدوانية للبدائل التصعيدية وعلى حساب الفلسطينيين.
الخلاصة:
الوزن النوعي الكبير لتيار الصهيونية الدينية في حكومة نتيناهو والامساك بالوزارات والمنظومات ذات التعاطي المباشر مع الفلسطينيين بدأ يؤثر على مواقف المؤسسة الامنية بشكل ملحوظ، وبدأت الاخيرة تعد الخطط لضبط الفلسطينيين بما فيه سعيا لمنعهم من التصعيد ردا على ارهاب المستوطنين المحمي من الجيش والحكومة.
باتت اسرائيل اقرب الى اعتبار الضفة الغربية جبهة حرب في حال انتفاضة واسعة ومسلحة وليست "مناطق مدارة"، وذلك على غرار الجبهتين الجنوبية والشمالية. وهذا يعني اعتماد أنماط عمل عدواني متشابه، وكذلك اعتماد " عوامل تهدئة" متشابهة.
استهداف المخيمات الفلسطينية كما حدث في اجتياح مخيم جنين، هو جزء من مخطط شامل، يهدف الى تغيير معالمها وجعلها مكشوفة امام حرية عمل جيش الاحتلال والى تفتيت الحاضنة الشعبية التي تميز المخيمات وحتى دفع الامور فيها نحو الاقتتال الداخلي.
التصريحات الامريكية والاوروبية المنددة بارهاب المستوطنين مهمة وذات صدقية بقدر ما تتحول الى اجراءات عقابية لاسرائيل، وبقدر ما تسهم في توفير الحماية للفلسطينيين.
في حال اجتياح واسع للضفة الغربية من المرجح ان تستهدف قوات الاحتلال اجهزة الامن الفلسطيني