الرسالة نت – محمد العرابيد
يتواصل العدوان على قطاع غزة للشهر الثامن على التوالي، استخدم الاحتلال (الإسرائيلي) أشكال حرب الإبادة كافة ومن بينها الحرمان من الحصول على المياه، ضد المدنيين والعزل في القطاع، ما فاقم في معاناة الفلسطينيين.
إذ يصر الاحتلال على محاربة الفلسطينيين بالحصول على المياه الصالحة للشرب من خلال منع إدخال الوقود اللازم لتشغيل آبار المياه، كذلك منع إدخال قطع غيارات محطات المياه التي استهدفها الاحتلال بشكل مباشر ومتعمد منذ السابع من أكتوبر الماضي.
ومنذ عدوان الاحتلال على قطاع غزة، يعاني سكانها الأمرّين في توفير المياه الصالحة للشرب، والمستخدمة لأغراض التنظيف، جراء قطع إمدادات الكهرباء والمياه والوقود، واستهداف مرافق البنية التحتية الخاصة بالمياه والصرف الصحي.
شح المياه
وبعد اجتياح الاحتلال لمدينة رفح التي كانت تستضيف أكثر من مليون ونصف من السكان والنازحين، اططر الفلسطينيون للنزوح مجددًا إلى مواصي خانيونس والمناطق الساحلية لمدينة دير البلح والزوايدة وسط قطاع غزة.
إذ تعاني هذه المناطق من شح بالمياه الصالحة للشرب أو الاستخدام وذلك جراء تضرر محطات تحلية المياه أو الآبار التي تقوم بتوزيع المياه على الأحياء السكنية وأماكن نزوح الفلسطينيين.
ويضطر النازحون الفلسطينيون في مناطق مواصي خانيونس ووسط قطاع غزة، إلى قطع مسافات طويلة من أجل الحصول على المياه الصالحة للشرب، أو الوقوف لساعات في طوابير للحصول على المياه للاستخدام الأدمي.
"سلاح المياه"
أبو أسعد الذي يبلغ من العمر 60 عاماً، يقف في طابور مخصص للرجال وسط مخيم للنازحين يحتضن أكثر من 1500 أسرة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، من أجل الحصول على مياه صالحة للشرب، يقول: "إن الاحتلال لجأ إلى حرب المياه لكسر إرادة الفلسطينيين".
ويضيف أبو أسعد وهو من سكان الشاطئ غرب مدينة غزة، في حديث لـ"الرسالة" :"إن الحصول على المياه الصالحة للشرب هي من أصعب المهام لنا التي نواجها يوميًا ولم نكن نتخيل الوصول لهذه المرحلة".
ويقول المواطن الذي نزح لأكثر من 3 مرات بعد تركه منزله تحت قذائف الموت التي أطلقتها مدفعية الاحتلال على مخيم الشاطئ مع بداية التوغل العسكري: "أزمة المياه الصالحة للشرب باتت تضرب أماكن النزوح، فلم يعد بإمكان النازح شراء المياه، لعدم توفرها وشحها، وبتنا نخشى على أنفسنا من الوصول لمرحلة العطش".
وتابع "للحصول على مياه صالحة للشرب نضطر لقطع مسافات بعيدة من أجل الوصول إلى مصدر للمياه الصالحة للشرب، ونحصل عليها بكميات قليلة بالكاد تكفي الشخص".
ويختم المواطن أبو أسعد، :" نخرج منذ ساعات الصباح للبحث عن المياه خاصة مع ارتفاع درجات الحراة، لتوفيرها للأطفال والنساء في الخيام التي تشهد ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة".
وبسبب حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، تراجعت حصة الفرد من المياه بنسبة 97%، فيما يقدّر إجمالي المياه المتوفرة حاليا في غزة بنحو 10 إلى 20% من مجمل المياه المتاحة قبل العدوان، وهذه الكمية غير ثابتة وتخضع لتوفر الوقود، إذ يعتمد قطاع غزة بشكل أساسي على المياه المستخرجة من المصادر الجوفية، حسب تقرير لسلطة المياه الفلسطينية.
مياه غير صالحة
فيما يشكو الشاب محمد دلول الذي يبلغ من العمر 31 عامًا من أزمة المياه التي تواجه النازحين الفلسطينيين المهجرين قسرًا من رفح في منطقة خان يونس المدمرة وساحلها.
ويقول الشاب دلول وهو من سكان تل الهوا جنوب مدينة غزة، في حديث لـ"الرسالة" :" بعد نزوحنا الأخير من رفح، مكثنا في منقطة مواصي خانيونس، والمياه هنا شحيحة وعدد المواطنين في هذه المنطقة كبير جدا، حيث يضطر أغلب النازحين لشراء المياه الصالحة للشرب بسعر مرتفع نظرًا لعدم توفر المياه وتلوثها في أغلب الأوقات".
