مع الضوء الأول من فجر يوم السبت الموافق 7 أكتوبر من العام 2023م، بدأت كتائب القسام –الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس- ومعها بعض فصائل المقاومة الفلسطينية عمليتها باتجاه مستوطنات الغلاف القريبة من غزة من خلال اقتحام الآلاف من عناصرها برا وبحرا وجوا لإحدى عشرة مغتصبة على الأقل تحت غطاء صاروخي كثيف في العملية التي أطلق عليها القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف "طوفان الأقصى". هذه العملية التي هدفت بوضوح إلى تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين عبر أسر العشرات من جنرالات الجيش الإسرائيلي وجنوده. وقد نجحت القوات المقاتلة من تحقيق أهدافها بكفاءة كبيرة رغم المعيقات والتحديات الميدانية.
هذا النجاح الباهر والذي جاوز الحدّ لم يكن ليتحقق لولا السرية العالية التي تمتعت بها أطر صنع القرار لدى قيادة كتائب القسام والتي خططت وأعدت وتجهزت على مدار شهور من خلال تدريب عناصرها على سيناريوهات تحاكي عملية الاقتحام، ومن ثم اتخذت القرار الحاسم في اللحظة المناسبة. كما عكس ذلك في الوقت نفسه الفشل الأمني والاستخباري الذريع في المنظومة الإسرائيلية في صراع الأدمغة المتواصل منذ سنوات وعدم القدرة على تحصيل المعلومات الكفيلة بإجهاض المحاولات التي تمثل خطرا على الكيان الصهيوني.
كذلك فإنّ السلوك السياسي الذي أبدته حركة حماس منذ شهور والذي استطاعت من خلاله توصيل رسالة وهمية مضللة لقادة الكيان مفادها أنها غير معنيّة بالدخول في أي معركة مع الكيان الصهيوني وقد ظهر ذلك جليا في عدم مشاركتها الفعلية في التصعيد الأخير الذي طال قيادات في سرايا القدس، بل والتركيز بشكل أكبر على تأمين المتطلبات المعيشية اليومية للمواطنين في غزة من خلال الحديث المستمر عن موضوع الرواتب والسماح بزيادة الأعداد للعاملين في الداخل المحتل.
ما سبق جعل قيادة الجيش الإسرائيلي تنفذ مناوراتها العسكرية في النقب المحتل بنفس الطريقة التي اعتادت عليها في حروبها السابقة في حين كانت دوائر الإعداد والتدريب في كتائب القسام تعدّ عناصرها بطريقة مختلفة على خطط الاقتحام وحرب المدن وتكتيك القتال من بيت إلى بيت والالتحام في نقطة صفر، وهو ما لم يكن سيناريو افتراضيا وإنما إعدادا حقيقيا ترجم في الميدان لفعل حقيقي مذهل ليقول باختصار أنّ الجيوش تنفذ بامتياز ما تدربت عليه وهو ما ظهر في الأداء المنظم والكفاءة القتالية العالية والتي شهد لها الخبراء العسكريون خلال استضافتهم في الفضائيات المختلفة.
هذه المفاجأة التي نزلت على قيادة الكيان كالصاعقة جعلها تبدو بشكل واضح مأزومة وفي وضع لا تحسد عليه، مما يفتح باب التوقعات لردّ صعب يطال المدنيين والبنية التحتية الحكومية والحركية. لكن وفي تقديري، ستنتهي هذه الجولة عاجلا في حال ازداد الضغط السياسي والعسكري على الكيان عبر فتح جبهات قتال أخرى في الشمال، في الضفة وكذلك الداخل المحتل، أو آجلا حال سير الأمور بشكلها الحالي والذي قد يستغرق أسابيع ولكن المختلف هنا فيما سيترتب على هذه الجولة هو التغيير في قواعد اللعبة حيث سيجلس المفاوض الفلسطيني وفي حوزته الكثير من أوراق القوة وعلى رأسها العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين والذين يمكن من خلالهم التفاوض على تبييض السجون دون استثناء لأيّ من الأسرى، إضافة إلى بعض الاشتراطات المتعلقة بالقدس والمسجد الأقصى، وكذلك إعادة الإعمار وتحسين الظروف المعيشية للغزيين.
أوراق القوة هذه ستقلل هذه المرة من أهمية الوسيط الذي كان يمثل وفي كل المرات السابقة خاصرة ضعيفة تقوّض ما يتم إنجازه في الميدان. وستبقى ظروف الميدان اللاعب الأساسي في الساعات القادمة التي ستحدد معالم المرحلة المقبلة ومدى القدرة على تغيير قواعد اللعبة.
طوفان الأقصى وتغيير قواعد اللعبة
د. إياد إبراهيم شقورة