العقول التي تدير معركة التوازنات، تتفهم ذاك الصراع القائم في خبايا العدو، والذي ينضوي بين تفاصيل معركة عنيفة، يتخوف منها الكيان في كل تفاصيلها، فهو يدرك المعنى الحقيقي للردع المفقود، في ظل فشله في ترميم الحالة الداخلية، أو على الأقل تضييق فجوة التباينات والخلافات في المؤسستين العسكرية والأمنية.
هذه المعركة تنحصر بين كسر الإرادات وتحطيم الصورة، والذي نجحت بها المقاومة في مرحلة تشهد تصاعدًا كبيرًا في عمليات المقاومة، والتي أبهرت كل قريب وصديق وحليف، وصنعت صورة ذات بُعد استراتيجي تعكس الواقع الحقيقي للتضحيات والنضال الفلسطيني.
لقد حاول العدو ومنذ بداية الصراع أن يُدخل شعبنا ومقاومتنا في معارك يديرها تحت شعارات فاشية، كالتخويف بالقتل، والتهجير، والعزل العنصري، والإبادة الجماعية، والتجويع من خلال الحصار، والكثير من الاستراتيجيات التي اعتمدها العدو واتخذها مسلكًا في معادلة الصراع، ولكن عبر سنين طويلة لم يسجل العدو أي نجاح ملحوظ في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، في ظل معارك اختلفت بها التوازنات المسلحة، في حين أن الحسابات المنطقية التي أفرزتها معادلة الصراع أكدت أن المقاومة وشعبنا الفلسطيني يمتلكون القدرة على كسر أي معادلة صهيونية، لأن الصراع لم يكن قائمًا في يوم من الأيام ضمن معادلة النزيف أو الخسائر البشرية والمادية، لأن الثابت الحقيقي في هذه المعركة هو الأرض والهوية والقضايا العادلة.
ومن هذا المنطلق لا يخفى على أحد الأزمة الصهيونية التي يمر بها العدو داخليًا وخارجيًا، والتي شكلت في سياق الفكر الاستراتيجي نقطة تحول خطيرة ستعيد حسابات الكيان من جديد في أي مواجهة عسكرية مرتقبة، وهو ما يؤكد أن اليمين المتطرف والذي يقود التوجهات الصهيونية في حكومة نتنياهو سيعزز الأزمات الداخلية والخارجية، في ظل ممارسة النهج العنصري، والتوسع الاستيطاني في الضفة والقدس، وهو ما فتح الباب على مسراعية أمام قوى المعارضة الصهيونية للإعلان عن رفضهم لمبدأ اليمين، بالرغم من أنهم هم أصحاب الفكر والتأسيس والذي جاء ليستبيح دماء وأرض شعبنا الفلسطيني، تحت شعار ما يسمى "الديمقراطية" التي انتهكها العدو عبر سنين الصراع، ومنع الفلسطينيين من التعاطي معها أو الأخذ بها، لإكمال مسلسل التقسيم والتهويد والضم.
على الوجه الآخر فقد باتت حكومة نتنياهو أكثر ضعفًا أمام المقاومة وأمام الإرادة الفلسطينية الباسلة وأمام كل طفل وشاب وامرأة انخرطوا في مشروع المقاومة، وكان لهم سهمًا مهمًا في تعزيز المشروع المقاوم في الضفة وغزة، في حين أن السباق نحو العمليات الفدائية كسرت الحواجز النفسية أمام شعبنا الفلسطيني، وبات العمل الفدائي نموذجًا لنيل وسام الشرف والعزة بدلاً من الخنوع للخوف أمام العدو، وهي محطة مهمة ضربت الفكر الصهيوني وأفشلته، ولا تزال تشق طريقها لتصل إلى كل مكان.