مع مرور 200 يوم على الحرب على غزة، تناولت صحف عالمية معاناة الفلسطينين جرّاء حرب "الإبادة الجماعية" الإسرائيلية المتواصلة على القطاع بدعمٍ أمريكي وغربي، وأجمعت على "فشل" حكومة الاحتلال في تحقيق أهدافها الاستراتيجية على المستوى العسكري والسياسي، أمام احتفاظ حركة المقاومة الإسلامية حماس بالقدرة والمرونة والدعم الشعبّي.
قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن "إسرائيل" فشلت في تحقيق هدفيها المزعومين من الحرب، وهما إطلاق المحتجزين والقضاء على حماس، في حين أدَّت معاناة الفلسطينيين إلى تآكل الدعم حتى وسط حلفائها.
وأضافت الصحيفة الأمريكية، أن تكلفة الحرب وتكتيكات الجيش الإسرائيلي كانت باهظة؛ فأعداد الضحايا المدنيين الفلسطينيين كبيرة جدًّا وانتشر الجوع على نطاق واسع في غزة، لافتة إلى أن السؤال عما حقّقته إسرائيل ومتى يمكن أن تنهي حربها على غزة وكيف، يخلق توترات عالمية.
وتنقل عن مسؤولين وخبراء أن حماس لا تزال تتمتَّع بالقدرة والمرونة والتمويل والدعم رغم كل الدمار والخسائر في الأرواح، ومن المرجحِ أن تظلّ في غزة عندما تنتهي الحرب.
حكومة حرب معدومة الثقة
وفي صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، توقّف مارك هينري عند الانقسام الحاصل داخل الحكومة الإسرائيلية، مشيرًا إلى أنّ الحرب على غزة تدار من قبل حكومة حرب مكوّنة من ثلاثة يواجهون بعضهم وسط انعدام للثقة بينهم.
وبينما أشار إلى أن حكومة الحرب الإسرائيلية شكلت بضغط من الرأي العام ووسائل الإعلام بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أضاف أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت والوزير بيني غانتس مختلفون في كل القضايا، سواء في القضايا المتعلقة بالعمليات العسكرية أو بالمفاوضات بشأن إطلاق المحتجزين، وحتى بشأن العلاقات مع الحليف الأميركي، ومن دون وجود خطّة لديهم لما بعد الحرب.
ويقول أحد الدبلوماسيين للصحيفة، إنَّ أقلَّ ما يمكن قوله هو أنَّ الجيش الإسرائيلي يتلقى أوامر من رئيس وزراء لا يتّفق معه وزير الأمن.
وينقل الكاتب عن محللين أنّه بينما السؤال المطروح هو متى سينتهي هذا التحالُف التكتيكي البحت، فإن المعضلة التي يواجهها بيني غانتس هي تحديد الوقت المناسب للاستقالة ودخول السباق على السلطة في مواجهة نتنياهو.
وفي إطار الكارثة الإنسانية في غزة، تناول هوارد دبليو فرنش في مجلة "فورين بولسي" الأميركية تجاهل العالم مأساة غزة، مشدّدًا على أن التوتُّر بين طهران و"تل أبيب" يجب ألا يصرف العالم عن المعاناة الهائلة التي تلاحق الفلسطينيين في غزة وشبحِ المجاعة الّذي يخيم عليهم.
وانتقد الكاتب صمت وسائل الإعلام الدَّولية، وقال إنّها لم تفعل سوى القليل لشرح كيف تمكن أهالي غزة من تأمين طعامهم، بينما كانت "إسرائيل" تفرض قيودًا شديدة على إيصال المساعدات.
وأضاف أنّ العالم تخطّى حتى الصدمة اللحظية التي أبداها عقب قتل الجيش الإسرائيلي سبعة من عمال المطبخ المركزيّ العالمي.
غزة تكشف المأزق الإستراتيجي لنتنياهو
وفي مجلة "نوفيل أوبس" الفرنسية يقول الكاتب بيير آسكي إن انتهاء جولة التوتر بين "إسرائيل" وإيران أعاد إلى الواجهة حرب غزة واستمرار الرعب فيها.
