قال عضو الهيئة التنفيذية في "حركة المسار الثوري البديل" الكاتب الفلسطيني خالد بركات إن "العدو الصهيوني يُحافظ على جوهر إتفاق أوسلو منذ توقيعه في واشنطن 13 أيلول 1993، ويحميه بحدقات عيونه وبالمال والسلاح، ونجح في توظيف "منظمة التحرير" لصالح مشروعه واستراتيجيته في المنطقة، ويجب أن نعترف أن "م ت ف"، أصبحت منذ تأسيس السلطة تعمل في خدمة الكيان ومصالحه، خاصة بعد تاسيس السلطة 1994، وبعد وجود تحالف طبقي من (الأمن والمال) تسلّم مقاليد القرار فيها ثم حوّلها إلى هيكلٍ مسخ، فأصبح "الممثل الشرعي" سمسارًا صغيرًا، ولم يعد لمنظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية صلة بإسمها، فالحقيقة أنها أقرب إلى عصابة من المافيا تعقد الصفقات المشبوهة، وبعض قياداتها يعملون كحرس للهيكل والمستعمرة الصهيونية"
وأضاف بركات في لقاء خاص أن "اتفاق أوسلو لم يسقط بعد، وقيادة منظمة التحرير تكذب حين تقول "اسرائيل قتلت أوسلو"، فطالما يستمر التحالف الأمني والإقتصادي مع العدو، ولا تزال طبقة بعينها تقرر بالنيابة عن كل الشعب الفلسطيني وتواصل استهداف المقاومة في الضفّة، وتعمل على حماية أمن مستعمراته، وتُشكّل جسرًا للتطبيع وواسطة بين الكيان والعالم العربي، وتعمق من حالة التفكك والشرذمة الداخلية وترتكب الجرائم، إذًا فإن كيان أوسلو العميل لا يزال قائمًا ويواصل وظيفته المحددة التي أنشاته القوى الإمبريالية والرجعية المعادية، وتموله وتدربه للقيام بهذا الدور لكنه وبعد ثلاثة عقود بات أكثر فسادًا وعفنًا."
تابع الكاتب بأنّ "حل الدولتين التصفوي سقط إلى الأبد، فكل أكسجين العالم لن يعيده إلى الحياة والحمد لله" مُعتبراً أن "الذين برروا التفاوض باسم الواقعية السياسية وباعوا الأوهام، سقط مشروعهم، وبعضهم صار يعمل سجانًا وجلادًا في مسلخ أريحا"
وأكّد بركات على أنه ️"لا تزال هناك دوائر وشخصيات هامشية في الولايات المتحدة ومعها بعض القوى الأوروبية تحاول شراء الوقت، وتقديم صيغ ومقترحات جديدة لإدامة حياة السلطة الفلسطينية، وتعمل على إعادة إنتاج حل الدولتين التصفوي، وتغليفه بورق جديد كتأسيس حكومة فلسطينية مقبولة تتمتع بصلاحيات أكبر، ويكون لها بعض التمثيل الرمزي في الأمم المتحدة والهيئات الدولية؛ لكن هذه المشاريع ،على عفنها، يستكثرها العدو الصهيوني على فريق "أوسلو" العامل عنده والذي أصبح مرتهنًا بالكامل لإرادة الكيان الصهيوني، ولا يملك إلا الطاعة والرضوخ لمشيئة تل أبيب وواشنطن"
أشار بركات إلى أن "الشعب الفلسطيني لم يناضل من أجل إقامة دولة أو حكومة، ولم يقدم التضحيات والشهداء على مدار قرن من الزمن، ويتعرض لحروب الإبادة والتهجير، ويدخل مليون فلسطيني وفلسطينية إلى السجون الصهيونية منذ 1948، من أجل سلطة للحكم الذاتي، بل كافح شعبنا ولا يزال، وسيظل يكافح من أجل حقوقه الوطنية وحقه في العودة والتحرر من الاستعمار الصهيوني، وكل حديث خارج مشروع التحرير والعودة، مضيعة للوقت، وتغميس خارج الصحن، ومحاولة للتضليل وحرف قضية فلسطين عن مسارها التحرري والطبيعي"
السعودية: الغنيمة الكبرى
وعن السعودية والتطبيع مع الكيان الصهيوني، قال بركات "مواقف زعماء وقادة الحركة الصهيونية في الغرب واضحة جدًا، وكذلك قادة الكيان فهم ينظرون إلى التطبيع بوصفه هزيمة للعرب دون قتال، ويرون في السعودية "الغنيمة الكبرى" أو الثمرة التي أصبحت جاهزة للسقوط العلني في حضن الصهيونية، وبخاصة بعد الذي جرى في إطار ما يسمى "اتفاق أبراهام" وغيره من مواثيق الإستسلام التي أسس لها نظام "كامب ديفيد" في القاهرة، وكلها تعني في الجوهر التحالف العلني بين قوى الإستعمار والصهيونية والرجعية العربية برعاية الولايات المتحدة"
