لم تعُد المؤسسة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، تطيق التصالح مع نظرة الشارع «الضفّاوي» إليها، بعدما باتت مجرّد وكيل للاحتلال، يقوم بالنيابة عنه بمَهمّة ملاحقة قادة كتائب المقاومة وعناصرها، والذين فشلت 26 كتيبة في جيش العدو، في القضاء عليهم خلال العامين الماضيين.
وعلى هذه الخلفية، تخوض السلطة معركة تزييف وعي متجدّدة، بدأتها خلال اليومين الماضيين، عبر تعميم أذرعها الإعلامية، المموّلة من وزارة الإعلام والأجهزة الأمنية التابعة لها والقيادة الرسمية لحركة «فتح»، رواية جديدة، تتّهم فيها خلايا المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، بأنها «عناصر مأجورة، تتلقّى تمويلاً من جهات خارجية، تدّعي المقاومة، وتحمل هدفاً يتقاطع مع الهدف الإسرائيلي في تقويض السلطة الفلسطينية ونشر الفوضى والاقتتال الداخلي، في محاولة لاستنساخ النموذجيْن السوري واليمني في الأراضي الفلسطينية».
وفي السياق، أكّدت مصادر مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار» أن عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، يشعرون بقدر كبير من الحرج من جرّاء تنفيذ عمليات مطاردة واعتقال لعناصر المقاومة، الذين يحظون في المقابل باحترام الشارع، مضيفةً أن أولئك العناصر نقلوا أخيراً إلى قيادة تلك الأجهزة عدّة شكاوى من انطباعات عائلاتهم عن أدوارهم في مساندة الاحتلال، واستهداف المقاومين. ومن هنا، تكشف المصادر أن «قيادات الأجهزة الأمنية قرّرت إطلاق حملة إعلامية مضادة، تهدف من خلالها إلى تشويه صورة المقاومين، واتهامهم بالارتهان للأجندة الخارجية، وحتى التلويح بالجانب المذهبي، بسبب دعم إيران وحزب الله الواضح للمقاومة»، مشيرةً إلى أن «الأجهزة نفسها أوعزت إلى الصحف الرسمية والمجموعات العسكرية التابعة لحركة «فتح»، بنشر بيانات مصوّرة ومقالات مكتوبة، تدافع فيها عن نشاط الأجهزة الأمنية، وتشوّه عمل خلايا المقاومة». وإلى جانب ذلك، «عملت الأجهزة الأمنية على شراء ذمم مجموعة من الصحافيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في غزة والضفة الغربية المحتلة»، وفق المصادر التي أفادت بأن «الأجهزة الأمنية دفعت مبالغ كبيرة لصحافيين من غزة والضفة، مقابل الامتناع عن نشر أيّ أخبار تسيء إلى الأجهزة الأمنية، وتكشف دورها في ملاحقة المقاومين واعتقالهم».
التطبيق العملي للحملة الإعلامية، كان بدأ خلال الأسبوع الجاري، لكن على شاكلةٍ أحدثت موجة من السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ نشرت منصات إعلامية تابعة لحركة «فتح» تسجيلاً مصوّراً، ظهر فيه عدد من المسلحين، وهم يقرأون بياناً أعلنوا فيه «الاستنفار الحقيقي في مجموعات كتائب شهداء الأقصى، للتصدّي للمسلحين المدعومين من إيران، الذين يعتدون على مقرات الأجهزة الأمنية، ويحاولون نشر الفتنة المذهبية، واستنساخ النموذجيْن السوري واليمني في الأراضي الفلسطينية». على أن التطبيق «الاحترافي» للتوجيه الداخلي، كان من نصيب صحيفة «الحياة الجديدة» التابعة للسلطة، إذ نشر رئيس تحريرها، محمود أبو الهيجاء، أول من أمس، مقالاً رئيساً حمل عنوان «أجل إنه الدم الحرام»، وصف فيه خلايا المقاومة الفلسطينية بـ«الجهاد الإسلاموي».
وقال أبو الهيجاء، في السطور الأولى من مقاله، إن المسلحين «غير مدركين، ولعلّهم غير مصدّقين أن قوات الأمن الوطني بوسعها أن تغلق ملفاتهم في سعيها لوضع حدّ لفلتانهم وتعدّيهم على مقراتها، بأقل من أربع وعشرين ساعة»، مستدركاً بالقول: «غير أنها تتقي الله في عباده، وتؤمن، وتقرّ، وتسلم أن مكانة المسلم، عند الله تعالى، وحرمة ماله، ودمه، أعظم من حرمة الكعبة.
هذه واحدة، أما الأخرى، فلا ترى قوات الأمن الوطني في هؤلاء المسلحين في حالهم الميليشيوي، أعداء تجب محاربتهم بالرصاص، ودمهم حرام في عقيدتها». من خلال هذا الحديث، رأت الصحيفة أن تعالج مشكلتها مع خلايا المقاومة، من زاوية التشكيك في نواياها وتطلعاتها، معتبرةً أن بنادق «كتيبة جنين»، التي تجنّد إسرائيل في سبيل اجتثاثها ثلثي جيشها، تحمل طابعاً «تآمرياً، استعراضياً» وليس أكثر من ذلك، وأن الدماء التي تُدفع في طريق المقاومة «دماءٌ حرام» بعيداً عن كل أهدافها الوطنية. ورغم أن الأجهزة الأمنية حملت راية ملاحقة المقاومين عقب انتهاء معركة «بأس جنين»، واعتقلت عدداً كبيراً من مقاومي «كتيبة جبع»، حصر أبو الهيجاء المشكلة في قيام بعض المسلحين بإطلاق النار على مقرات الأجهزة الأمنية، للمطالبة بإخلاء سبيل المعتقلين المطلوبين للاحتلال، مؤكداً، في ما يشبه القفز عن الواقع، أن الأجهزة الأمنية ستعمل «بضبط النفس، والعضّ على الجرح، على تسوية أوضاعهم بالحسنى القانونية».
في مقابل ذلك، يرى الباحث السياسي، مجد ضرغام، أن الذراع الإعلامية التابعة للسلطة، تخوض معركة خاسرة، إذ إن الشارع لا يمكن له أن يساوي بين من ينسّق مع الاحتلال ويلاحق المقاومين ويعتقلهم، ومن يحمل السلاح للتصدّي للاجتياحات الإسرائيلية.
ويتابع ضرغام، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «عورة السلطة أكبر من أن تسترها حملة تشويه إعلامي، ولا يمكن لأحد أن يقلب الحقائق، وللشهداء قداسة كبيرة في وعي الشارع، ولن تنطلي محاولة التشويه، على أصغر طفل في الضفة الغربية المحتلة».
وأكد أن «الطريق إلى تلقّي احترام الشارع يمرّ فقط من مواجهة عربدة المستوطنين، ومقاومة الاحتلال، وما دون ذلك، ترّهات وقفز في الظلام».