ويجزم الكاتب أن عودة غزة إلى الواجهة تكشف المأزق الإستراتيجي الذي يتخبط فيه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو جراء الضغوط الداخلية عليه وما سماه "افتقار البلاد إلى خطة واضحة للخروج من هذا الصراع أو لما بعده".
بدوره، يرى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هاريل أن استقالة رئيس شعبة المخابرات العسكرية الإسرائيلية أهارون حاليفا على خلفية 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت ضرورية.
ويشير هاريل إلى أن استقالة حاليفا سيتردد صداها في جميع أنحاء النظام الإسرائيلي الذي سيضطر إلى استخلاص الاستنتاجات نفسها التي توصل إليها المسؤول العسكري.
ويعتقد أن هذا الأمر سيحدث فور انتهاء التحقيق الداخلي الذي يجريه الجيش الإسرائيلي وربما قبل ذلك، خصوصًا بعد الهدوء النسبي في القتال بغزة، إلى جانب الشعور المبرر لدى الجمهور بأن الحرب على الجبهات كافة وصلت إلى طريق مسدود وأدت إلى تعقيدات إستراتيجية.
أما موقع "أوريون 21" الفرنسي فقد نشر تحقيقًا من "إسرائيل" يكشف تذمر "الإسرائيليين" وخوفهم من المجهول بسبب الحرب على غزة، مستندًا إلى شهادات العديد من الإسرائيليين الذين هاجر بعضهم إلى "إسرائيل" حديثًا وأبدوا عزما على العودة من حيث أتوا.
ويلفت التحقيق إلى أن عبارة "بلد لا يستحق العيش فيه" تكررت كثيرًا على لسانهم، في حين تحدث دبلوماسي أوروبي عن ارتفاع ملحوظ في طلبات الحصول على جوازات سفر تلقتها السفارات الأوروبية في "إسرائيل".
من جانبه، يقول الكاتب جوليان برغر في صحيفة "غارديان" البريطانية إن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) "تذكير لإسرائيل بالتزاماتها تجاه الفلسطينيين باعتبارها قوة احتلال، وبالتالي هي بالنسبة لبعض "الإسرائيليين" عدو يجب القضاء عليه بغض النظر عن التكلفة في أرواح الفلسطينيين".
وجاء تعليق برغر تعليقًا على التحقيق الدولي الذي نفى وجود أدلة على ضلوع موظفين في الأونروا بهجوم "طوفان الأقصى".
وفي سياق ذي صلة، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن الاحتجاجات الحالية داخل الجامعات الأميركية بدأت تكتسب قوة أكبر بعدما اندلعت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمعدلات متفاوتة.
ورأت أن الخيارات المتاحة أمام المسؤولين الذين يتعاملون معها تتضاءل بسرعة، مؤكدة أن المظاهرات ستستمر في بعض الجامعات حتى نهاية العام الدراسي.
الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الشفاء
وفي صحيفةِ "لوموند" الفرنسية، استعرضت كلوثيلد مرافكو شهادات بعض أهالي غزة عن تدمير "إسرائيل" مجمَّع الشفاء أكبر مستشفى في القطاع، مشيرة إلى اكتشاف مقبرتين جماعيتين.
وتقول إحدى الممرضات التي كانت محاصرة في المستشفى إنَّ الجيش الإسرائيلي اعتقل 35 شخصًا من بين 50 شخصًا كانوا يقدمون الرعاية الطبية، وأنَّ من ضمن الموظفين الـ15 الذين بقوا في المستشفى، أخرج الجنود أربعة انتظروهم حتى ابتعدوا وأطلقوا النار عليهم.
بدوره يروي طه مرزوق الذي كان يعمل في قسم الأشعة أنَّ الجيش الإسرائيلي احتجزه لمدّة يومين بملابسه الداخلية وهو معصوب العينين، وأنّه تعرض للضرب المبرح على أيدي الجنود الذين اعتدوا على المرضى أيضًا.
ونقلت الكاتبة أن الطلقات النارية كانت مرئية على بعض الجثامين التي عثر عليها، وتشير إلى تنفيذ الجيش الإسرائيلي عمليات إعدام، بينما كانت جثامين أخرى ممزقة إلى أشلاء.
ورأت أن تدمير مستشفى الشفاء، قلب النظام الصحي في القطاع الذي تدرّبت فيه أجيال من الأطباء، يزيد من طمس مستقبل غزة.