الرسالة نت - خلود نصار
أمسكت سلوى العفيفي بيدها صنارة معدنية وأمسكت باليد الأخرى خيطا اتصلت به كرة صوفية زهرية اللون وبدأت بتحريكها بطريقة معينة لتنسج من خلالها فستانا صوفيا أوشكت على الإنتهاء منه.
و تعتبر حياكة الصوف من الأعمال التي شغلت نساء غزة منذ زمن بعيد فهي من الحرف الفلسطينية التراثية الشعبية القديمة التي اعتبرها البعض مهنة لكسب الرزق والبعض الآخر تعلمها كهواية وملء وقت الفراغ بما هو مسل ومفيد.
ومع برودة الاجواء وزيادة زخات المطر يزيد العمل في مثل هذه الحرفة التي دفئت شتاء الغزيين وزادت تنافس النساء على العمل.
مهنة متوارثة
تذكر العفيفي 46 عاما أنها تعلمت حياكة الصوف من والدتها ومن اختها الاكبر سنا منذ كانت صغيرة وساعدتها ايضا احدى جاراتها المتقنات لعمل الصوف فتقول والبسمة رسمت ملامحها " تعلمت حياكة الصوف عندما كنت في العاشرة من عمري وقد اكملت عمل اول فستان صوفي جميل وكان أجمل عمل اقوم به " .
وترجع بذاكرتها إلى الوراء فتتابع " أشغل وقتي بعمل الصوف فخلال فترة الإنتفاضة الأولى نسجت ما يقارب 25 بلوزة صوفية وما زال بعضها لدي حتى الآن "
وتذكر أنها تعلقت بعمل الصوف بشكل كبير فأصبحت تتعلم كل ما يخصه من (نقلات) أي أشكال للغرزة الصوفية فتذكر أنها في يوم رأت إمرأة يهودية تشتغل الصوف بطريقة مختلفة عما تعمل به العفيفي فطلبت منها أن تعلمها.
وتضيف العفيفي والتي توشحت بشال صوفي أسود نسجته بيديها انها تعمل بالصوف بدل الأطفال والفساتين والشالات الصوفية بالوانها الزاهية وكذلك وسادات صوفية للزينة وتستفيد العفيفي من الانترنت بتطوير عملها من خلال إخراج أشكال جديدة وموديلات متطورة من الصوف.
وتواصل العفيفي عملها خلال حديثها فقد حفظت صنارتها واناملها العمل عن ظهر قلب مشيرة إلى ان عمل الصوف شكل لها مصدر رزق فكانت تعمل بشكل كبير نظرا لسوء الاحوال المادية ولكنها في الوقت الحالي بعدما عملت معلمة في مدرسة دار الارقم وتحسنت ظروفها المادية لم يعد لديها الوقت الكافي للعمل فتعمل في أوقات فراغها حسب طلب المقربين منها فقط وتوضح أن تسعيرة القطع المصنوعة من الصوف متعارف عليها, فيتم حساب تكلفة اليد وسعر الصوف المستخدم .
و تستخدم العفيفي أيضا لحياكة الصوف الأسياخ الحديدية (الصنارتين) لصنع الملابس الصوفية باختلاف اشكالها وموديلاتها وتختلف أنواع الأسياخ المعدنية المستخدمة وكذلك الصنارة الواحدة فهناك احجام من(6/8) يتم تحديده وفقا لنوعية الصوف المستخدمة.
إقبال
و من الغرزات التي تستخدمها العفيفي لنسج الملابس ( الجدلات والسادة والشقلوبة) باستخدام السياخ الحديدة (الصنارات) ومن خلال الصنارة الواحدة تنسج غرزة (الوردة وقطف العب والعنكبوت) وتستطيع العفيفي بمجرد النظر للقطعة معرفة الغرزة المستخدمة فيها وتقليدها بشكل فوري .
مهارة العفيفي في حياكة الصوف مكنتها من العمل في جمعية الشموع المضيئة الخاصة بأهالي الشهداء كمعلمة للصوف وتقول " أجد إقبالا من النساء لتعلم هذه المهنة الممتعة " وعرضت العفيفي في الجمعية بعضا من أعمالها ذات الألون الباهية .
وفي محل جرادة المخصص لبيع الصوف وقفت الحاجة أم رامي تتخير ألوانا من الصوف لكي تحيك فستانا لحفيدتها القادمة وتذكر انها تعلمت الحياكة في معهد رام الله منذ عام 1967
وترى في العمل اليدوي للصوف الرقي والتميز والرونق الذي لا يوجد في الملابس الجاهزة، فيستطيع الشخص إنتقاء ألوان الملابس حسب ذوقه ورغبته ولا يكون مقيدا بما يباع في السوق من ألوان وموديلات, مضيفة انها تستخدم الصنارة الواحدة للحياكة وتجد في عملها المتعة واشغالا لوقت الفراغ.
وبجوارها يقف صاحب المحل أبو مكي جرادة يحاول مساعدتها في إحضار الألوان والنوعيات التي تطلب حتى توقف ليبدا حديثه مع "الرسالة".
هواية الفن والإبداع
جلس الحاج أبو مكاوي جرادة على مكتبه المزدحم بالدفاتر وكرات الصوف وآلة صغيرة يلف بها كرات الصوف ويحاط مكتبه برفوف خشبية مزينة بكرات الصوف الملونة بكافة الالوان والأحجام وعلى أرض المحل تكومت أيضا أكياس من الصوف الملون كبيرة الحجم وعلى يمينه حامل معدني يعلق عليه الكثير من الملابس الصوفية التي تحيكها النساء ويساعدهن في ترويجها وبيعها كنوع من المساعدة لأصحاب الدخل المحدود .
ويعمل جرادة في هذا المحل منذ اثنين وثلاثين عاما وقد ورثه عن والده ويبيع في محله كافة انواع الصوف مثل صوف الصنارة والكروشيه والماكنة وكذلك يبيع الصوف التركي والمصري والصيني والروماني ويوضح ان الإقبال على شراء الصوف وحياكته بازدياد مستمر.
ويضيف أن حياكة الصوف تعد هواية تعتمد على الابداع والفن لحياكة في ملابس الاطفال وهو كذلك عمل جيد لأصحاب الدخول المحدودة ويذكر أن رغم وجود ملابس صوفية جاهزة في الأسواق إلا أنها لا تعد منافسا للعمل اليدوي ولا وجه مقارنة بينهما، مشيرا إلى أن المرأة الواعية تستطيع التفريق بسهولة بين النوعين اليدوي الذي يبقى العمر كله كما هو والجاهز الذي يتلف بسرعة.
أما عن الصعوبات التي واجهت جرادة خلال فترة الحصار كانت منع دخول الصوف إلى القطاع كأي مادة خامة اخرى وهو بذلك كان مضطرا لتوفير السلعة بأية وسيلة كالأنفاق أو التهريب لان الصوف مصدر رزق لكثير من العائلات المستورة ويعد مصدر الدخل الوحيد لهم.