لم يتورع جنود الاحتلال يومًا في حربه "الوحشية" عن استهداف المدنيين وارتكاب جرائم "الإبادة الجماعية" بحقهم، ولا زالت ترتكب "إسرائيل" المجازر "السادية" بحق القطاع الفلسطيني الأكثر اكتظاظًا بالعالم، دون اكتراث أو مراعاة للقوانين الدولية والأعراف، وأبرز دليلاً سيظل عالقًا في أذهان البشرية ما حصل في مجمع "الشفاء" الطبي الأكبر في مدينة غزة، من تفاصيل "مفزعةً" عن القتل وحرق الجثث ودفن المرضى وهم أحياءٍ، وفق ما أدلى شهود عيانٍ نجوا بـ "أعجوبة" من أكبر المذابح في الذاكرة الفلسطينية.
وفي شهادتها، تقول المواطنة نفين شيخة التي تقطن في أحد المباني السكنية من الناحية الغربية لمشفى الشفاء الطبي، أن العدو الصهيوني فاجأهم كما غيرهم بالقذائف والصواريخ وإطلاق النار فجر الاثنين 18/3/2023م واقتحامه لمستشفى الشفاء وحصاره ومحيطه.
نفين شيخة (29 عامًا) تقطن في أحد المباني السكنية من الناحية الغربية لمشفى الشفاء الطبي، فاجأهم العدو الصهيوني كما غيرهم بالقذائف والصواريخ وإطلاق النار فجر الاثنين 18/3/2023م واقتحامه لمستشفى الشفاء وحصاره ومحيطه.
تقول المواطنة شيخة لـ "الرسالة نت"، أنها وعائلة زوجها والجيران وبعد حصار استمر 6 أيام متواصلة قرروا الخروج من المنزل، وأضافت وهي تستذكر صعوبة تلك اللحظات: "كان الخوف والرعب هو المسيطر علينا في تلك الأيام رغم فقداننا للطعام والشراب، فقد كانت الجرافات تدور في الشوارع وتجرفها والدبابات تسير من خلفها تطلق رصاصها باتجاه زجاج الشبابيك وقذائفها في كل مكان، فضلا عن قنابل الصوت".
فرحة لم تكتمل
وتستذكر المواطنة شيخة لحظة خروجهم من المنزل بابتسامة حزينة، قائلة: "الساعة الثانية ظهرًا، حملنا حقائبنا والراية البيضاء في أيدينا والفرحة تملأ قلوب الأطفال اللذين ارتدوا أجمل الثياب، فكانوا يشعرون وكأنهم في عيد، أو أنهم سيخرجون في رحلة ترفيهية، من الخوف والرعب الذي عايشوه".
وتضيف: "ما أن خرجنا من باب المنزل ووصلنا إلى مفترق الولادة وإذا بالدبابة تلقي بقذائفها ورصاصها اتجاهنا مباشرة ما أدى إلى استشهاد طفلين من العائلة على الفور وإصابة طفلي الصغير في بطنه".
وأكدت أنهم نجوا بأعجوبة: "فبعدما احتمينا بالأرض، زحفنا إلى بركس بجانبنا وطلبت من طفلي المصاب أن يأتي فلم يستطع، عدت وسحبته من رأسه وبقينا في المكان لآخر ساعات والقذائف والرصاص يتساقط حولنا، فقررنا اختراق جدار المكان والتوجه عبره إلى منزل كنا نظن أنه سيكون آمن".
وتواصل شيخة روايتها: "خرقنا جدر المنازل حتى وصلنا إلى عمارة بها ما يقارب من ثمانين شخص ما بين نساء وأطفال، وما وصلت حتى قمت بإسعاف طفلي وإيقاف النزيف عبر وضع الشاش مع لاصق وبقينا على ذلك لمدة يومين متتاليين في رعب وخوف، فالجرافات حولنا لا تنفك عن التجريف، والطائرات المسيرة "الكواد كابتر" تطلق رصاصاها عبر النوافذ".
مجزرة مروعة
وأوضحت المواطنة شيخة أن عناية الله هي من أنقذتها، مردفةً: "فجأة وقلوبنا تلهج بالدعاء وألسنتنا بالشهادة وفي تمام الساعة الرابعة عصرًا إذ بصاروخ لم يبقي شيئًا في مكانه، فالحجارة تساقطت وبعض الأعمدة طارت من مكانها والغبار الأسود انتشر في المكان، ونظرا لجلوسي بجانب سلم المنزل استطعت الخروج بأبنائي حافية القدمين برفقة عشرة آخرين تاركين خلفنا الكثير من الشهداء والجرحى اللذين يطلبون المساعدة ولا يستطيعون الخروج لتساقط الردم على أجسادهم".
وتابعت شيخة طريقها متخذة من جدران المنازل ساترًا لها من القذائف والصواريخ التي لم تتوقف في ذلك المكان، وهي تحمل طفلها المصاب متجهة إلى شارع أبو حصيرة ومنه إلى معسكر الشاطئ، حيث أقلتها عربة تجرها دراجة نارية أو ما يعرف ب"التكتك" واتجهت بها ومن معها إلى مشفى المعمداني.
شهداء ومصابين في الشوارع
وأوضحت أنه وبعد الفحص تبين أنه بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة في البطن ويجب تحويله إلى مستشفى كمال عدوان، وقالت: "كنت في حالة انهيار كاملة ولا أقوى على الحركة، ولم أستطع مرافقة طفلي في الإسعاف ولكن طفلي استمر بالبكاء ولم يتم إدخاله العملية حتى لحقت به".
وبينت أنه وبعد إجراء العملية وعمل اللازم تبين أن الشظية أدت إلى تمزق في الأمعاء والنزف لمدة يومين أدى إلى انسدادها، و"لذلك هو ممنوع من الطعام أو الشراب منذ ما يقارب من 5 أيام".
ووصفت المواطنة شيخة الشوارع المحيطة بمستشفى الشفاء بالدمار الشامل "يملؤها الشهداء والمصابين اللذين يطلبون المساعدة ولا مجيب، فلم أقوى على إنقاذ أي منهم من شدة أطلاق النار سواء من القناصة أو الدبابة أو الطائرات المسيرة".