شرح قائلًا "بهذا المعنى، تشكل السعودية بالنسبة للكيان الصفقة الكبرى كما وصفها "نتنياهو" في مقابلة صحفية مؤخرًا، فإقامة علاقات صداقة تتحول بالتدريج إلى تحالف علني مع النظام السعودي، ستكون ربحًا صافيًا لمشروعه الإستيطاني في فلسطين والمنطقة، ويعزز قدرته في الإقليم، خاصة في مواجهة إيران ومعكسر المقاومة العربية، فضلاً عن ما سيحصده الكيان الصهيوني من مكاسب اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية، وما يوفره مثل هذا التحالف من عمق استراتيجي يضمن وجوده وبقاءه، فهي مسألة حياة أو موت بالنسبة للكيان وحلفائه"
وأضاف "من البديهي أن يكون التطبيع مع كيان العدو الصهيوني ومؤسساته لا يخدم إلا المصالح الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية، لكن الغير معروف هو ماذا يجني النظام السعودي من التطبيع؟ ليسأل بن سلمان نفسه ومن سبقوه في "كامب ديفيد"، و"أوسلو "، و "وادي عربة" فهم لم ولن يحصدوا سوى الخيبة والفشل والعار".
شدد الكاتب الفلسطيني بالقول: "انظروا إلى النظام العربي الرسمي، خاصة الجزء النفطي منه، واحسبوا حصيلة سياساته طوال العقد الأخير، حتى لا نذهب أبعد في التاريخ، فعلوا كل شيء لإرضاء الإمبريالية والصهيونية، وعمموا ثقافة الظلام والتكفير، وزرعوا الفتنة والتجزئة والحروب الطائفية، وشاركوا في تدمير المجتمعات العربية في العراق وسورية وليبيا واليمن وغيرها، ويواصلون حصار غزة، واستهدفوا المقاومة في لبنان، وهدروا نحو ترليون دولار منذ 1993، كانت كفيلة بنهضة اقتصادية وعلمية للعرب، وشنوا الحرب والعدوان على الشعب اليمني الشقيق، نعم، هذه حصيلة انجازاتهم العظيمة"!
ذكّر الكاتب بموقف رئيس السلطة الفلسطينية في إطار النظام العربي الرسمي "لا يوجد مشهد أوضح من ذاك المشهد حين وقف (أبو مازن) يؤيد الحرب الأمريكية السعودية على الشعب اليمني الشقيق في خطاب بائس ألقاه أثناء مؤتمر القمة العربية بالقاهرة 2015 مُقابل حفنة دولارات، كان يُعبّر عن دور منظمة التحرير وموقعها في النظام العربي الرسمي، هل هذا الموقف الخياني الجبان يُمثّل إرادة الشعب الفلسطيني الشجاع؟ وهل يعكس طبيعة العلاقات الفلسطينية اليمنية؟ نحن نرى كيف ينظر شعبنا إلى اليمن، وكيف يخرج الشعب اليميني إلى الساحات والميادين والشوارع، ويسير حافيًا ليلبي نداء القدس والأقصى والمقاومة"
شنّ بركات هجومًا على ما أسماه "نظام كامب ديفيد الفاشي" مُعتبرًا أنه نظام وحشي في الداخل، مستسلم أمام القوى الخارجية، وقام بدور عرّاب التطبيع والهزيمة في المنطقة منذ 1974، مُذكرًا بأنه النظام الأسوأ في المنطقة، وفاتح سلسلة الهزائم العربية الرسمية منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد 1978، وبيع مصر للأجانب والشركات، وحشرها في جيب أمريكا والكيان الصهيوني وطغمة الرأسمال وامارات النفط والغاز.
إعادة الإعتبار لـحركة التحرر الوطني العربية
حذّر بركات مما أسماه "أنظمة التطبيع التي تتغول على حقوق وكرامة شعوبها، وتتحالف مع الكيان الصهيوني، وتضع نفسها خصمًا وعدوًا للشعب الفلسطيني، بعد أن فقدت كل مناعة وطنية، وأصبحت تُقامر حتى بمصيرها ومصالحها، وحينما تُقْدِم هذه الأنظمة على خطوات كالتطبيع والتحالف مع العدو، وتشارك في التحريض على المقاومة تصبح مع الوقت عرضة للأزمات في الداخل، بل تصبح هدفًا مشروعًا للمقاومة أيضًا.
