يُشكل تكرار العمليات المسلحة في مناطق شمال الضفة المحتلة، تحديا كبيرا لمنظومة الاحتلال الأمنية والتي تجد نفسها أمام استنزاف متواصل في ضوء تصاعد العمليات والدفع بتعزيزات عسكرية ونشر كتائب من الجيش في مناطق الضفة.
وتلقى الاحتلال وأجهزته الأمنية صفعة جديدة عقب نجاح العملية قرب مستوطنة "كريات أربع" وأسفرت عن مقتل مستوطنة وإصابة آخر بجروح حرجة، فيما سبقها نجاح مقاوم فلسطيني في تنفيذ عملية إطلاق نار وقتل مستوطنين (إسرائيليين) والانسحاب بسهولة في شارع حوارة الذي نفذت فيه العديد من العمليات سابقا.
وعقب العمليتين دفع الجيش والمؤسسة العسكرية الصهيونية بتعزيزات كبيرة في مناطق الضفة عامة وبالقرب من مكان تنفيذ العمليتين، بحثا عن المنفذين، ولمحاولة منع وقوع المزيد من العمليات المسلحة.
ما سبق يشكل حالة استنزاف للمنظومة الأمنية لجيش الاحتلال في ظل حالة الخوف لدى المؤسسة العسكرية أن تتصاعد تلك العمليات تخلق حالة اشغال لا سيما مع مخاوف اشتعال جبهات أخرى في مناطق الجنوب أو الشمال لدى الكيان.
ويؤكد الكاتب والمختص في الشأن (الإسرائيلي) معتصم سمارة، أن العمليات تمت في مناطق تشهد تشديد أمني وانتشار للجيش والمستوطنين بشكل مكثف مقارنة بباقي مناطق الضفة ما تعكس حالة الإحباط والفشل المدوي للمنظومة الأمنية للاحتلال.
ويوضح سمارة في حديثه لـ (الرسالة) أن شارع حوارة محاط بكم هائل من كاميرات المراقبة وحواجز الجيش ولا يزيد طوله عن 2 متر، ومع ذلك تتكرر العمليات المسلحة فيه وهو ما يشكل استنزاف كبير للجيش.
ويبين أنه مع كل الإجراءات التي يتخذها الاحتلال ونشر المزيد من الكتائب والألوية في مناطق الضفة فإن حالة الإحباط وخيبة الأمل تسود قادة المؤسسة العسكرية التي باتت تدرك أن الحل لمواجهة الفلسطينيين ليس فقط العمل الأمني والعسكري.
ويشير سمارة إلى أن هناك قناعة لدى الجيش بأن المستوطنين باتوا جزءا كبيرا من المشكلة التي تدفع الفلسطيني للدفاع عن نفسه، وقد يصاحب الفشل الأمني توجيهات لتقليل إرهاب المستوطنين المتصاعد في مناطق الضفة.
وأشارت التقارير (الإسرائيلية) إلى أن عدد كتائب جيش الاحتلال التي تنتشر في الضفة ارتفع إلى 23 كتيبة في أعقاب الدفع بالمزيد من القوات.
ووفقا للتقارير (الإسرائيلية)، فإن العام الجاري يسجل أعلى حصيلة قتلى سنوية في عمليات المقاومة منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مع تسجيل نحو 35 قتيلا منذ مطلع عام 2023.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. يوسف رزقة أن قوة الجيش والأمن مهما تعاظمت فهي إلى ضعف لا محالة، لأن قدرة الدول والأفراد على البقاء تحت الشد العسكري والأمني لا يمكن أن تستمر لسنوات طويلة، ومن يطلب الحرية والكرامة فإن له دوافع عظيمة للتضحية ليعيش أبناؤه بكرامة وحرية لا سيادة للعدو فيها.
ويضيف رزقة أن المقاومة كانت قديما، وهي مستمرة حتى زوال الاحتلال، وكل نظريات الأمن في العالم لن تقضي على مقاومة شعب يبحث عن حريته وتقرير مصيره.
ويشير إلى أن قادة دولة الاحتلال يفهمون هذه المعادلات، والتاريخ يزودهم بتجارب الأمم والدول، ولكنهم قوم بطبيعتهم العنصرية مستكبرون، ويقفزون عن القانون الدولي والقانون الإنساني، ويحاولون القفز عن الفلسطينيين، وحقهم كشعب يطالب بحقوقه الوطنية المستقرة في وجدان الأجيال بشكل دائم ومتعاقب. الاحتلال وجرائم الاحتلال المتعاقبة تستدعي مباشرة عمليات مقاومة، وحل هذه المعضلة في (تل أبيب) لا في نابلس أو رام الله.