قائمة الموقع

مقال: القفز الصيني من الدور الجيواقتصادي إلى الدور الجيوسياسي

2023-08-24T11:56:00+03:00
عدنان القصاص
عدنان القصاص

لقد لفت انتباهي ما أثاره المؤرخ الفرنسي المتخصص بالشأن الصيني والعلاقات الدولية في شرق آسيا، "فرانسوا جودمينت"، بمقاله الذي نشره بعد منتصف شهر مايو المنصرم، حول الجهود الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط والتي تبدو من وجهة نظر الغرب أنها جهوداً أقل مما تبدو للوهلة الأولى.

وتحديداً يقصد ما يبذل من جهد دبلوماسي على صعيد توطيد علاقات ايران مع جيرانها العرب، وكيف أن الصين تحاول ترسيخ قواعد الثقة البينية بين تلك الفواعل، والتي بدورها إن نجحت ستسجل نجاحاً كبيراً للدبلوماسية الصينية.

ويشير "فرانسواه" لطبيعة علاقات الصين بـ"اسرائيل".

ويبرز المؤرخ سلوك الصين بانتهاجها سياسة النفس الطويل، في زيادة تغلغلها ونفوذها في الشرق الأوسط.

ويبرهن زعمه من خلال ابراز كيف قفزت الصين بشكل ملحوظ من فكرة التعاون الثقافي "الكونفوشيوسي"، وممارسات السياسة الجغرافية الاقتصادية، إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو الانتقال لدور أكبر في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.

وهذا باعتقاده أمراً يستحق الوقوف والتأمل من قبل أمريكا والغرب، وحلفائهم. كون أن لذلك تداعيات أبعد من الشرق الأوسط.

وأرجع المؤرخ هذا التحول، لحالة الفراغ في الشرق الأوسط، بسبب افتقار الولايات المتحدة إلى الاهتمام الإستراتيجي، وكذلك نفوذ أوروبا المحدود غي المنطقة.

وبالتالي؛ يقول إن هذه الأسباب أغرت الصين؛ لتضع نفسها مرجعية عظمى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ويجزم "فرانسوا" أن الصين لم تعد كسابق عهدها، وكذلك القادة الصينيين قد ابتعدوا عن موقفهم التاريخي المتمثل في عدم الانخراط بالصراعات الدولية، وأنها تكتفي بالتواصل مع جميع الأطراف.

فقد انتقل قادة الصين إلى دور سياسي أكبر في الشرق الأوسط.

ولعل أكثر ما لفت انتباهي حديث الكاتب عن علاقة الصين بـ "إسرائيل"، ووصفها أنها كانت تأخذ طابعاً تجارياً، كون أن "اسرائيل" تعتمد على التكنولوجيا ولا تعتمد على الطاقة، إلا أن الصين أصرّت أن تظل تلك العلاقة في الظل صامتة.

ويعلق في نفس السياق بما يلي:

 حتى أنه عندما أصيب العمال الصينيون في داخل "اسرائيل" بفعل صواريخ حماس التي أطلقت من غزة، لم تنبت الصين ببنت شفه، والتزمت الصمت وهي التي كانت ولازالت تتحدث عن أمن وسلامة مواطنيها في الخارج، وسرعان ما تؤكد على أمنهم.

ويضيف الكاتب أيضا أن الصين التي كانت حريصة وملتزمة بالخطوط الحمراء حين يتعلق الأمر بالأسلحة، وكمثال على ذلك؛ امتنعها عن تزويد سوريا بالصواريخ البالستية، وكذلك حدّت من مبيعاتها لإيران.

إلا أن الصين اليوم ذهبت لأبعد من ذلك _ انشاء مرافق انتاج الطائرات بدون طيار، ونقل تكنولوجيا الصواريخ لإيران.

ويشير الكاتب إلى ما تطرحه الصين من مبادرات حلول سلمية للصراعات لاسيما الصراع "الاسرائيلي" الفلسطيني، ويصفها بالمبادرات دائماً بالمنحازة، والغامضة.

وينصح المؤرخ الفرنسي فرنسواه "الاسرائيليين" بعدم تجاهل الصين ودورها كقوة صاعدة ولها نفوذها في الشرق الأوسط، وكونها لديها القدرة على المكافأة والمعاقبة.

ويشير إلى زيارة نتنياهو القادمة لبكين وأهميتها، وينصح الكيان بأنه: يتعين على "اسرائيل" أن توازن دائماً بين مصالحها الأمنية والعلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين وزيادة احتمال الإزعاج.

ويؤكد مرة أخرى أن تركيز الصين العام على التنمية كمفتاح لحل الأزمات لا تتبعه مساعدات جوهرية_ حتى في فلسطين.

موضحاً أن ذلك ليس نموذج الحزام والطريق المستخدم في الماضي القريب من العراق، حيث تمول القروض الصينية المشاريع التي شيدتها الصين، بل تتجاوز هذا الحد لما هو أبعد من ذلك.

وبالتالي؛ في ظل تسارع الأحداث وكثرة المتغيرات على الساحتين الاقليمية والدولية، بتنا كعرب نقطن هذه المنطقة محل تزاحم النفوذ الدولي، نستشعر أننا أقرب من واقع جيوسياسي مختلف تماماً عن الواقع الذي فرضته الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وهذا بدوره له تداعيات أبعد من الشرق الأوسط بلا شك.

ويؤكد ما سبق حتمية انكفاء الدور الأمريكي، وتراجع تأثيره في المنطقة مع مرور الزمن، ما سينعكس بالضرورة على وضع مشروع "اسرائيل" الاستعماري الاحلالي سلباً، هذا من جانب.

ومن جانب آخر، ربما هذا ما يجعل السعودية تطيل التفكير، وتعيد حساباتها، برغم ما يمارس عليها من ضغوط، كي تمنح أمريكا، وحكومة "نتنياهو" انجاز صفقة التطبيع مع "اسرائيل"، في ظل عدم استعداد الأطراف لدفع أثمان ذات أبعاد استراتيجية تحقق للمملكة مكانة توازن فيها قوّتها مع القوى الاقليمية ذات الأطماع الجيوسياسية.

باعتقادي؛ الصين ليست بعيدة عن هذا المشهد بل تلعب دوراً مهماً في تفويت الفرص على البيت الأبيض، وتبذل جهوداً في مساعدة دول المنطقة على دحر "أمريكا" وجيوبها من المنطقة العربية.

كون الصين اليوم بدأت تأخذ دوراً مختلفاً، تكون من خلاله قادرة على فرض رؤيتها لحل قضايا المنطقة.

علاوة أن الصين وصلت لمرحلة من التعاون مع دول المنطقة عبر عقدها اتفاقات معها، لاسيما مع السعودية تتجاوز حقبة ما بعد النفط.

فلم يعد من السهل فصل ذلك عن توجهات المملكة المستقبلية.

اخبار ذات صلة