خاص| نساء غزة يتحزّمن بالصبر بمواجهة القتل والنزوح 

الرسالة نت

الرسالة نت- رشا فرحات 

تجلس نسرين أبو كاشف أمام فرن الطابون يحيطها الركام من كل جانب؛ ولكنها تتحدث بكل قوة وهي تلف الصبر حزاما على خاصرتها بينما تخرج الأرغفة من الفرن وترصها بجانبها 

تحمل نسرين وجعا كبيرا؛ ومن ينظر إلى وجهها يرى قوة لا تحملها أي امرأة في بقعة أخرى من العالم؛ في غزة حيث لم تترك عذابات النزوح فرصة للنساء حتى يلبسن ثوب الحداد على شهدائهن. 

"استشهد ثلاثة من أبنائي، وهذه الحجارة التي أجلس عليها كانت بيتي "هكذا تقولها نسرين بينما تخرج الرغيف الأخير أمامها؛ ثم تذهب لحمل طفلتها ذات العشرة أعوام؛ طفلة "متلازمة داون" باحتياجات أخرى حرمتها منها أيام الحرب وضعف الإمكانات وحصار يمنع دخول الأدوية والمساعدات 

هدم منزل نسرين واستشهد أبناؤها ولا زالت تقف قوية رغم ذلك الحمل الثقيل في قلبها لتطعم من تبقى منهم وتسد جموعهم 

وليست نسرين وحدها التي أكلت الحرب من صحتها وقلبها ولا زالت صامدة، لكن هناك أيضا أكثر من عشرة آلاف امرأة قتلتها هذه الحرب؛ بينهن ستة آلاف أم تركت وراءها عائلة وأطفال 

قصص التجارب النسائية في غزة، منها ما يكتب ومنها ما تخطىت أوجاعه حدود القلم وعجزت الكلمات عن التعبير عنه، فهذه ميسون التي تخاف على طفلتها الرضيعة،  فهي واحدة من ٥٠٠٠٠ امرأة خضن تجربة الولادة في الحرب.  

"أنجبت طفلتي في منتصف كانون الثاني؛ قبل موعد الولادة بأسبوعين؛ حيث ذهبت إلى المستشفى في منتصف الليل يلفني البرد والعتمة والخوف من صوت القذائف.، كنا في رفح؛ تركت أطفالي وحدهم في الخيمة وذهبت مع زوجي وهناك قرر الأطباء ولادتي بعملية قيصرية لضعف جسدي وعدم تجاوبي مع محاولات الولادة الطبيعية".

تحتضن ميسون طفلتها وتلفها بكثير من الأغطية في زاوية من زوايا الخيمة؛ وتذكر كثيرا ليالي المطر والبرد حينما لم يكن لديها قدرة على تدفئة جسدها في مرحلة نفاس خطيرة وقلة الطعام الذي زاد من أوجاعها وأجل تعافيها من أثار العملية وأثر على رضاعة طفلتها. لكنها ترى نفسها محظوظة الآن لأنها استطاعت على الأقل الولادة والإبقاء على حياتها وحياة ابنتها رغم كل ذلك 

وفي ظل تلك الظروف يبدو من الطبيعي جدا أن ترتفع نسب الإجهاض بين النساء الحوامل في غزة إلى 300% بحسب بعض الإحصائيات .
 فقد أدى نقص الطعام ومنع دخول المساعدات والحصار المستمر إلى معاناة النساء أثناء الحمل، كما أدى لارتفاع خطر الإصابة بالعدوى والوفاة بعد الولادة أو الولادة القيصرية، وزيادة وفيات الرضع، فضلا عن  زيادة نسبة الضعف في صحة الأجنة وحديثي الولادة.

وفي قصة امرأة أخرى اسمها فلسطين معاناة أخر ، فهي فتاة حملت المعاناة باسمها يوم ولادتها وتعيش الآن ألما مركبا تقول عنه: "لم تعد هناك نساء، تحولت النساء إلى رجال دون أي فروق".

تصف ألمها؛ فهي تخرج فجرا لتحضر الماء ماشية مسافة أربعة كيلو متر وتعود لتشغل النار بثياب مهلهلة ووجه صبغته نيران الحطب الذي تطبخ عليه طعاما شحيحا لسبعة أطفال ينتظرون عودتها على باب الخيمة، وتخاف كثيرا من أن تتحول تلك الحياة إلى روتين للأبد، دون أن يكون هناك حل لكل هذا الأسى. 

وتقول أرقام هيئة الأمم المتحدة إن أكثر من عشرة آلاف امرأة وفتاة استشهدن حتى الآن منذ بدء الحرب على غزة، فيما أعلن الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء أن 75% من إجمالي عدد الجرحى من الإناث، وأن النساء والأطفال شكلوا ما نسبته 70% من المفقودين في غزة.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي نزح 1.9 مليون نسمة بينهن نحو مليون امرأة وفتاة، وهناك ما لا يقل عن 3 آلاف امرأة أصبحن أرامل ويحاولن إعالة أسرهن، في ظل عدم توفر الأمن ولا الطعام ولا حياة كريمة تشبه كرامة النساء في غزة .

البث المباشر