أثارت تصريحات عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس حول تهديده بالانسحاب من حكومة الحرب وتحديده مهلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للموافقة على خطة لما بعد الحرب على غزة، انتقادات حادة من نتنياهو ووزراء عدة في الائتلاف الحاكم، بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وحمل خطاب عضو مجلس الحرب الوزير بيني غانتس في طياته وجهات نظره السياسية والأمنية، حيث طالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوضع خطة إستراتيجية لسير الحرب واليوم التالي بحلول الثامن من يونيو/حزيران المقبل، لتحقيق أهداف: عودة المحتجزين وتقويض حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سياسيا وعسكريا عبر تجريد قطاع غزة من السلاح، وتحديد البديل لحكم القطاع.
واشترط غانتس -في الخطة الإستراتيجية أيضًا- إعادة سكان الشمال والبلدات الإسرائيلية الحدودية مع لبنان إلى منازلهم لحين بدء الدراسة في الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، والترويج للتطبيع، واعتماد مخطط مشروع التجنيد والخدمة المدنية.
وعلى وقع الخلافات والتراشق بالتصريحات، نقلت هيئة البث العبرية، عن مصدر في مجلس الحرب أن حل المجلس بات أقرب من أي وقت مضى.
المصدر قال إنه إذا جرت عملية واسعة في رفح دون موافقة ودعم أمريكيين ودون تحديد تفاصيل اليوم التالي، فإن أعضاء بمجلس الحرب سوف يدعون إلى حلّه، مضيفاً أن العلاقات بين أعضاء المجلس تزداد سوءاً بسبب عدم اتخاذ قرارات استراتيجية.كما كشف المصدر الإسرائيلي عن توتر داخل مجلس الحرب بسبب عدم اتخاذ قرارات بشأن اليوم التالي في غزة وعدم تحقيق تقدم في صفقة تبادل الأسرى.
قال مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، إن إسرائيل تشهد صراعًا على السلطة وليس صراعًا على البرامج السياسية بين قادتها وحكامها.
وأضاف البرغوثي، أن تصريحات الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس وشروطه الستة التي اقترحها على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للخروج من مأزق غزة، تعكس تفاقم الخلافات الداخلية في إسرائيل وحتى بين أعضاء مجلس حكومة الحرب.
وتابع “هذا التفاقم يعود إلى فشل إسرائيل في حربها على غزة، وعدم تحقيق الأهداف الأربعة المتمثلة في التطهير العرقي في القطاع، والقضاء على المقاومة، واستعادة الأسرى، والسيطرة على غزة عسكريا”.
ورأى الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية أن غانتس لا يختلف في تطرفه عن نتنياهو من خلال مقترحه حول كيف يجب أن تدار غزة في اليوم التالي.
وأضاف أن الصراع بين الرجلين عبر التصريحات الصحفية “يؤكد خلخلة البنيان الداخلي الإسرائيلي، وغياب الانسجام دخل مجلس الحرب”.
وقال “نحن أمام دعاية انتخابية وتقاذف للاتهامات بين الرجلين، لكن في الجوهر لا يوجد فرق بين الاثنين، لا في نظرتهما العنصرية ولا في تطرفهما الصهيوني ولا في علاقتهما مع الشعب الفلسطيني ومستقبله”.
وعلى الجانب الأخر، وبحسب تقديرات المحللين السياسيين، فإن تصريحات ومطالب غانتس يمكن لنتنياهو التعايش معها في حال كان معنيا باستمرار حكومة الطوارئ، وتتفق على أن الخطة الإستراتيجية المقترحة لا تشكل تهديدا بانهيار ائتلاف حكومة نتنياهو الأصلي الذي يعتمد على 64 من أعضاء الكنيست من أصل 120.
وترجح التحليلات أن تباين المواقف بين الأحزاب والقوى السياسية الإسرائيلية -بشأن أولويات الحرب وسير القتال- لن يتسبب بتقويض الائتلاف. بينما يجمع -في المقابل- على أن قانون تجنيد الحريديم وفشل حكومة نتنياهو في التوصل إلى تفاهمات تضمن إعفاء طلاب المدارس الدينية اليهودية من التجنيد بالجيش، سيؤدي ما سبق ذكره إلى تفكيك الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وتعكس تصريحات غانتس عجزه عن إسقاط حكومة نتنياهو، كما أنها تنم عن إجماع إسرائيلي باستبعاد أي حل سياسي لقضية فلسطين وغزة حصريا، حيث لم يطرح غانتس أي مبادرة جدية نحو تسوية الصراع مع الفلسطينيين ضمن مشروع سياسي واضح، بحسب المحللين السياسيين.
اختراق "مقدسات إسرائيل"
وفي قراءة لمعاني ودلالات مضمون تصريحات غانتس، قدرت محللة الشؤون السياسية بصحيفة "يديعوت أحرونوت" موران أزولاي أنها تهدف إلى إحداث تغييرات في سياسة نتنياهو بكل ما يتعلق بسير الحرب.
وأشارت أزولاي إلى أنه -وخلافا لتصريحات سابقة- بدا غانتس صارما وأكثر حزما، ويرجع ذلك أساسا إلى رسوخ قناعة بأن الاعتبارات السياسية لنتنياهو من وراء استمرار الحرب اخترقت "مقدسات" إسرائيل.
