كشف المرصد الأور ومتوسطي لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، عن تعمد الجيش الإسرائيلي قتل مدنيين فلسطينيين، بمن فيهم صحافيون، خلال محاولتهم التقاط بث الاتصالات والإنترنت للتواصل مع ذويهم أو جهات عملهم، من خلال الاستهداف المباشر بالقنص وإطلاق النار من طائرات مسيرة في مختلف مناطق قطاع غزة.
وقال المرصد الحقوقي، في تقرير صحافي، أنه وثق خلال أقل من أسبوع مقتل ما لا يقل عن 7 مدنيين في محافظة شمال غزة، بعد استهدافهم بشكل مباشر من طائرات مسيرة لجيش الاحتلال بمنطقة "البشير" في "تل الزعتر" بمخيم جباليا، خلال محاولتهم الاتصال بشبكة الإنترنت للاطمئنان على ذويهم وأقاربهم.
ودمرت "إسرائيل" بشكل منهجي عبر استهدافات من طيرانها الحربي محطات الإرسال الهوائي لشبكات الهاتف المحمول على أسطح المنازل والمباني، ومقاسم الاتصالات للشبكة الأرضية الوحيدة في قطاع غزة، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات والإنترنت عن غالبية قطاع غزة في معظم الأوقات.
نتيجة تدمير القوات الإسرائيلية محطات إرسال شبكات الهاتف المحمول ومقاسم الاتصالات، يلجأ المدنيون الفلسطينيون إلى أماكن مرتفعة في محاولة لالتقاط إشارة اتصالات لشبكات بديلة لتشغيل الإنترنت على بطاقات إلكترونية.
وبحسب التقرير، وتتركز الاستهدافات الإسرائيلية، للمدنيين خلال محاولتهم التقاط إشارة الاتصالات والإنترنت تركز على المناطق المحاصرة، والتي تشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعرقل التغطية الصحافية للانتهاكات ويحول دون قدرة السكان على نقلها.
وأشار الأورومتوسطي إلى إنه وثق عدة عمليات قصف نفذتها طائرات مسيّرة إسرائيلية وعمليات إطلاق نار من طائرات "كواد كابتر" استهدفت مدنيين على مدرج ملعب "اليرموك" في مدينة غزة خلال محاولتهم التقاط إشارة بث الإنترنت ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم.
شهادات صادمة
يروي المواطن "وليد غالب أبو الفحم" (34 عامًا) للأورومتوسطي تفاصيل مقتل شقيقه "محمد غالب أبو الفحم" (32 عامًا) وصديقيه "باسم حسن الكحلوت" (33 عامًا) و"يوسف أبو فايد" (35 عامًا)، بتاريخ 29 كانون أول/ديسمبر 2023، وجميعهم من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من منطقة "تل الزعتر" ومحيط مستشفى "العودة"، قائلًا: "ذهبت بصحبة شقيقي محمد وأصدقائي باسم ويوسف إلى منطقة تل الزعتر للحصول على الإنترنت والاتصالات وهي مقطوعة منذ نهاية شهر أكتوبر.
ورغم انسحاب الاحتلال بالكامل من تل الزعتر قبل ذهابنا بيومين، إلا أننا لم نسلم من القصف الجوي. اقتربنا من محيط مستشفى العودة وكنا ننظر لهواتفنا بعدما جاءت إشارة الانترنت، وفجأة صاروخ من طائرة دون طيار سقط مباشرة علينا. كنت أتقدم خطوات قليلة عن أخي محمد وصديقينا باسم ويوسف، نظرت خلفي وإذا بهم ممددين على الأرض، تعرضت وقتها لإصابة في ذراعي.