اعتبر الكاتب بأن "المهمة المركزية لطلائع الشعوب العربية، وقوى المقاومة الشعبية المسلحة، هي إعادة الإعتبار لحركة التحرر الوطني العربية، والنضال مجددًا من أجل العبور نحو مرحلة نضالية جديدة لانتزاع الإستقلال الوطني الناجز، والتخلص من بقايا وهيمنة الإستعمار، في كل صورها السياسية والإقتصادية والثقافية، ومواجهة أنظمة القمع والتطبيع".
موضحًا "الشعوب العربية، حتى الآن، لم تمارس حقها الطبيعي في تقرير المصير، وكل الوطن العربي تقريبًا أصبح أرضًا محتلة، يمكنكم أن تسموه "فلسطين الكبرى"، وتنتشر فيه القواعد العسكرية الأمريكية والدول والشركات الكبرى، وكل الدول العربية منقوصة الكرامة والسيادة لا نستثني أحدًا، اللهم بعض المناطق التي يتواجد فيها سلاح المقاومة".
وشدد الكاتب الفلسطيني على أن "معسكر المقاومة العربية بدأ يستعيد المبادرة، ورأس حربته في لبنان وفلسطين، ومعسكرنا الشعبي هو القوة الوحيدة القادرة على الصمود وحماية القضية والحقوق، يراكم قدرات عسكرية وسياسية ويحظى بدعم شعبي، فلسطيني وعربي واسلامي ودولي، ويشكل الأمل الحقيقي وخشبة الخلاص الوحيدة للأمة وشعوبها"
المصالحة الفلسطينية مفهوم متخلف عن الوحدة الوطنية
أما بشأن المصالحة الفلسطينية واستعادة الوحدة الوطنية فقال بركات "فصائل المقاومة في فلسطين لا تزال مرتبكة أمام شعار (المصالحة) والعدو الصهيوني وسلطة أوسلو وأنظمة عديدة في المنطقة يعرفون هذه الحقيقة – للأسف- ولذلك يقوم هذا المعسكر باستغلال ما يسمى "المصالحة" بين فترة وأخرى لحشر المقاومة من جهة، وكسب المزيد من الوقت، والهدف هو شراء الوقت وإضفاء شرعية على قيادة منظمة التحرير"
مضيفًا "المصالحة الفلسطينية تعبر عن مفهوم ذكوري ومتخلف عن معنى الوحدة الوطنية، حتى الكلمة ذاتها (المصالحة) هي تعبير عن الأزمة، وكُل فصيل قانعٌ وفرحٌ بما لديه، سواء كان فصيلاً مشاركًا في السلطة أو في المقاومة، سواء كان صغيرًا هامشيًا أو له وزن شعبي، بات يستسهل إلقاء اللوم على الآخر ويتنصل من المسؤولية، ولذلك، بات لزامًا على قوى المقاومة تحمل المسؤولية ومغادرة هذ الدائرة المقفلة"
وتابع بالقول "قوى المقاومة يجب أن تحسم خياراتها وعلاقاتها الملتبسة مع كيان السلطة ومنظمة التحرير، وهذا شرط التقدم خطوة سياسية كاملة إلى الأمام، وبناء الوحدة السياسية والتنظيمية على طريقة "مخيم جنين"، ويمكن تحقيق ذلك بالحوار والعمل معًا، أي بالحوار الشعبي المفتوح وتأسيس جبهة وطنية موحدة للمقاومة والتحرير على أسس وطنية وثورية جديدة"
ويرى الكاتب الفلسطيني بأن "فريق السلطة فرّغ الوحدة الوطنية من مضمونها الشعبي الديمقراطي ومعناها وفاعليتها في مواجهة العدو، ويريد صيغة متخلفة أقرب إلى سلوك بعض شيوخ القبائل والعشائر في أكثر صورها تخلفًا.
وختم الكاتب الفلسطيني بالقول "شعبنا الفلسطيني يدرك بحسه وتجربته الكفاحية الطويلة حجم المخاطر التي تهدد القضية والحقوق الوطنية، لانه يكتوي بنارها يوميًا، لذا سوف يستعيد شعبنا في الشتات بشكل خاص موقعه المركزي ويتحمل مسؤوليته إزاء نفسه، وتجاه شعبنا في الوطن أيضًا، هذا يعني أن يسترد موقعه الطبيعي في حركة التغيير والتحرير، ويمكنه تحقيق ذلك بالإرادة الشعبية الحرة، وبأن يشق مساره الثوري من جديد كما فعل في كل المراحل والفترات الحالكة والصعبة"