ويضيف الشاب وهو خريج جامعي من كلية الآداب من جامعة الأزهر في غزة، أثناء وقوفه في طابور طويل للحصول على مياه صالحة للشرب :" نتحمل هذه الوقفة من أجل الحصول على مياه صالحة للشرب لأطفالي، فهم عانوا خلال الأيام الماضية من أمراض جراء تناولهم مياه غير صالحة للشرب".
ويختم الشاب دلول حديثه :" بعد أن دمر الاحتلال مدينة خانيونس ولم يبق شي حتى مصادر المياه والآبار قام على استهدافها وتدميرها، وتجريف معظمها، فيما عمل كذلك على استهداف خطوط المياه الواصلة للمناطق الآمنة التي يزعم بوجودها".
نفتقر للوقود
رئيس بلدية دير البلح دياب الجرو، قال :" إن البلدية تعاني من نقص حاد في الوقود المخصص لتشغيل آبار المياه، وكذلك تشغيل محطة تحلية المياه الوحيدة وسط قطاع غزة".
وأضاف الجرو في حديث لـ"الرسالة نت"، :" النازحون يواجهون خطرا حقيقيا الآن لعدم توفر المياه الصالحة للشرب أو للاستخدام الأدمي، لعدم وجود الوقود اللازم لتشغيل محطات تحلية المياه والمضخات من الآبار، كذلك لتدمير الاحتلال عدد من آبار المياه وقصف الإمدادات، ورفضه إدخال قطع غيار".
وتابع :"البلدية اليوم تعاني من عجز كبير في الإمكانيات والمعدات وتقف عاجزة عن تقديم الخدمات لأكثر من نصف مليون نازح فلسطيني متواجد في المدينة".
وشدد رئيس بلدية دير البلح، :"على أن النازحين مقبلون على كارثة بيئية وصحية خطيرة جراء ثلوث المياه الجوفية وعدم تشغيل المضخات المخصص للصرف الصحي وتسربها للخزان الجوفي، وعدم القدرة على تشغيل آبار المياه خاصة ونحن على أعتاب فصل الصيف التي تزداد فيه حاجة الناس للمياه الصالحة للشرب والنظافة الشخصية".
المياه تحولت لسلاح فتاك
بدورها، ذكرت مجلة (إسرائيلية) أن (إسرائيل) منذ بداية الحرب خلقت أزمة صحية لا مثيل لها بحرمانها الفلسطينيين في غزة من المياه الصالحة للشرب، وهي توشك أن تتسبب في أضرار بيئية لا يمكن إصلاحها باستخدامها المياه كسلاح في إطار هجومها الحالي على قطاع غزة.
وقالت مجلة "972+" في تقرير بقلم نانسي موراي وأمل بشارة- بتحذير مقرر الأمم المتحدة الخاص بيدرو أروجو أغودو من أن (إسرائيل) "يجب أن تتوقف عن استخدام المياه كسلاح حرب".
وأكدت المجلة أن حرمان غزة من المياه الذي وصفته "بسلاح الدمار الشامل" كان تكتيكا أساسيا في الحرب منذ البداية، إذ أغلقت (إسرائيل) الأنابيب التي تغذي القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأعلن وزير الحرب "يوآف غالانت" "بفرض حصار كامل على غزة: لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود كل شيء مغلق نحن نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف على هذا الأساس".
وورد "استخدام المياه كسلاح" في اتهام جنوب أفريقيا لـ(إسرائيل) أمام محكمة العدل الدولية، كما ذكره باحثون آخرون وشخصيات حقوقية، وقد أشار إليه كريغ مخيبر، المدير السابق لمكتب نيويورك لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في خطاب استقالته.
وأشار التماس جنوب أفريقيا إلى أن ما حدث في غزة تكثيف لسياسات العنف القائمة منذ فترة طويلة ضد الشعب الفلسطيني، حيث كان الحرمان من المياه وتدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي جزءًا من الجهود (الإسرائيلية) في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، "لجعل عملية العيش اليومية والعيش الكريم، أكثر صعوبة بالنسبة للسكان المدنيين"، حسبما ذكرت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عام 2009.
حكم بالإعدام
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وهو منظمة مستقلة غير ربحية تنشط في جنيف، في بيان له: "مناطق مدينة غزة وشمال القطاع تواجه مأساة مروعة ناتجة عن الشح الكارثي في مصادر المياه الصالحة الشرب، ومنع وصولها، بما يمثل حكما بالإعدام الفعلي".
وأضاف المرصد: "العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها بشكل صادم بسبب قطع إمدادات المياه عن قطاع غزة والقصف (الإسرائيلي) المنهجي والمتعمد لآبار ومصادر المياه، إلى جانب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحويل وتوزيع المياه".
وحذر الأورومتوسطي من أن نقص مياه الشرب في قطاع غزة بات مسألة حياة أو موت، في وقت يجبر السكان على استخدام مياه غير نظيفة من الآبار، وهو ما ساهم في انتشار الأمراض المنقولة والمعدية، خاصة مع انقطاع الكهرباء الذي ساعد في نقص إمدادات المياه.