في ظل اشتداد الهجمة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، مع دخول موسم الأعياد اليهودية، وتعالي الأصوات المقدسية، والمناشدات الإعلامية بضرورة التحشيد العربي والإسلامي للدفاع عن المسجد الأقصى، وحمايته من التهويد المتصاعد، ومحاولات الأحزاب والمنظمات الصهيونية فرض التقسيم المكاني والزماني في باحات المسجد الأقصى، في خطوة تمهيدية لهدم المسجد وبناء معبد يهودي، تتوارد الأنباء الصحفية بقرب توصّل المملكة العربية السعودية التي تحظى بمكانة رمزية رفيعة على صعيد العالمين العربي والإسلامي إلى اتفاق سلام يُنهي حالة القطيعة السياسية مع كيان الاحتلال.
ورغم قناعة الكثيرين بأن المملكة تقيم علاقات سرية مع كيان الاحتلال منذ سنوات طويلة، وأن اتفاقيات التطبيع مع البحرين والامارات تمت بمباركة سعودية، وأن المملكة استقبلت سابقًا العديد من المسؤولين والوفود الإسرائيلية، ومن بينها وفود رسمية برئاسة بنيامين نتنياهو بحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، وقناة "الجزيرة" الفضائية بتاريخ 23/11/2020م، إلا أن استقبال المملكة العلني قبل أيام لوفد إسرائيلي رسمي برئاسة وزير السياحة الإٍسرائيلي حاييم كاتس بذريعة مشاركته في فعالية أممية تابعة لمنظمة السياحة العالمية يؤكد أن المملكة ماضية في توقيع اتفاقية سلام مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
ربما تدرك القيادة السعودية جيدًا المكاسب السياسية التي سيجنيها بنيامين نتنياهو جراء توقيع حكومته اليمينية اتفاقية سلام مع المملكة في ظل عنف المستوطنين المتصاعد ضد الفلسطينيين، وسياسات التهويد المتصاعدة في مدينة القدس، وتصاعد إجراءات تهويد المسجد الأقصى، وهدم العقارات والمنازل ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وتصاعد المخططات الاستيطانية، والاعتقالات العشوائية، وجرائم الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين، والتي أسفرت منذ بداية العام 2023 إلى استشهاد 252 فلسطيني بدم بارد.
من ناحية أخرى فإن الاهتمام الكبير الذي يُبديه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للترويج الإعلامي بقرب التطبيع الإسرائيلي مع السعودية، وإيحائه بأن التطبيع مع المملكة بات قاب قوسين أو أدنى، يأتي ضمن محاولات نتنياهو للقفز على أزماته الداخلية، وحالة الانقسام السياسي والمجتمعي الحاد الذي يعيشه الكيان، وتهشّم نظرية الردع لدى جيش الاحتلال، وظهور بعض إرهاصات التفكك المجتمعي في الكيان في ظل تواصل المظاهرات المعارضة لحكومة نتنياهو اليمينية للأسبوع الثامن والثلاثين على التوالي دون أفق سياسي واضح، وسط تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية وفشل جيش الاحتلال في إنهاء الحالة الثورية المتصاعدة في الضفة المحتلة.
خطة نتنياهو المعلنة لإقامة علاقات تطبيعية مع السعودية والتي أفصح عنها خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 78، حين عرض خارطة للشرق الأوسط الجديد "وفق رؤيته المتطرفة"، والتي تُظهر "إٍسرائيل" تحتل كامل الأراضي الفلسطينية غربي نهر الأردن، دون وجود لأي دولة فلسطينية على الخارطة، يؤكد بأن مساعي نتنياهو تهدف إلى إقناع المملكة بتوقيع اتفاق سلام يقضي بطمس القضية الفلسطينية، وتجاوز الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، والإذعان بتهويد القدس، وإقامة معبد يهودي مكان المسجد الأقصى المبارك.
واليوم وبعد المقابلة الصحفية التي أجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية قبل أيام، والتي أعلن خلالها بأن المملكة السعودية " تحقق تقدمًا" باتجاه التطبيع مع "إٍسرائيل"، وأنها "تقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل"، وأن رؤيته السياسية تقوم على "دمج إسرائيل في الشرق الأوسط"، نفهم تمامًا بأن القيادة السعودية ماضية في توقيع اتفاق سلام مع حكومة نتنياهو المتطرفة، وأن محاولات حكومة نتنياهو تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى لن يدفعها للتراجع عن هذا المسار، وأن المبادرة السعودية التي لطالما تمسكت بها قيادة المملكة ربما لم يعد لها مكان في ظل إجراءات الاحتلال التهويدية على الأرض الفلسطينية.
يبدو بأن الرؤية السعودية للتطبيع مع الاحتلال والتنازل عن القضية الفلسطينية بات ثمنها واضحًا وفق ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حول المباحثات التي تُجريها الإدارة الأمريكية مع السعودية حول توقيع اتفاق سلام إسرائيلي سعودية، والتي ذكرت خلالها بأن العائق أمام إعلان هذا الاتفاق ليس هو القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، بل الاشتراطات السعودية التي تتعلق بالموافقة الأمريكية على تخصيب اليورانيوم فوق الأراضي السعودية، وإقامة عسكري بين المملكة والولايات المتحدة، وتزويدها بأسلحة نوعية، وهي اشتراطات تواجه رفضًا إسرائيليًّا مبطنًا، وتحديًّا أمام إقرارها عبر الكونغرس الأمريكي.
واليوم تسعى قيادة المملكة لإقناع قيادة السلطة الفلسطينية بعدم معارضة توقيع اتفاق سلام سعودي إسرائيلي، وهذا ما تؤكده الخطوة السعودية الإيجابية تجاه السلطة الفلسطينية، بوصول وفد سعودي بقيادة السفير السعودي غير المقيم لدى السلطة الفلسطينية نايف السديري إلى رام الله، في زيارة سعودية هي الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاقية أوسلو قبل ثلاثة عقود، ولقائه عدد من مسؤولي السلطة الفلسطينية، في محاولات سعودية لتعزيز العلاقات السياسية مع السلطة الفلسطينية عبر استئناف الدعم السعودي المالي لقيادة السلطة في رام الله.
ختامًا فإننا نؤمن كفلسطينيين بأن توقيع اتفاق سلام بين المملكة السعودية وحكومة نتنياهو حال حدوثه إنما يمثل طعنة غادرة للقضية الفلسطينية، وإذعان واضح بتهويد مدينة القدس، والقبول بمخططات الاحتلال السيطرة على المسجد الأقصى، لكننا في المقابل نؤمن بأننا أصحاب الأرض، ونمتلك كل الحقوق للدفاع عن قدسنا وأرضنا، وتقديم كل التضحيات للدفاع عنها في مواجهة الاحتلال مهما بلغت التضحيات، ولن نلتف لنكوص البعض أو تخاذلهم عن الدفاع عن عروبة القدس، ونصرة القضية الفلسطينية العادلة، وحماية المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من مخططات التهويد المتصاعدة.