شكّلت الجامعات في الولايات المتحدة ميدانًا رئيسيًا للنقاش والتحركات على خلفية الحرب والأزمة الانسانية الكارثية في قطاع غزة، خصوصًا في ظل الدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة لحليفتها "إسرائيل".
وأوقفت الشرطة الأميركية، اليوم الإثنين، 47 طالبًا على الأقل خلال وقفات تضامن مع الفلسطينيين بجامعة "ييل" الأميركية، فيما ألغت جامعة كولومبيا المحاضرات المباشرة داخل الفصول الجامعية، اليوم الإثنين، واندلعت مظاهرات جديدة في حرم جامعي أميركي آخر مع استمرار تصاعد التوترات بشأن الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.
واحتشد المتظاهرون طوال عطلة نهاية الأسبوع في حرم جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، حيث اعتقلت الشرطة الأسبوع الماضي أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين، أقاموا اعتصاما.
ومنذ تلك الاعتقالات، اعتصم متظاهرون مؤيدون في جامعات أخرى في جميع أنحاء البلاد، ومنها جامعة "ميشيغان" ومعهد "ماساتشوستس"، للتكنولوجيا وجامعة "ييل"، حيث تم اعتقال عشرات المتظاهرين، اليوم الإثنين، بعدما قال المسؤولون إنهم تحدوا تحذيرات تطالبهم بالمغادرة.
بدورها، قالت جامعة "ييل"، في بيان، إنها طلبت مرارًا وتكرارا الطلاب المتظاهرين مغادرة ساحة الجامعة، وحذرت من احتمال توقيفهم، أو مواجهة تأديب جامعي، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.ووفقا للجامعة، أوقفت الشرطة الأميركية 47 طالبا، اليوم الإثنين.
وأضاف البيان أن "الطلاب الموقوفين يمكن أن يخضعوا للتأديب من قبل جامعة ييل نفسها، الأمر الذي قد يفرض عليهم تعليق الدراسة".
ميدانًا رئيسيًا للفت الأنظار حول غزة
وأشارت الجامعة إلى أن "الإجراءات ضد الطلاب جاءت بسبب رفضهم مغادرة ساحتها (خلال وقفات تضامن مع فلسطين)، ما هدد أمن مجتمع ’ييل’ بأكمله، وأعاق الوصول إلى مرافق الجامعة".
والجمعة، أوقفت السلطات الأميركية أكثر من 100 طالب خلال احتجاج نظموه في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك بعد أن سمحت رئيستها نعمت مينوش لشرطة نيويورك بإخلاء مخيم أقامه طلاب للاحتجاج على الحرب الإسرائيلية في غزة.
ونصب طلاب الخيم داخل حرم الجامعة الواقعة في مدينة نيويورك والمرتبطة ببرنامج تبادل مع جامعة تل أبيب، مطالبين بمقاطعة كل النشاطات المتعلقة بإسرائيل، في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وقوبلت النشاطات الداعمة للفلسطينيين في جامعات عدة، خصوصا المرموقة منها مثل "هارفارد" وكولومبيا، بتحذيرات من تنامي التحركات المعادية للسامية، لاسيما وأن العديد من الجامعات الكبرى في البلاد تعتمد بشكل رئيسي على دعم مالي من منظمات ومتمّولين من اليهود.
ونقلت شبكة "سي أن أن" الأميركية عن حاخام مرتبط بإحدى المجموعات الطالبية لليهود المتشددين في كولومبيا أنه أوصى "بشدة" الطلاب اليهود، بعدم التوجه إلى حرم الجامعة.
وأشارت إلى أن الحاخام قال في رسالة موجّهة إلى نحو 300 طالب، إن الأحداث الأخيرة "أظهرت بوضوح أن قسم السلامة العامة في كولومبيا وشرطة نيويورك غير قادرين على ضمان أمن الطلاب اليهود".
"الدعم الأمريكي والانتخابات زادا من جرأة المنظمات الداعمة للفلسطينيين"
وبلغ التوتر مستوى مرتفعًا في الجامعة الخميس الماضي، مع توقيف 108 من الطلاب المحتجين، بعدما طلبت رئيسة الجامعة نعمت شفيق تدخّل الشرطة لتفريق جموع المحتجين، متهمة إياهم بمخالفة قواعد السلامة والأمن داخل الحرم الجامعي.
