أثار تعيين المملكة العربية السعودية سفيرا "فوق العادة مفوضا وغير مقيم" لدى دولة فلسطين وقنصلا عاما بمدينة القدس، العديد من التساؤلات حول هذه الخطوة ودلالاتها وأبعادها، لا سيما أنها تأتي بعد 29 عاما من إنشاء السلطة الفلسطينية.
وحسبما أفادت وكالة الأنباء الرسمية السعودية (واس) "سلم سفير السعودية لدى الأردن نايف بن بندر السديري نسخة من أوراق اعتماده سفيرا فوق العادة مفوضا وغير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلا عاما بمدينة القدس، إلى مستشار رئيس السلطة للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي".
وأضافت الوكالة الرسمية: "جرت مراسم تسليم نسخة من أوراق الاعتماد في مقر سفارة دولة فلسطين بالعاصمة الأردنية عمّان، بحضور سفير دولة فلسطين لدى الأردن عطا الله خيري".
ولعل عامل التوقيت يلعب دورا مهما، على اعتبار أن هذا التعيين يأتي بالتزامن مع تصاعد الحديث الأمريكي و(الإسرائيلي) حول قرب توصل السعودية لاتفاق تطبيع في العلاقة مع كيان الاحتلال برعاية أمريكية.
ويرى بعض المراقبين أن هذا التعيين قد يأتي في إطار قرب التوصل لاتفاق تطبيعي في ظل الحديث عن تعيين حكومة الاحتلال لحاخام يهودي سفيرا للكيان لدى السعودية، فيما يرى آخرون أنها خطوة تهدف لتوجيه رسالة "واضحة" لواشنطن و(إسرائيل) بشأن المطالب السعودية المتعلقة بموافقتها على التطبيع.
ويجدر الإشارة إلى أن المملكة السعودية تتبنى منذ سنوات رؤية المبادرة العربية للسلام كحل للصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) وترفض إقامة أي علاقات رسمية مع كيان الاحتلال قبل إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وعطفا على ذلك؛ فإنها لم تعترف أو تنضم إلى ما يسمى "اتفاقيات أبراهام" المبرمة عام 2020 بوساطة الولايات المتحدة والتي أرست بمقتضاها حكومة الاحتلال (الإسرائيلي) علاقات رسمية مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب وعُمان.
وفي هذا الإطار يعتقد الكاتب والباحث السياسي جهاد حرب أن هذه الخطوة يمكن قراءتها في عدة مستويات الأول هي تطوير العلاقة الدبلوماسية الفلسطينية والسعودية، كما أنها تأتي في إطار التحركات السعودية المتعلقة بإتمام صفقة مع الإدارة الأمريكية مشابهة لما جرى مع الامارات والبحرين والمغرب بتطبيع العلاقة مع (إسرائيل).
ويوضح حرب في حديثه لـ (الرسالة) أن تعيين السفير يحمل دلالة على أن القضية الفلسطينية حاضرة على أجندة أي صفقة أمريكية أو (إسرائيلية)، ولا يمكن القفز عن ضرورة إيجاد حل لها.
ويبين أنه أيضا يعكس عودة العلاقة بين السعودية ودولة فلسطين، لا سيما بعد أن شهدت العلاقة حالة من الجفاء منذ ثلاثة سنوات، وهو ما من شأنه أن يُمهد لإعادة الدعم المالي، تزامنا مع عقد قمة ثلاثية في العملين تهدف في صلبها الحديث عن بحث الصفقة السعودية الأمريكية الرامية للتطبيع.
ويؤكد الكاتب والباحث السياسي حرب أن السعودية كدولة كبرى في المنطقة لديها مصالح متعددة، وتسعى لتحقيق شروط من أجل الموافقة على التطبيع أبرزها إقامة تحالف عسكري مع الولايات المتحدة والموافقة على المفاعل النووي المدني والحصول على تكنولوجيا مرتفعة كطائرات الـF 35 وإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن السعودية قدمت المبادرة العربية ولا يمكن أن تذهب باتجاه التطبيع دون تحقيق مكاسب كبيرة، كما فعلت بعض الدول الصغيرة كالإمارات والبحرين والمغرب، لذلك تحاول المزج بين المصلحة الخاصة وبين مكانتها كدولة كبيرة قائمة في المنطقة العربية.
وحول إمكانية عقد صفقة للتطبيع، يرى حرب أنه قد يحدث اختراق لكن الصفقة لا تزال في بدايتها وقد تحتاج لوقت، إلى جانب أن هناك عوائق ليس (إسرائيلية) وحسب بل متعلقة في القانون الأمريكي الذي يحظر على السعودية تخصيب يورانيوم، لكن الرئيس الأمريكي جوبايدن سرع إنجازها من أجل استغلال ذلك في دعايته الانتخابية المقبلة،
بينما يرى الكاتب والمحلل السياسي د. إبراهيم حبيب أن كل ما سبق يعد مؤشرا وترجيحا كبيرا على أن السعودية ربما في طريقها نحو التوقيع على اتفاقية للتطبيع مع الاحتلال (الإسرائيلي)، لا سيما أن تعيين سفير لها خطوة لم تقم بها منذ قيام السلطة في حين قامت بها عمان وقطر والعديد من الدول.
ويضيف حبيب في حديثه لـ (الرسالة) أن السعودية طلبت السقف الأعلى من الاشتراطات ويمكن الوصول لتوافق مع الولايات المتحدة حولها، لا سيما أن الأخيرة شعرت بخطورة دخول الصين في المنطقة لذلك تضغط باتجاه عودة مصالحها مع السعودية.
ويبين أن الولايات المتحدة يمكن أن تعطي السعودية تكنولوجيا مرتفعة وطائرات بموصفات معينة بما لا تضر بالأمن القوي لـ(إسرائيل) والقبول بتخصيب يورانيوم على اعتبار أنه سيكون بغرض أهداف مدنية، فيما تبقى قضية الحل الفلسطيني في ظل أن المبادرة العربية لم تعد قائمة بعد أن داسها شارون بأقدامه ولم يعد هناك إمكانية للعودة لها في ظل الوضع القائم، لذلك قد يكون الاتفاق حول السير في عملية سلام وليس إقامة دولة فلسطينية.
ويلفت إلى أن كل المعطيات السابقة يمكن أن تمهد أرضية خصبة نحو الذهاب لاتفاق يفضي للتطبيع بين السعودية وكيان الاحتلال.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية ذكرت في تقرير لها قبل أيام أن مسؤولين أمريكيين وسعوديين قطعوا شوطاً واسعاً واتفقوا على "خطوط عريضة" لاتفاق تطبيع محتمل مع (إسرائيل)، يأملون التوصل إليه خلال العام المقبل، أي خلال فترة تتراوح بين 9 أشهر إلى 12 شهراً.
وقال ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، "أحرزنا تقدما في عدد من القضايا. لن أتحدث عن ماهية التقدم، لكن ما زال أمامنا طريق طويل يتعين قطعه، مع مستقبل غير مؤكد".
لكن المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي جون كيربي قلل من شأن ما أورده تقرير صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، وأشار إلى أنه "لا يزال هناك الكثير من المناقشات التي ستُجرى هنا".
وأضاف: "ليس هناك اتفاق على مجموعة من المفاوضات ولا يوجد إطار عمل متفق عليه للتوصل إلى تطبيع أو أي من الاعتبارات الأمنية الأخرى التي لدينا وأصدقاؤنا في المنطقة".