يرى محللون أن إعلان حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنها ستتعامل بروح إيجابية مع المفاوضات يعود إلى إجبارها الاحتلال على تقديم بعض التنازلات من خلال الضغط الميداني والصمود الأسطوري لمقاتليها والشعب غزّة، مقابل ظهور ملامح الهزيمة ومؤشرات أولية لخسارة إسرائيل الحرب على غزة، واستحالة تحقيق "النصر المطلق" الذي وعد به رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بحسب محللين إسرائيليين.
ويقول الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، إن حماس أجبرت الاحتلال على تقديم الكثير من التنازلات بسبب ضغطها القوي في الميدان وصمودها الذي فاق كل التوقعات طوال قرابة 7 أشهر، لذلك فهي تتعامل بروح إيجابية مع المفاوضات.
وأوضح -في فقرة التحليل السياسي على شاشة الجزيرة- أن حماس تعلم جيدا أن مقترحات المفاوضات يمكن أن تفضي إلى هدنة مؤقتة ربما لمدة 4 أو 6 أسابيع، ولكنها لا تؤدي إلى وقف الحرب لأن نص الاتفاق المطروح لا يتضمن وقفا لإطلاق النار.
وتوقع زياد أن تجعل حماس من هذا الاتفاق المطروح نقطة انطلاق إيجابية، مشيرًا إلى أن هناك 3 نقاط أساسية تقوي موقف حماس، وهي فشل العدو ميدانيًا وأن فاتورة الدم الفلسطيني قد دفعت ولا يمكن تهديده بالمزيد من القتل، إضافة إلى أن البيئة الإقليمية المتشكلة أصبحت في صالح المقاومة.
وأضاف أن إعلان جماعة أنصار الله (الحوثيين) عن المرحلة الرابعة في التصعيد العسكري مثلت دفعة جديدة للمقاومة، بينما على النقيض أصبح المجتمع الإسرائيلي يتفكك تدريجيًا، وانفض المجتمع الدولي والإقليمي عن إسرائيل.
وأكد أن قائد (حماس) داخل قطاع غزة يحيى السنوار يريد صفقة تنهي الحرب ولا يريد صفقة تمنح الاحتلال مرحلة أولى يسترد فيها جنوده وأسراه ثم يستأنف عملياته العسكرية في غزة.
وأوضح أن السنوار أثبت بالدليل القاطع طيلة الأشهر السبعة الماضية أنه يلعب إستراتيجيا بأوراق القوة القليلة المتوفرة لديه أفضل من إسرائيل وأميركا ودول المنطقة جميعها.
كرة النيران تتدحرج تحت أقدام "نتنياهو"
على الجانب الثاني، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن صحفيين قولهم إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يصدر بيانات ضد إبرام صفقة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تحت غطاء مسؤول دبلوماسي.
وتجمع تقديرات عديدة على أن نتنياهو يعيش في مأزق في ظل اتساع دائرة الاحتجاجات المطالبة بإعادة المحتجزين، وعليه، قد يواصل أسلوب المماطلة الذي يعتمده لتصدير هذه الأزمة إلى الطرف الآخر وهو حركة حماس، ويلجأ إلى اجتياح رفح، من أجل إرضاء شركائه بالائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف والمستوطنين.
ويخشى نتنياهو، وفقا لقراءات المحللين، اتخاذ قرارات صعبة قد تقود إلى تفكك ائتلاف حكومته، فهو لا يقوم بمهامه كما يجب في إدارة شؤون البلاد خلال الحرب، بحسب ما يرى قادة الأجهزة الأمنية وشركاؤه في حكومة الطوارئ من تحالف "المعسكر الوطني"، الوزير بيني غانتس وعضو مجلس الحرب غادي آيزنكوت.
وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" إن صحفيين إسرائيليين "قرروا فضح نتنياهو ولعبته الرامية إلى عرقلة صفقة تبادل الأسرى". وبحسب الصحيفة، فإن تصريح نتنياهو تحت غطاء مسؤول مجهول لا يمثل وجهة نظر المجلس الوزاري.
"المختطف رقم 133"
كما واتهمت وسائل إعلام عبرية بالإضافة إلى نواب من المعارضة في الكنيست نتنياهو بمحاولة إفشال صفقة تبادل الأسرى مع حماس بعد تصريح لـ"مصدر سياسي" يؤكد إصرار "تل أبيب" على دخول رفح جنوبي قطاع غزة مع صفقة أو بدونها.
وقال القائد الأسبق للاستخبارات العسكرية عاموس يدلين للقناة الـ12 العبرية، إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو "المختطف رقم 133″، فهو رهينة بيد كل من وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير، وفق تعبيره.
ويعارض كل من بن غفير وسموتريتش إبرام صفقة تبادل للأسرى مع حماس ويهددان بالانسحاب من الحكومة إن تمت.
