الرسالة نت – باسم ابو عطايا
شكل حصول السلطة الفلسطينية على عضوية اليونسكو خطوة رمزية, لكن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة أن التصويت في اليونسكو سوف يكون على نفس القدر والمستوى في الجمعية العمومية للأمم المتحدة حين التصويت على قرار انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية في الحادي عشر من نوفمبر الجاري.
لذلك كان لا بد من إجراء مراجعة ووقفة مع النفس حول جدوى هذا الاعتراف والثمن الذي قد تدفعه السلطة مقابله, وهل السلطة مستعدة لكل التبعات المترتبة على هذه الخطوة؟
الحقيقة أن هذه خطوة في الاتجاه الصحيح بعد إعلان "أيلول" في حال واصلت الصمود أمام الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل), وفي حال كان رئيس السلطة محمود عباس قادرا على إيجاد بدائل حقيقية للتحديات الجديدة التي سيواجهها, وأن يضع خطة مدروسة وممنهجة لمواجهة كل الخطوات المتوقعة ضده بفتح كل الخيارات بما فيها خيار حل السلطة والعودة إلى خيار الشعب (المقاومة).
تهديد أمريكي
قرار الولايات المتحدة وقف مساهماتها المالية في منظمة اليونسكو، كان الخطوة الأولى للرد على قبول عضوية فلسطين فيها. فقد أعلنت الخارجية الأميركية أنها لن تسدد مبلغ 60 مليون دولار كانت ستدفعها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لليونسكو.
وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الوزارة للصحفيين، إن الولايات المتحدة ليس لديها خيار سوى وقف التمويل بسبب قانون أميركي قديم.
ويحظر قانونان أميركيان اعتمدا في مطلع التسعينيات تمويل أية وكالة تابعة للأمم المتحدة تقبل فلسطين دولة كاملة العضوية. وسيحرم هذا القرار الأميركي اليونسكو من 22% من موازنتها، وهو ما يعني نقصا قيمته حوالي 70 مليون دولار في موازنتها اعتبارا من العام 2011.
أما السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس فقالت "إن منح اليونسكو العضوية الكاملة للفلسطينيين يضر بشدة بالمنظمة، ولا يمكن أن يمثل بديلا لمحادثات السلام مع (إسرائيل).
موقف غريب من الولايات المتحدة لكنه ليس مفاجئا فلطالما دعمت مواقف دولة الاحتلال في المحافل الدولية حتى ولو كان على حساب مصلحة وكرامة واشنطن بالتأكيد.. ان الموقف الأمريكي الجديد اثر على صورة واشنطن وعلى سمعتها خصوصا انها خسرت الكثير من الحلفاء والأصدقاء الذين كانوا يمثلون محورا مساندا لمواقفها مثل فرنسا واسبانيا واللتين صوتتا لصالح القرار.
اضف الى ذلك أن دور الراعي النزيه الذى تتشدق الادارة الامريكية في لعبه السلام بين (اسرائيل) ورام الله والذي لم يكن نزيها بالأساس، اصبح اليوم منحازا رسميا وفى محفل دولي وعلى رؤوس الاشهاد .. موقف قد يعرض المصالح الامريكية للخطر خاصة في منطقة الشرق الاوسط التي تعيش حالة من التحولات فيما يعرف "بالربيع العربي".
في مواجهة هذا الموقف الأمريكي على السلطة ان تصر على مواقفها وخاصة ذلك المتعلق بتغير مرجعية التفاوض، حيث اصبحت واشنطن طرفا في التفاوض وليست راعيا له، وعليه فانه يجب ان تتوفر كل البدائل للرد على خطوات الادارة الامريكية، ومن هذه البدائل ان تسعى السلطة ورئيسها الى الدول العربية ممثلة بالجامعة العربية لإقناعهم بتغطية العجز الناتج عن وقف الدعم الأمريكي لليونسكو بحيث تصبح خطوة واشنطن لا قيمة لها فعليا.