وأوضحت أن حقيقة مضمون تصريحات غانتس بأنه سيستقيل من حكومة الطوارئ بالقريب العاجل -في حال لم تتغير سياسة الحكومة في سير الحرب واليوم التالي وإدارة غزة بالمستقبل- هو أمر مثير للدهشة في حد ذاته. لكن "لا يزال هناك تهديد حقيقي يحوم حول استقرار حكومة نتنياهو، وهو قانون التجنيد".
وباستثناء البند السادس الذي يتطرق لقانون التجنيد، تقول أزولاي "لا يوجد في التصريحات والشروط التي حددها غانتس ما لا يستطيع نتنياهو التعايش معه. ولن يكون لدى رئيس الوزراء أي مشكلة في التصريح، على الأقل للصحافة، بأنه مهتم بتحقيق الأهداف الستة، وقد يحظى ذلك بترحيب بين غالبية أعضاء الائتلاف".
وتعتقد محللة الشؤون السياسية أن صياغة خطة تلبي مطالب غانتس -بطريقة أو بأخرى- أمر ليس معقدا للغاية.
فـ"من المؤكد أنه ستكون هناك عقبات في الطريق، لكن يمكن التقدير أنه إذا كان وجود غانتس بالحكومة لا يزال مهما لنتنياهو، فإنه سيعرف كيفية إيجاد طريقة لتلبية المطالب، بيد أن قانون التجنيد يبقى العقبة الوحيدة" تضيف أزولاي.
تصريحات ومناورات
تقدم مراسلة الشؤون الحزبية والبرلمانية في القناة 11 العبرية، يعراه شبيرا، القراءة ذاتها، بيد أنها تعتقد أن تصريحات غانتس تظهر نواياه للمستقبل القريب، والتي ستؤثر على النظام السياسي الإسرائيلي برمته، وأكدت أنه "ليس لدى نتنياهو القدرة على الموافقة بشكل كامل وفي غضون 3 أسابيع على الشروط التي طرحها غانتس لبقائه في الحكومة".
ويأتي تهديد غانتس بالاستقالة من الحكومة -بحسب شبيرا- "قبيل الدورة الصيفية للكنيست التي ستبدأ الأسبوع المقبل وتنتهي آخر يوليو/تموز المقبل، وهي قصيرة للغاية، وبعدها سيدخل الكنيست في عطلة مرة أخرى حيث لا يمكن خلالها التصويت بسهولة على حل الكنيست أو تشكيل حكومة جديدة".
وأضافت مراسلة الشؤون الحزبية أن استقالة غانتس لن تؤدي إلى حل الحكومة وإجراء الانتخابات، فلا يزال لدى نتنياهو 64 نائبا. لذلك، عندما صرح غانتس بأنه إذا لم يتم قبول شروطه فإنه سيسعى إلى تشكيل حكومة على أساس وحدة واسعة، كان يعني أنه سيحاول تحقيق ذلك بالكنيست الحالي، ولهذا يحتاج غانتس إلى وقت للمناورات السياسية خلال الدورة الصيفية".
وحيال ذلك، تعتقد شبيرا أن تهديدات غانتس بالاستقالة من الحكومة محاولة منه من أجل فتح مفاوضات جديدة مع نتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية متعلقة بالحرب وأبرزها إعادة "المحتجزين" كما أنها رسالة للرأي العام الإسرائيلي مفادها أنه اضطر للاستقالة من حكومة الطوارئ بعد أن استنفد كافة الإمكانيات، وبالتالي فهو بحاجة إلى ذريعة لتبرير انسحابه من حكومة الحرب لكيلا تتراجع شعبيته.
ضغوطات وسيناريوهات
من جانبه، يعتقد مراسل الشؤون السياسية بصحيفة "هآرتس" يهوناتان ليس أن مضمون تصريحات غانتس بمثابة نزول عن الشجرة، وتهدف إلى منحه ذريعة للانسحاب المتدرج من حكومة الطوارئ، لافتا إلى أن التقديرات للمسؤولين السياسيين بالخارطة الحزبية تتفق فيما بينها أن فرص موافقة نتنياهو على الشروط التي حددها غانتس منخفضة.
وعلى الرغم من ذلك، يرى مراسل الشؤون السياسية أن غانتس يأمل أن تكون شروطه، إلى جانب تصريحات وزير الأمن يوآف غالانت الرافضة لتشكيل حكم عسكري بالقطاع، ورقة ضغط على نتنياهو من أجل صياغة خطة سياسية بشأن اليوم التالي للحرب، والامتناع عن الاستقالة من حكومة الطوارئ.
وبحسب مراسل الشؤون السياسية، فإن غانتس يفضل سيناريو عدم الانسحاب من حكومة الطوارئ، لأنه في الوقت الحالي لا يملك القدرة على قيادة خطوة تفضي إلى حل الكنيست وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وبشأن مهلة غانتس، يقول مراسل الشؤون السياسية إن "المهلة تأتي كونه يعمل بالتنسيق مع غالانت للترويج لمخطط مشروع قانون تجنيد الحريديم، حيث إن ترك الحكومة في وقت مبكر من شأنه أن يضر بإمكانية المضي قدما في هذه الخطوة".