ترك بيته الكائن في منطقة خزاعة شرق خانيونس، وزوجته "أم أحمد"، وتوجه نحو مستشفى الشفاء بمدينة غزة منذ اليوم الأول لحرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة؛ بيتًا يصفه أبو أحمد "جنّة وفيلا ومزرعة مقابلها، مكان بردّ الروح"، وفق توصيفه.
في مستشفى الشفاء وسط مدينة غزة كان أبو أحمد عضو المكتب السياسي في الجبهة الديمقراطية ونائب مسؤولها في القطاع لسنوات طويلة، يسابق الزمن مع مراسلي ومحرري وكالات الأنباء، معلقًا على الأحداث الجارية.
كان يبيت بجوارهم في خيمة الصحفيين وسط ساحة الشفاء، رآه الصحفيون كثيرا وفي يده "الكانوينال"، التي لم تبرح يده لأيام طويلة، نتاج تدهور وسوء حالته الصحية، "لأيام طويلة منذ بداية الحرب كان يكتفي بنصف وجبة واحدة، وهو الرجل المعروف بأنه شره في التدخين"، وصف لشخص رافقه كاتب سطور التقرير لأيام طويلة حتى بداية الاقتحام الأول لقوات الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي.
فضلّ الرجل الذي ترك بيته، أن يستريح نهارًا في سيارته التي صفّها على بوابة مستشفى الشفاء الجنوبية، بجوار مكب النفايات من جهة، وبوابة ثلاجات الموتى من جهة أخرى، "لماذا لا ترتاح يا حج أبو أحمد؟ فيجيب: الراحة في هذا الزمان خيانة، الناس عندما تذبح فأنت أقل شيء تفعله كسياسي أن تفصح عن صور ذبحه والإرهاب الذي يمارس بحقه".
طلال أبو ظريفة لمع نجه في العمل السياسي كعضو قيادي في الجبهة الديمقراطية، تقلد فيها مناصب عدة ومسؤولية مراكز قرار مختلفة، قادته أدراجه في الدورة الأخيرة؛ ليكون عضوا ومتحدثا رسميا، وفي دورة سابقة كان نائبًا لمسؤولها في القطاع.
أبو ظريفة انتدب عن الجبهة لسنوات طويلة في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية، وكان ممثلا لها في عضوية الهيئة القيادية العليا لمسيرات العودة، كما شكّل أحد أهم الوجوه السياسية للجبهة ومعبرًا عن موقفها السياسي في عديد المحطات المفصلية التي شهدتها القضية في عقدها الأخير.
بقي أبو ظريفة يمارس دوره حتى قبل أستشهاده بأيام وأسابيع، فقد عبرّ عن الموقف الوطني تجاه رفض أي بدائل تفرض على شعبنا الفلسطيني، وشددّ كما كان يحرص دائما على وحدة المقاومة في الميدان والسياسة، وعبرّ أيضا عن رفض شعبنا لأي خيارات لا تنبع من إرادته الوطنية.
ذاك المواقف التي تمسك بها أبو ظريفة لسنوات طويلة، شكّل فيها صمام أمان للموقف السياسي داخل الجبهة وأيضا داخل منظمة التحرير، التي كان دائما يحرص أن يشير فيها لأهمية المقاومة الشاملة وضرورة العودة لميثاقها الأول، والتحلل الكامل عن أوسلو والتزاماته وما انبثق عنها، وضرورة الانسلاخ تمامًا من أي التزامات أمنية واقتصادية وغيرها من كوارث الاتفاق سيء الصيت.
وتقدم في التعبير عن الموقف السياسي أكثر، عندما انتقد رئيس السلطة محمود عباس وتفرده في القرار السياسي وزمرته الأمنية والسياسية، ورفض إجراءاتها ضد قطاع غزة التي استهدفت خلالها رواتب الموظفين وعوائل الشهداء والأسرى والجرحى، وعبرّ عن رفضه لسياسات التنسيق الأمني.
واشتكى أبو ظريفة مرارا من محاولات استهدافه جراء تعبيره عن الموقف السياسي الصريح تجاه فريق السلطة، وتعرض كذلك لاغراءات مقابل امتناعه التعبير عن هذه المواقف؛ لكنّه يقول "عشت كثيرا وأخذت من الدنيا أكثر مما تخيلت، أبنائي كبروا وسافروا وتعلموا، وأنا وأم أحمد مش مغلبين، والدنيا ما ظل فيها قد ما راحت".
ورحل أبو أحمد صباح اليوم الإثنين، بعد استهداف منزل تواجد فيه بمنطقة حي الصبرة، وقد رفض النزوح إلى جنوب القطاع حيث مقر سكنه، وتمسك بقائه في المنطقة الشمالية يعاني جوعها وحصارها كما بقية أبناء شعبه، وكما كان دائما يحب أن ينعت نفسه "انا بسموني شيخ الجبهة، وأنا أرتضي لنفسي أن أكون حمساويًا وجهاديًا وشعبيًا وكل فصيل فلسطيني أنا أعتبر نفسي جزء منه".