منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني في غزة، ألمح الاحتلال إمكانية تنفيذ عملية عسكرية برية في القطاع، بعد استدعاء الجيش لجنود الاحتياط والبالغ عددهم أكثر من ثلاثمائة ألف مقاتل، للاستعداد عمليًا للدخول في غمار المعركة، بالرغم من تقديرات الجيش الصهيوني الذي أكد أن تداعيات العملية البرية ستشكل تحديًا استراتيجًا للكيان، بعد تزايد القدرات العسكرية للمقاومة والتي تحصّن القطاع وتمتلك قدرة هائلة لتدمير بنية الجيش على حدود غزة؛ وفي هذا الإطار ظهرت العديد من المعطيات..
1. بعد تعرض الجيش لضربة مباغتة وصادمة وناسفة، انكشفت الكثير من الخلافات في صفوف الجيش والحكومة الصهيونية حول فشل المنظومة الأمنية الصهيونية التي لم تستطع تقدير موقف المقاومة التي قررت اقتحام غلاف غزة، والإجهاز على مئات الجنود واختطاف العشرات منهم.
2. حالة التخبط التي تسود المستويات الأمنية والسياسية حول مدى نجاعة القوات الجوية الصهيونية في الوصول إلى البنية العسكرية للمقاومة، وبالتالي هناك تقديرات أمنية صهيونية تدعم مواصلة العمل الجوي والتركيز على خنق الحاضنة الشعبية الداعمة للمقاومة من خلال المذابح التي يتم تنفيذها بحق مئات العائلات وإبادتها بالكامل.
3. تدعم المنظومة الأمنية الصهيونية سيناريو شطب ملامح الانتصار الذي حققته المقاومة في الساعات الأولى، وبالتالي فإن الاجراءات التي تتضمن هذا السيناريو هي تعزيز استعراض الجيش لقدراته العسكرية، تحديدًا القدرة الجوية لضرب العوامل النفسية للشعب الفلسطيني.
4. لا تزال الإدارة الأمريكية تبدي مخاوفها من توسيع العدوان الصهيوني لما له من تداعيات حول علاقة الكيان بالأطراف العربية على المستويين القريب والبعيد، وتأثير العدوان على مكانة الولايات المتحدة التي باتت مصالحها مُهدَّدة في منطقة الشرق الأوسط.
أما على الجانب العملياتي للجيش، فقد انعكست نتائج الساعات الأولى من معركة طوفان الأقصى على الحالة البنيوية والنفسية للجيش الصهيوني، بعد تدمير المواقع العسكرية للجيش في غلاف غزة، وسقوط الغلاف وفرقة الجيش في أقل من نصف ساعة، وهو ما كشف عنه قادة في المنظومة الأمنية الصهيونية الذين أكدوا تعرض الكيان لضربة استراتيجية تاريخية، في حين أن قدرات الجيش النفسية باتت تتأثر بشكل كبير، وبحاجة لمزيد من الوقت لاستعادة التوازن في صفوف الجيش بعد فقدانه لأكثر من ألفي قتيل وآلاف الجرحى في صفوف الجيش والمستوطنين، وانهيار كامل للمنظومة الأمنية.
وبالرغم من الدعم الأمريكي للعدوان في غزة، إلا أن الخلافات السياسية لا تزال تراوح مكانها، سيما أن سلوك حكومة اليمين لا يزال يؤثر على الواقع الصهيوني وحكومة الطواريء، وفي هذا السياق هناك العديد من قادة الجيش طالبوا بمواصلة العدوان بوتيرة ثابته دون الانجرار لمواجهة شاملة، سيما أن حزب الله قد بدأ يناور بشكل مركز على الجبهة الشمالية ويدفع نحو مشاغلة الجيش والانجرار لمواجهة ستقود الاقليم إلى صراع كبير وملحمة تاريخية عظمى، وهو ما حذرت منه سابقًا المنظومة الأمنية الصهيونية.
إذًا نحن أمام سيناريوهان، سيعتمد كل منهما على تقدير الموقف بشكل دقيق للخروج من المعركة بأقل فاتورة من الدماء، وأكبر انجاز عملياتي لحفظ ماء الوجه وترميم الردع، وهما:
أولاً: مواصلة العدوان من خلال توسيع الاستهدافات الجوية التي تطال بيوت المدنيين، للضغط على المقاومة لتسليم الجنود والمستوطنين المختطفين، وممارسة الضغط النفسي الذي يستهدف الحاضنة الشعبية ضمن محاولات الشرخ بين المقاومة وحاضنتها الشعبية.
2. تنفيذ عملية برية محدودة على أطراف القطاع، يشارك بها آلاف جنود وضباط جيش الاحتياط الذي يمر بخلافات واسعة مع حكومة الاحتلال على اثر التعديلات القضائية، وغياب الجيش عن التدريبية الأسبوعية بعد تعليق الخدمة العسكرية في العديد من وحدات الجيش، وبالتالي تبقى فرص تحقيق انجاز كبير للجيش من خلال العملية البرية ضعيفة للغاية.
وفي هذا الإطار لا تزال تسيطر العوامل النفسية على سلوك الجيش الذي يوغل في دماء المدنيين، وبالتالي لا يمكن أن يحقق الجيش أي عامل من عوامل استعادة الردع في كلا السيناريوهان.