هجوم استيطاني
تهديد (إسرائيل) بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي بعد قبول فلسطين عضوا في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، لم يتأخر كثيرا على ارض الواقع، فقد قرر رئيس الوزراء (الاسرائيلي) بنيامين نتانياهو تسريع وتيرة بناء المستوطنات في القدس والضفة الغربية المحتلتين وتجميدا موقتا لتحويل اموال السلطة، وذلك ردا على قبول عضوية فلسطين في اليونيسكو.
واورد بيان لمكتب رئيس الوزراء ان "هذه الاجراءات اتخذت اثر اجتماع اول لمنتدى الوزراء الثمانية (الرئيسيين). وسيناقش اجتماع مقبل الاجراءات التالية".
وسارعت السلطة الى التنديد بالرد (الاسرائيلي) عبر المتحدث باسمها نبيل ابو ردينة وقالت ان "تسريع البناء الاستيطاني سيدمر عملية السلام، وتجميد الاموال سرقة لأموال الشعب الفلسطيني" وانه امر غير إنساني".
يشار إلى أن هذه الاموال تشكل ثلاثين في المئة من موازنة السلطة وتتيح دفع رواتب 140 الف موظف فلسطيني.
من جهته، أعلن مسؤول (إسرائيلي) انه "لا يمكن مطالبة (الاسرائيليين) بان يمارسوا ضبط النفس في حين يغلق الفلسطينيون بشكل منهجي باب مفاوضات السلام، معتبرا ان اليونيسكو "باتت منظمة سياسية عبر ضم دولة غير موجودة اليها".
واضاف نائب وزير الخارجية الاسرائيلي داني ايالون ان "هذه الخطوة من جانب الفلسطينيين تثبت انهم لا يريدون السلام ولا المفاوضات بل يريدون استمرار النزاع".
رد السلطة على (اسرائيل)
من المؤكد ان (اسرائيل) لا تستطيع ان تكون راضية عن الاجراء. فدخول فلسطين الى اليونسكو بصفة عضو كامل العضوية يمهد لها الطريق للانضمام لمنظمات اخرى كمنظمة الملكية الروحانية العالمية (ويبو)، والامم المتحدة مع العلم أن العضوية في الأخيرة مخصص للدول المعترف بها. وهكذا سيرى الفلسطينيون نجاحهم حقنة تشجيع قبل استمرار المباحثات في الامم المتحدة في نيويورك.
وفي المقابل كان الرد الفلسطيني على خطوات (إسرائيل) ضعيفا جدا فقد قالت على لسان نمر حماد، المستشار السياسي إن العقوبات التي ستفرضها الحكومة (الاسرائيلية) بحق السلطة، هي ’مخالفة واضحة لكل الاتفاقيات والمبادرات الدولية وتشكل دليلا جديدا على أن (إسرائيل) غير معنية بعملية السلام والتسوية’.
المحير في رد السلطة على الإجراءات (الاسرائيلية)، هو النظر اليها كعقاب، فالتعليق الذى جاء على لسان أبو ردينة ردا على قرار (إسرائيل) وقف نقل الأموال الى السلطة وصفه بأنه غير إنسانى!
والسؤال لأبو ردينة، متى اهتمت (إسرائيل) بالإنسانية حتى نقول بالإنسانية الفلسطينية؟ هل الاعتداءات اليومية على غزة إنسانية؟ وهل الحصار إنساني؟ أم هل الاجتياحات اليومية للضفة واعتقال المواطنين إنسانية ؟ وهل وهل والقائمة تطول! اما الرد الذى جاء على لسان نمر حماد عندما قال إن العقوبات التي تدرسها (إسرائيل) بحق السلطة هى مخالفة واضحة لكل الإتفاقات والمبادرات الدولية! نتساءل: متى كانت (إسرائيل) معنية بعملية السلام؟ (إسرائيل) التي تطرد المقدسيين وتهويد القدس وتقيم المستوطنات!، وهل هى معنية بعملية السلام"؟