الكاتب الفلسطيني خالد بركات عضو الهيئة التنفيذية لـ حركة المسار الثوري البديل
الانتفاضة الطلابية في الجامعات الأمريكية تُعبّرعن مرحلة جديدة أحدثها طوفان الأقصى وصنعتها تضحيات شعبنا
تُشكل الانتفاضة الطلابية في جامعات الولايات المتحدة الحدث الأهم والأبرز في القارة منذ عقود، على الأقل منذ عام 1968 وحركة الطلبة والعمال والمثقفين والفنانين ضد الحرب في فيتنام، والثورة الطلابية في فرنسا وفي العديد بلدان المركز الامبريالي، وما أطلق في حينه عن مقولة "اليسار الثوري الجديد" غير أن هذه المرة جاءت الانتفاضة الطلابية في أمريكا من بوابة غزة المحاصرة، ومن رحم القضية الفلسطينية العادلة، وبفعل صمود شعبنا في القطاع، والشرارة الثورية الحارقة التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية الباسلة فجر السابع من أكتوبر التي ستغير العالم
الانتفاضة الطلابية في جامعات الولايات المتحدة ظاهرة ثورية ومرشحة للامتداد والتواصل، وتسبب الرعب في أوساط الحركة الصهيونية والطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، لذلك يجري محاولة قمعها وتعمل الأجهزة السياسية والأمنية من اجل اجهاضها قبل ان تتسع وتمتد إلى مئات الجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية. وهناك محاولة لمنع امتدادها إلى كندا وأوروبا وأستراليا وغيرها، فهذه البلدان هي القوى الراعية للمشروع الصهيوني في فلسطين وبدون رعايتها لا يمكن أن يبقى الكيان الصهيوني، بل سينهار في فترة قياسية
هذا الحراك الطلابي يشارك فيه الطلبة من تيارات وقوى متعددة، تعبر عن قوى اجتماعية وجيل جديد، كما تعكس واقع حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني بمختلف مكوناتها ومدارسها، وهناك وعي جذري لدى الشباب والطلبة بضرورة نسج علاقات وثيقة بين الجامعات وبين الهيئات التدريسية والنقابات العمالية وحركات التحرر وخاصة حركة تحرر السود وطلبة فلسطين والطلبة العرب والمسلمين والقوى اليهودية التقدمية المناهضة للصهيونية والعنصرية والابادة الجماعية
وفشلت الحركة الصهيونية في تصوير الحراك الطلابي في الجامعات الامريكية بوصفه "معاد للسامية" ومؤيد "لحماس والارهاب" وتفوده قوى خارجية" هذه سخافة صهيونية رعناء والأمر يذكر بفشل إعلام نظام بن علي في تونس وحسني مبارك في تصوير الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية بانها "من صناعة أجندات خارجية"!
خطاب الأرعن نتنياهو ودعوته الى قمع الحركة الطلابية في الجامعات الامريكية صب الزيت على النار وجعل الطلبة أكثر حزما وثقة بخطوتهم واصرارهم على وقف العدوان الصهيوني على غزة، ويرى الطلبة في هذا الموقف الصهيوني تدخلا سافرا في حرية التعبير والتنظيم ومحاولة لسرقة وشطب حقوق الطلبة والمواطنين الأمريكيين عموما كما يفعل العدو مع طلاب فلسطين. وكشف عن العلاقة الوثيقة بين النظام الأمريكي ومستعمرته الاستيطانية في فلسطين المحتلة
هناك وعي لدى الطلبة والجيل الجديد في إبقاء بؤرة التركيز على ما يجري من عدوان صهيوني اجرامي على شعبنا، وان ما يحدث في الجامعة ليس مجرد خلافا بين الطلبة وإدارة الجامعات، بل الأصل فيه وقف العدوان ومحاسبة من يتورط في الاستثمار في شركات ومؤسسات تدعم حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على شعبنا في غزة، على شاشات التلفزة وامام عيون العالم.
بيان وموقف الأطر الطلابية الفلسطينية في قطاع غزة ودعم الحركة الطلابية في جامعات أمريكا شكّل خطوة مهمة ومؤثرة، قطعت الطريق على الاعلام الصهيوني من جهة، وحفزّت الطلبة من اجل الاستمرار في نضالهم والربط بين حقوقهم الطبيعية وبين نضال الطلبة والمقاومة في فلسطين والمنطقة العربية من جهة أخرى. فالمعركة من وجهة نظر الطلبة هي معركة واحدة في مواجهة النظام الصهيوني ومن يرعاه
الحركة الطلابية في الولايات المتحدة تدافع عن حقوق الطلبة والشعب الأمريكي وليس فقط حقوق الفلسطينيين، وهذه هي الأرضية التي يجب على أساسها فهم ما يجري. فلا يريد الطلبة او المواطنين في الولايات المتحدة ان تذهب أموالهم الى دعم الكيان الصهيوني وحربه ضد الفلسطينيين وشعوب المنطقة. المال الذي تقدمه الولايات المتحدة للعدو الصهيوني يأتي من جيب دافعي الضرائب وهذا يضع "جو بايدن" وادارته والحركة الصهيونية وحلفائها امام أزمة سياسية واخلاقية وقانونية. كما ان المواطنين في الولايات المتحدة وخاصة الفقراء والطلبة والعمال أحق بتلك الأموال بدل توظيفها في الحروب وفي خدمة الصناعات العسكرية والحروب
ما يجري في الولايات المتحدة سيطرح أسئلة سياسية وثقافية كثيرة، تتوالد وتكبر مع الزمن وتشير إلى طبيعة النظام الرأسمالي العنصري المتوحش وأزماته وتناقضاته الداخلية، وتكشف ما يسمى "النظام الليبرالي الديمقراطي" كما تعبر عن ضرورة ولادة نظام دولي جديد لا تهيمن عليه أمريكا، فهناك عالم متعدد الأقطاب سيولد رغم انف الجميع وقد كشفت ملامح ظهوره معركة طوفان الأقصى المجيدة والخالدة
مشهد التضامن العالمي مع غزة يعني ان معركة طوفان الأقصى انتقلت من غزة إلى المنطقة كلها، وصولا إلى العالم. فالمقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية باتت تشكل اليوم الخطوط الأولى المتقدمة في مواجهة النظام الاستعماري والصهيونية والعنصرية والأنظمة الفاسدة والبالية، وأصبح للمقاومة حاضنة شعبية أممية كبرى شعارها الناظم: فلسطين ستحرر من النهر إلى البحر