وفي مؤشر على زيادة الضغط الداخلي على الحكومة، أوضح الإعلامي الإسرائيلي المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية، يواف شطيرن، أن المظاهرات تتسع بالمدن الإسرائيلية بعد دعوة عائلات المحتجزين الجمهور للمشاركة معها في رفض سياسة حكومة نتنياهو المتعلقة بإمكانية التوصل إلى صفقة تبادل.
وعزا شطيرن، اتساع المظاهرات وتصاعد الاحتجاجات للقناعات التي ترسخت لدى جمهور واسع من الإسرائيليين، مفادها أن حكومة نتنياهو وشركاءه من المستوطنين لا يريدون صفقة، ويفضلون التضحية بالمحتجزين، واستمرار الحرب عبر توغل بري في رفح.
وأشار إلى أن عائلات المحتجزين كانت حذرة في بداية الاحتجاجات، ونأت بنفسها عن مطلب إنهاء الحرب ووقف القتال لكيلا تؤلب الجمهور الإسرائيلي عليها، لكن مع الوقت رفعت سقف مطالبها، ودعت الحكومة إلى إبرام صفقة تبادل حتى لو كان الثمن وقف إطلاق النار، وهو مؤشر لهزيمة نتنياهو الذي رفع شعار "النصر المطلق".
ولتجنب رسم مشاهد الهزيمة في العقلية الإسرائيلية، يقوّل شطيرن إن "حكومة نتنياهو تكابر وتركز على النهج المراوغ في ملف المختطفين بغض النظر عن اتساع دائرة الاحتجاجات، وسط التحول داخل حكومة الطوارئ وتعالي أصوات من غانتس وآيزنكوت، الداعية لوضع ملف المختطفين في سلم الأولويات".
ليس هذا وحسب، بل يشير شطيرن إلى انتقادات لحكومة نتنياهو من قبل قادة مختلف الأجهزة الأمنية التي تعارض الموقف الرافض لإبرام صفقة تبادل، "وتُسمع في الأروقة المغلقة انتقادات شديدة اللهجة على المماطلة بالمفاوضات والمراوغة بملف المختطفين، خصوصا أن غالبية الجمهور الإسرائيلي مع إبرام صفقة تبادل".
ولا يستبعد شطيرن أن يصدّر نتنياهو أزمة صفقة التبادل إلى حماس باجتياح رفح، حتى لو كان الثمن التضحية بالمحتجزين وقتلهم خلال العملية العسكرية، وهي الأزمة التي قد يكون لها تداعيات إقليمية ودولية من شأنها إدخال إسرائيل في عزلة، وذلك مقابل الحفاظ على ائتلاف حكومته ومصالحه السياسية الشخصية.
ورجح أنه في حال امتنع نتنياهو عن إبرام صفقة تضمن عودة المحتجزين، فإنه ليس من المستبعد أن تحتدم المظاهرات والاحتجاجات، ويتسع الحراك الإسرائيلي ليصل إلى الإضراب والصدام والمواجهة، وهو المشهد الذي يخشاه نتنياهو أيضا.
ملامح الهزيمة
ويرى الباحث في "مركز التقدم العربي للسياسات" والمختص بالشؤون الإسرائيلية، أمير مخول، أن اتساع المظاهرات بالمدن الإسرائيلية المطالبة بإعادة المختطفين بموجب صفقة، وتعالي الأصوات المطالبة بوقف الحرب، تعكس مؤشرات أن النصر المطلق الذي وعد به نتنياهو لم ولن يتحقق، وتظهر أكثر ملامح الهزيمة.
كما تتضح ملامح الهزيمة، وفق مخول، من خلال السجال في حكومة الطوارئ، وتباين المواقف بشأن صفقة التبادل، حيث يهدد غانتس وآيزنكوت بالانسحاب من الحكومة بحال لم يتم إعادة المحتجزين، فيما يهدد الوزيران إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، بتفكيك الائتلاف في حال أفضت الصفقة إلى وقف إطلاق النار.
ويقول مخول "في سبيل إرضاء أحزاب اليمين المتطرف والمستوطنين وتجنب تفكيك الائتلاف يدأب نتنياهو على توسيع صلاحيات بن غفير بجهاز الشرطة ومصلحة السجون، وسموتريتش في الضفة الغربية التي لها أولوية لدى الصهيونية الدينية عن قطاع غزة".
ويعتقد أن نتنياهو يواجه أزمة داخلية بظل اتساع المظاهرات والاحتجاجات، ويخشى أن تُفرض عليه الصفقة بسبب ضغوطات أميركية، وكذلك ضغوطات إقليمية تمارسها دول عربية وبمقدمتها مصر.
ورجح أنه في حال امتنع نتنياهو عن إبرام صفقة تضمن عودة المحتجزين، فإنه ليس من المستبعد أن تحتدم المظاهرات والاحتجاجات، ويتسع الحراك الإسرائيلي ليصل إلى الإضراب والصدام والمواجهة، وهو المشهد الذي يخشاه نتنياهو أيضا.