ككل الأيام السابقة لا زالت جنين تدفع ضريبة كبيرة، تعكس خوف الاحتلال من انعكاس الأوضاع في غزة على الضفة الغربية فتتسع الدائرة، ثم يفقد السيطرة عليها، وعلى ذلك يقتحم المخيم كيفما شاء، وفي اللحظة التي يريد، ثم يخرج أبطال المخيم ليخبروه أنه مخطئ، فلدخول المحتل للمخيم ضريبة سيدفع ثمنها، وليست في كل مرة خاضعة لقوانينه وحده.
في هذه المرة فرض شباب المقاومة هناك كلمتهم، وكان لهذا الاقتحام الذي يتكرر ويزداد يوما بعد يوم صورة أخرى .
بدأت القصة بعد منتصف الليل حينما تسللت وحدة خاصة إلى محيط مستشفى جنين واعتقلت عددا من المواطنين في صيدلية بجانب المستشفى، عددهم ثمانية ومنهم جمال حويل عضو المجلس الثوري لحركة فتح والناشط السياسي أسامة أبو عرب وجمال الزبيدي والد الشهيدين محمد ونعيم الزبيدي أحد أفراد كتيبة جنين وقد استشهدا في عمليات سابقة في المخيم.
لم تنته القصة عند الاعتقال، بل عززت قوات الاحتلال قواتها ودخلت إلى المخيم من المحور الجنوب الغربي محور مافي دوتان ومحور حاجز الجلمة ومحور سهل مرج ابن عامل، تتدرج وكأن المخيم أصبح لعبة تلهو فيها متى شاءت، وتهدم وتعيث فيه فسادا، فكان للأبطال هناك سيناريو آخر محبوك بذكاء وقوة.
قبل أن تصل القوات إلى داخل المخيم توقفت، بل تراجعت، حينما تعرضت القوة الى كمين محكم بعدد من العبوات الناسفة وهي نقطة تصل للأطراف الحدودية مع مناطق 48 وهذا الطريق يستغله الجيش لتعزيز قواته التي تدخل إلى مدينة جنين.
مع وصول القوة الاسنادية ودوي صفارات الإنذار، فجأة وقعت في كمين مزدوج، حينما سارت المدرعات فوق عبوتين تفصلهما أمتار فقط وقد انفجرتا، مخلفتان دمارا هائلا.
ثم اكتمل المشهد وعرف الجميع أن العملية حققت نتائجها المرجوة، حينما هبطت أربع طائرات في المنطقة، بل وقالت وسائل إعلام عبرية إن العمل يجري على إخلاء جنود وإصابات في صفوف الجنود، بل وسربت أخبار عن قتيل وسبعة عشر إصابة منها ثلاث خطيرة، قبل أن تفرض الرقابة العسكرية على التفاصيل.
العبوات تختلف عن المستخدمة سابقا وقد نصبت في طريق الآليات بإتقان، ولم تكمل الآليات الطريق إلى مدينة جنين في منتصف الليل وبقيت عالقة في المنطقة وفقا لما قالته كتيبة جنين وهي تصف الحدث.
سلسلة بيانات خرجت لكتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام بانخراطهم وتعاونهم في سلسلة إطلاق النار وتفجير العبوات في الآليات.
لم يتوقف قهر الاحتلال، بل وبعد بزوغ النهار، دفع بعدد من القوات العسكرية إلى المخيم، ودمر حارات كبيرة في مخيم جنين، في حارة الوكالة وحارة الوهدان، واعتقل نحو 13 من شباب المخيم، ثمانية في محيط المستشفى و3 في كفر دان، وشاب من بلدة يعبد وحتى هذه اللحظة فيما يتعلق بحصيلة الإصابات هناك فرض رقابة عسكرية على تفاصيل الحدث ولا زلنا ننتظر بيان جيش الاحتلال.
ولقد دفعت الضفة ثمنا لم يكن قليلا منذ السابع من أكتوبر، وبالتزامن مع حربه المدمرة على غزة، وسع جيش الاحتلال الإسرائيلي من اقتحاماته وعملياته بالضفة مخلفا حتى الأربعاء 553 شهيدا فلسطينيا، بينهم 133 طفلا، إضافة إلى نحو 5200 جريح، وفق معطيات وزارة الصحة.
ولم تكن جنين يوما ملتزمة الصمت، منذ سنوات كثيرة وعبر تاريخ طويل، كان لها معزوفة مقاومة خاصة، تلعب بها على أوتار الجيش متى أرادت، فقبل عام فجرت في نفس المنطقة مدرعة النمر وأصابت جنودا في حرس الحدود والتي اعتبرت وقتها تطورا لافتا، هذه العبوات التي تفجرت اليوم، سجلت تطورا آخر، بل يرى محللون أنها تؤسس مرحلة جديدة في جنين في عمليات مقاومة منظمة وأكثر تطورا.
هذه جنين، التي تمتد في منتصف حرب اهلكت غزة، لتقول للعالم بأن هناك جبهة أخرى، اسمها جنين ، لا تتفرج على المأساة بصمت.