وقال رئيس دوريات شرطة نيويورك جون شيل للصحافيين، إن "الطلاب الذين تمّ توقيفهم كانوا سلميّين ولم يقاوموا (الشرطة) بأي شكل من الأشكال، وكرروا أنهم يريدون إبقاء الوضع سلميا".
وأكد عدم وقوع "حوادث" خلال الاحتجاج، مشيرا إلى أن مجموعة أخرى تجمعت وبدأت بإطلاق إهانات لأفراد الشرطة.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن ابنة النائب الديمقراطية إلهان عمر هي من الطلاب الذين تم توقيفهم، وصدر أمر استدعاء لهم للمثول أمام المحكمة.
وكانت للتحركات المرتبطة بالحرب في غزة، انعكاسات على الجامعات الأميركية. فبعد جلسة استماع ساخنة في الكونغرس، استقالت رئيسة جامعة بنسلفانيا إليزابيث ماغيل، ثم نظيرتها في جامعة هارفارد كلودين جاي، في كانون الأول/ ديسمبر، وكانون الثاني/ يناير على التوالي.
وكانت الأحداث، التي جرت في ثلاث مدن مختلفة واتسعت لاحقاً لغيرها، بمثابة علامة جديدة على أن المناقشات الشرسة حول الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية التي تجتاح الجامعات والشركات الأمريكية وانتخابات عام 2024 موجودة لتبقى وتتسع كلما استمرت إدارة بايدن بدعم "إسرائيل".
ودعا الفرع الوطني لمنظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين "SJP" جميع الفروع إلى اتباع خطى جامعة كولومبيا، والضغط على إداراتها لسحب استثماراتها من دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ تضامناً مع أهالي قطاع غزة. المنظمة طالبت في منشور عبر حساباتها بمنصات التواصل الاجتماعي، إلى تعزيز الحراك الطلابي في الجامعات كافة، وقالت إنه "اختيار الجامعات للربح والسمعة على حساب حياة شعب فلسطين وإرادة طلابه".
وأعدت المنظمة إضرابات ووقفات احتجاجية؛ رفضاً لاعتقال الطلبة المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، ودعما لغزة في العديد من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك جامعة براون في رود آيلاند، وجامعة ميامي، وجامعة ولاية أوهايو، وجامعة برينستون في نيوجيرسي، وجامعة نورث وسترن في إلينوي، وجامعتي مدينة نيويورك وولاية نيفادا.
في السياق٬ تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن تحول واشنطن السريع في الأيام الأخيرة نحو المزيد من الدعم المالي والعسكري لإسرائيل لم يؤد إلا إلى زيادة جرأة وقوة الدعوات بين الجماعات المؤيدة للفلسطينيين للنزول إلى الشوارع سعياً لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار وتعليق المساعدات الأمريكية لإسرائيل.
وقال أشيش براشار، أحد الناشطين ضد إسرائيل والذي كان مستشاراً لتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق: "إن السبب وراء رؤية المزيد من الاحتجاجات هو أنهم لا يستمعون إلينا". وأضاف براشار لصحيفة "وول ستريت جورنال": "إن الحركة الاحتجاجية تتجه نحو المزيد من الإجراءات المباشرة، وهي تتفاعل مع المواطنين أنفسهم، وفي كل مكان يرون أن التأثير على صانع القرار يحدث فيه".
من المتوقع أن تشتد الحملات الاحتجاجية مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية. ويخطط المنظمون المؤيدون للفلسطينيين لتنظيم احتجاجات حاشدة في شيكاغو خارج المؤتمر الوطني الديمقراطي في أغسطس/آب القادم، حيث سيعلن الحزب الديمقراطي رسمياً عن مرشحه الرئاسي لعام 2024.
وأصدرت الجماعات المؤيدة للفلسطينيين أيضاً رسالة من الصحفيين الفلسطينيين تحث وسائل الإعلام على مقاطعة العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض المقرر عقده يوم السبت المقبل، مشيرة إلى "تواطؤ إدارة بايدن المستمر في المذبحة المنهجية والاضطهاد للصحفيين في غزة". ومن المتوقع تنظيم مظاهرات حول فندق هيلتون واشنطن، حيث من المقرر أن يقام حفل العشاء الذي يشارك فيه الرئيس عادة في الشواء إلى جانب الصحافة التي تغطي أخباره.