(هل أنت سوري؟)، أول سؤال يطرحه المواطن المصري على الغزي الموجود في مصر حال كان يستفسر عن حاجته في المحال التجارية أو الشارع– لتقارب اللهجتين السورية والفلسطينية-، لكن فور إخبارهم أنه "فلسطيني ومن غزة"، هنا يحدث العجب العجاب، حيث التضامن والمؤازرة الشديدة بخلاف ما يروج عبر وسائل الإعلام العربية.
لم يتوقع الغزي الذي تمكن من الخروج وقت الحرب ليصل إلى مصر، حجم الترحاب والتضامن الشعبي من المصريين، فيشعرون الغزاوي أنه بين أهله وعبارة "بالخدمة وتحت أمرك" أكثر ما تقال لمن نجا من الحرب وهي حقيقية وليست مجاملة.
ولا يخلو شارع في مصر من عبارة "تضامنًا مع غزة" أو "كلنا غزة" إلى جانب العلم الفلسطيني المطبوع على واجهات المحال التجارية والسيارات، حتى على ملابسهم يطبعون خريطة فلسطين أو يرتدون الكوفية والإكسسوارات التي تحمل كلمتي "فلسطين وغزة".
كيف يسند المصري أهل غزة؟
حجم التضامن الشعبي في مصر لا يقتصر على مساندة الناجين من الحرب بالمجاملات والترحاب، فالشعب فعليا في السيارة والميكروباص والمول والسوق الشعبي وكل الأماكن يبكون ويتمنون لو كانوا في غزة يحاربون (إسرائيل) ويساعدون الناس هناك.
تقول أم العبد وهي سيدة غزاوية خرجت برفقة أولادها إلى مصر دون زوجها إنها تتمسك بالشقة التي تسكنها رغم بعدها عن كثير من معارفها، وما يجعلها تبقى هو جارتها المصرية التي لم تتردد في طرق بابها وتقديم النصائح لها حول الأماكن التي يمكنها شراء ما تحتاجه بجودة وسعر مناسب.
وتحكي أم العبد لـ (الرسالة نت) بوجود الجارة المصرية لم أشعر بالغربة، فهي تأتي يوميا لتطمئن علي وتهدئ من روعي حال اشتد القصف وتحاول طمأنتي، موضحة أنها لم ترغب في البداية إخبار أحد أنها من غزة خوفا من قلق المحيطين لكن تفاجأت بحجم التعاطف والدعم الكبير.
أما المقاطعة فحدث ولا حرج، فعند الخروج من غزة يكون الناجي من الحرب وهو أصلا كان جائعا لشهور طويلة ويتمنى وأطفاله تناول أنواع معينة من الأطعمة والمشروبات، يصطدم بالمقاطعة، "فماكدونالدز وكنتاكي" التي يشاهد الصغار دعايتها على قنوات اليوتيوب ممنوعة، "والبيبسي والكولا والسنكرز والأوريو،.." مقاطعة، حتى الملابس ذات الماركة التجارية مقاطعة.
في قطاع غزة حيث عزل ساكنيه عن العالم بفعل قصف شبكات الاتصال والانترنت، بالكاد يعرف الغزاوي ما يجري خارج القطاع، وكيف يتضامن العالم مع قضيتهم، فمثلا مقاطعة المنتوجات التي تدعم دولة الاحتلال لا يعلم عنه الغزيون شيئا.
داخل إحدى المحالات التجارية وسط القاهرة يقف طفل مصري بالكاد يتجاوز الخمس سنوات، أمام رف الشوكولاته والبسكويت، وبلهجة مصرية ينادي "ماما دي مقاطعة ولا مصري" فتخبره أنها مقاطعة فيمشي دون تردد ويعلق " ده صاروخ بقتل الأطفال في غزة".
ولم يقتصر الأمر على المقاطعة فقط، فهناك سيدات مثل أم أحمد من أسيوط تقول لـ "الرسالة نت" إنها تتبرع من وقت لآخر لبعض الأشخاص في جنوب القطاع لإعداد الطعام وتوزيعه على النازحين.
وتضيف:" الأخبار توجعنا، ولا نمتلك سوى الدعاء والدعم بما هو متوفر لدينا، فلسطين ليست للفلسطينيين فقط بل هي لكل حر وشريف"، وتتمنى لو تزور غزة بعد الحرب لمؤازرة السيدات المكلومات.
الشعب المصري والعرب يدعمون المقاومة وقادتها
يروج الاحتلال (الإسرائيلي) بواسطة الذباب الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هجوم الفلسطينيين وداعمي القضية الفلسطينية على المقاومة ورجالاتها ويفبركون الفيديوهات عبر الذكاء الاصطناعي، لكن ما يجري واقعيا يخالف كل ما يروجون له.
في مصر، حالة عجيبة من الثقافة والتفهم لما يجري في قطاع غزة لا تقتصر على الكبار بل الجيل الصغير يعي جيدا ما يجري في غزة، ويؤيدون ما جرى في السابع من أكتوبر، لدرجة يتمنون لو شاركوا في عملية الإنزال أول يوم الحرب، ولا يترددون في إعلان رغبتهم في الذهاب إلى غزة ومشاركة المقاومة.
حتى أسماء قادة المقاومة التي تضعها (إسرائيل) وأمريكا على قائمة الإرهاب، يحفظ المصري أسماءهم جيدا، وكذلك يحفظون العمليات البطولية التي نفذها الشباب المقاوم طيلة مدة الحرب.
وفي "أم الدنيا" يوجد السوداني اللاجئ بفعل الحرب على بلده، بمجرد علمه أنك من غزة يدعو كثيرا ويتمنى العودة لك وله للبلاد، أما عن اللبناني الذي يناديك "ابن غزة العزة"، وحتى الخليجي لا يشبه قادته المطبعين ففي كل مكان يرددون دون خوف بلهجتهم الخليجية المحببة "عاشت فلسطين حرة وعاشت مقاومتها".
"أنا دمي فلسطيني" أغنية وطنية فلسطينية تسمعها في كل مكان، في مركب صغير على النيل، وفي مطعم شعبي قديم، فحب غزة ومقاومتها في مصر لا يقاوم.