صنع بجهاده وتضحياته ملاحم عظيمة، وأسس جيشًا قساميًا يمضي تحت قيادته نحو التحرير، وتوحدت بكلماته ساحات الوطن، وانتقلت المقاومة لمرحلة متقدمة في الصراع مع العدو.
هتف باسمه الثوار في أرجاء الوطن، وأضحى أيقونة للمقاومة، بعدما خاض مراحلها منذ انطلاقها وحتى اليوم، ودع زوجته وابنه شهداء، كما ودع الكثير من رفاقه القادة والمجاهدين، الذين كتبوا بجهدهم وعرقهم ودمائهم فصلاً مشرقاً في تاريخ جهادنا ومقاومتنا.
إنه قائد هيئة أركان كتائب القسام، القائد المجاهد محمد الضيف "أبو خالد"، القائد الفلسطيني الذي بدأ جهاده من الحجر، وانتقل للبندقية، ثم للعمليات الاستشهادية، حتى غطّت صواريخ الكتائب تحت قيادته كل شبر من فلسطين التاريخية.
بعد أكثر من 30 عاماً من المطاردة، ومحاولات الاغتيال العديدة، أقدم الاحتلال في مثل هذا اليوم من عام 2014م وخلال معركة العصف المأكول، على محاولة اغتيال الضيف، إلا أنه عجز بجيشه واستخباراته عن الوصول لقائد المقاومة، ليخرج معترفًا بفشله الذريع على الصعيد الاستخباري والأمني، ويكمل قائدنا مشوار جهاده تحفه رعاية الرحمن.
محاولاتٌ فاشلة
لم يتوقف العدو منذ لمع اسم القائد الضيف عن محاولة التخلص من رجل الظل، الذي أقض مضاجعهم وبدد أمنهم وأضحى كابوساً لمنظومتهم العسكرية والأمنية والسياسية، إلا أن عناية الله كانت تحف الرجل في كل مرة، ليخرج أشد عوداً وأقوى عزيمةً وأكثر تحدياً للاحتلال.
أولى محاولات الاغتيال كانت عام 2001م، حين استهدفت طائرات الاحتلال القائد أبا خالد، لكنه نجا من ذلك القصف، ثم تبعها محاولة اغتيال أخرى في سبتمبر من عام 2002م، حيث قامت الطائرات الحربية الصهيونية باستهداف السيارة التي تواجد بداخلها رفقة الشهيدين القائدين عبد الرحيم حمدان وعيسى بركة، ما أدى لاستشهادهما وإصابة القائد الضيف إصابةً طفيفة.
وفي عام 2003م، استهدفت طائرات الاحتلال الحربية قائد هيئة الأركان خلال تواجده مع قادة حماس وعلى رأسهم الشيخ الشهيد أحمد ياسين، إلا أن ذلك الصاروخ أخطأ هدفه، وكتب الله لهم جميعاً النجاة، وفي يوليو من عام 2006م تعرض "الضيف" لمحاولة اغتيال رابعة خلال اجتماع المجلس العسكري لكتائب القسام في إحدى المباني بمدينة غزة، وقد نجو جميعاً بفضل الله.
فشلٌ جديد
وفي اليوم الـ 44 من معركة "العصف المأكول" أعاد الاحتلال الكرة، وسجل فشلاً جديداً، حيث قامت الطائرات الحربية الصهيونية بارتكاب مجزرة دموية في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، بعد استهدافها منزلاً يعود لعائلة "الدلو" بستة صواريخ من نوع (GBU-28) المضادة للتحصينات، وقد أسفرت هذه المجزرة عن استشهاد 15 فلسطينيًا من بينهم زوجة القائد الضيف ونجله الرضيع "علي"، الذي يبلغ من العمر سبعة أشهر، وإصابة العشرات من المواطنين.
وردًا على هذه المجزرة قصفت الكتائب (تل أبيب) والقدس المحتلة ومطار بن غوريون وكريات ملاخي ونتيفوت وبئر السبع وأسدود والمجدل وسديروت بعشرات الصورايخ.
كما وجه القسام في خطاب له رسالة للعدو قائلًا: "خبتم وخاب فألكم، فمرةً بعد مرة تثبتون أنكم مجموعة من الفاشلين، فبعد خمسة وأربعين يوماً من بدء المعركة في ظل كل عملكم الاستخباري فإن كل الذي تستطيعونه هو قتل النساء والأطفال، أما أبو خالد الضيف فقد جعل فشلكم وعجزكم على مدار ما يزيد عن ربع قرنٍ واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار".
رمز المقاومة
باتت موازين المعركة مختلفة، ومحور المقاومة أصبح أوسع وأكبر تأثيرًا، وغدا القائد "أبو خالد" رمزاً وأيقونةً تهتف باسمه حناجر المقاومين في الضفة والقدس وغزة وفي دول الإقليم "حط السيف قبال السيف.. احنا رجال محمد ضيف"، وغدت كلماته مصدر إلهام للأحرار ومفجرةً لمقاومة العدوان في كل الساحات، وقد رسم بتحذيره للاحتلال إبان معركة سيف القدس خطًا أحمرًا جديداً، ومعادلةً هامةً ترسخت في أذهان الكل الفلسطيني، وهي وحدة كل الجبهات انتصاراً للمقدسات ودفاعاً عن القضايا المركزية.
وقد أكد قائد الأركان على هذه المعادلة خلال كلمة مسجلة في مهرجان انطلاقة "حماس" الـ 35، حين دعا إلى توحيد الرايات والجبهات من أجل تحرير فلسطين قائلًا: "لتتوحد كل الرايات ولتلتئم كل الجبهات ولتفتح كل الساحات لهدفٍ واحد وغايةٍ كبيرةٍ نبيلة مقدسة وهي تحرير فلسطين"، وقد ترسخت هذه المعادلة واقعاً على الأرض حين انتصر رجال الضيف لأقصاهم من كل الجبهات خلال شهر رمضان.
وما زالت كتائب القسام بقيادة الضيف تحفظ عهدة الشهداء، وتجدد في كل يوم عهدها ووعدها لشعبها وأقصاها وأسراها بأن تبقى خط الدفاع الأول وسيفهم المشرع ودرعهم الحصين، في وجه عدوان الاحتلال وإجرامه، ولن يخلف القسام وعده بإذن الله، وسيبقى قائد الأركان يقض مضاجع المحتلين ويربك حساباتهم، ويضرب بعزم رجاله نظرية أمنهم، حتى يتحقق وعد الله لشعبنا بالنصر والتحرير، ويؤم ضيفنا بإذن الله جموع الفاتحين في باحات المسجد الأقصى وما ذلك على الله بعزيز.