وجدت أن أخي محمد وصديقي يوسف قد قتلا على الفور، في حين كان صديقي باسم في حالة خطيرة وسرعان ما توفي بعد ساعتين تقريبًا. كنا نحاول مراسلة أصدقائنا وأهلنا حيث نزح بعضنا إلى جنوب قطاع غزة. كنا متشوقون للاتصال والاطمئنان على أهلنا ولكن صاروخ الاحتلال الإسرائيلي كان أسرع ليحرمني من شقيقي وأصدقائي. فمنذ نهاية أكتوبر وحتى منتصف فبراير لم تعد الاتصالات، وما زلنا مقطوعين عن العالم الخارجي"
وفي شهادته للأورومتوسطي، يروي المواطن "عمر عودة ولايدة" (42 عامًا) من حي "تل الزعتر" شمالي قطاع غزة، تفاصيل مقتل جاره "يوسف أسعد أبو رواع" (23 عامًا)، و "عزات أبو عودة" النازح من مدينة بيت حانون بتاريخ 4 شباط/فبراير 2024، وإصابة "علي جهاد عبد العزيز أبو رواع" (23 عامًا) قائلًا: "خرجت أنا ويوسف إلى منطقة البشير بحي تل الزعتر وهو قريب من المنطقة التي نقطن بها للوصول إلى نقطة انترنت. المعروف أن هذه المنطقة مرتفعة ويمكن من التواجد بها الحصول على إنترنت من شركات إسرائيلية، في ظل تعمد إسرائيل قطع الانترنت والاتصالات عن كامل قطاع غزة. يوسف ذهب ليتحدث مع أمه واثنين من أخوته الذين علقوا بالضفة الغربية بعد إغلاق المعابر. كان الوقت ظهرًا، وكان يوسف يتحدث مع والدته ليطمئنها عن شقيقه الجريح رامي الذين يتعالج حاليًا بمستشفى الشفاء، وهو المعيل الوحيد له بعدما نزح والده إلى دير البلح في نوفمبر. فجأة ودون سابق إنذار، قصفت مدفعية الاحتلال مباشرة تجاهنا، لم نفهم ما يحدث، تفقدت نفسي فكنت بخير ولكني وجدت دمارًا ودماءً من حولي، لأجد يوسف وآخرين مضرجين بدمائهم وهواتفهم التي كانت معهم ملقاة على بعد أمتار منهم. كان يوسف ما يزال على قيد الحياة ولكن في وضع صحي صعب جدًا، وسرعان ما فارق الحياة." وأضاف: "لم يجد يوسف من عائلته الصغيرة من يدفنه، فشقيقه رامي مصاب ووالده اضطر للنزوح ووالدته وشقيقاه عالقان بالضفة الغربية، لتتولى عائلته وأصدقائه المهمة."
وروى المواطن الستيني "محمود محمد أبو صقر" للأورمتوسطي تفاصيل مقتل ابن شقيقه "حسام أكرم أبو صقر" (25 عامًا) وصديقه "عامر خميس عوض" (25 عامًا)، في حي "تل الزعتر" شمال غزة، قائلًا: "ذهب ابن شقيقي حسام لمنطقة البشير في حي تل الزعتر وهي منطقة مرتفعة يمكن منها الحصول على إنترنت. حسام ذهب للتواصل مع شقيقه بتاريخ 9 فبراير، والذي لم يتبق له سواه بعد مقتل والديه وخمسة من أشقائه في شهر ديسمبر شمالي غزة. جلس حسام وصديقه عامر للتحدث عبر الإنترنت، ولكن سرعان ما قصفتهم الطائرات. ذهبت مسرعًا لمكان القصف القريب من منزلنا، فنحن نسكن في تل الزعتر ومنطقة البشير قريبة من مكان تواجدي، ولكن تم نقلهما سريعًا إلى مستشفى العودة القريب من المكان. وبسبب انقطاع الاتصالات، لم أستطع ايصال خبر مقتل ابن شقيقي إلى أخوتي وأقربائي الذين نزحوا جنوب قطاع غزة."
منذ السابع من أكتوبر 2023 قطعت "إسرائيل" الاتصالات والإنترنت بشكل كامل عن القطاع ما لا يقل عن 10 مرات، كان غالبيتها بالتزامن أو قبيل تصعيد في الهجوم، كما دمرت البنى التحتية المشغلة لشبكات الاتصالات بشكل شبه كامل.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن عمليات القتل المتعمدة وغير القانونية والإعدامات خارج نطاق القانون والقضاء، سواء بالتصفية المباشرة أو القنص وإطلاق النار التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين تنتهك حقهم في الحياة، وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتعتبر من الانتهاكات الجسيمة وفقًا لاتفاقيات جنيف، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا لنظام رما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كجرائم قائمة بحد ذاتها، وتشكل ركنًا من أركان جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.