الرسالة نت- رشا فرحات
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تمارس قوات الاحتلال حرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ورافق ذلك ارتكاب مجازر ودمار هائل طال أكثر من 70% من المباني والمنشآت والبنية التحتية في القطاع، في ظل انعدام الخدمات الصحية والغذائية اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، غير أن الأضرار الأطول أجلاً اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ عن هذا العدوان، واﻟﺘﻲ ﺳﺘﺨﻠّﻒ آﺛﺎراً اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وديموغرافية واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻧﻔﺴﻴﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ وﻋﻤﻴﻘﺔ، هدف من أهدافها التي أعلن عنها الاحتلال منذ بداية هذه الحرب هو تغيير ديمغرافيا قطاع غزة من خلال القتل والتهجير.
وكان تدمير أكبر مركز للخصوبة في قطاع غزة في ديسمبر ضمن الطرق التي تسعى لتحقيق هذا الهدف، فقد أدى الانفجار إلى نزع الأغطية عن 5 خزانات تحتوي على النيتروجين السائل، كانت في زاوية من وحدة الأجنة.
وعندما ارتفعت درجة الحرارة داخل الخزانات، قتلت أكثر من 4 آلاف من أجنة أطفال الأنابيب، إضافة إلى ألف عينة أخرى لحيوانات منوية وبويضات غير مخصبة، كانت هي الأخرى مخزنة في مركز "البسمة" للإخصاب وأطفال الأنابيب، التي كانت بمثابلة أمل آخير ل 4آلاف أب وأم بالإنجاب .
وفي ذات السياق قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني، إن عدد الأطفال الذين قتلوا خلال أربعة أشهر من الحرب في غزة أكبر من عدد الأطفال الذين قتلوا خلال أربعة سنوات من الحروب بجميع أنحاء العالم.
وبحسب الأرقام، فقد قتل ما مجموعه 12193 طفلاً بين عامي 2019 و2022 حول العالم، في حين قتلت صواريخ وقذائف الاحتلال ما مجموعه 12300 طفل في غزة بين أكتوبر 2023 وفبراير 2024، هذا يعني إن 72% من إجمالي الوفيات البالغ 31272 حالة هم من النساء والأطفال.
لم يكن ذلك القتل المتعمد مصادفة، وإنما هو سعي لتحقيق أحد أهداف الحرب، وفي ذلك يقول المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي محمد فراس ياغي:" إن هذه المجازر تخدم هدف الاحتلال، فالقتل للأطفال والنساء، هو إبادة لجيل كامل، وهو جزء من محاولات الاحتلال لتخفيف عدد السكان، وهناك أحاديث لتخفيف أكثر كثيرا من عدد السكان، وهو تحويل قطاع غزة لمنطقة منكوبة تسمح بالتهجير لاحقا .
يرى ياغي أن الحرب ستستمر لتحقيق هذا الهدف ربما لعام 2025 ونتنياهو يربط الحرب بمصيره، والنقطة الأهم أنهم حددوه صراحة من ضمن نطاق مفهوم العمليات وسيدخلون خلال أسبوع للمرحلة الثالثة دون الذهاب إلى صفقة وفي المرحلة الثالثة سيكون هناك مجازر أكثر تستهدف الأطفال والنساء بحجة استهداف مسؤول سياسي .
سيحمل الاحتلال المقاومة عبء كل هذا وهي التي تسعى منذ زمن لتصفية السكان لصالح التوسع الديمغرافي في الضفة والقدس وغزة حسب قول ياغي .
المحلل السياسي إسماعيل مسلماني لم يكن رأيه مختلفا، " كانت البداية مشروع سينا، وهي بهدف تغيير الديمغرافيا، ولكن الضغط ورفض المشروع أفشله، وكذلك كان بناء الرصيف العائم واحدا من هذه الوسائل، ومنذ بداية الحرب حتى الآن لا زال الطرح موجودا وتخلله حديث عن بناء مستوطنات في غزة، ونتيجة صمود الأهالي وقبولهم العيش في ظل ظروف الحرب هو تحد للمشروع الديمغرافي .
ويرى مسلماني أن طريقة الاحتلال الوحيدة الآن هو مزيد من المجازر لتحقيق الهدف، بداية من بيت حانون وحتى معبر رفح، ومحاولة عمل منطقة عازلة وجمع المواطنين في الجنوب في محاولة لدعم عملية الخروج من غزة، وحتى الآن لا يوجد أي علامات تدل على تنازل نتنياهو وانسحابه من قطاع غزة.
لا يوجد ضغط دولي على الاحتلال والولايات المتحدة شريكة عسكرية ولوجستية للاحتلال، فلا يوجد ضغط عالمي حقيقي، لا يوجد سوى الورقة التي يملكها الاحتلال وهي ورقة الأسرى الإسرائيليين حتى توقف هذا المشروع، وفشل حكومة الاحتلال أمام الشارع الإسرائيلي الذي يضع نتنياهو في مأزق حقيقي ، حسب قول مسلماني.
وفي ورقة بحثية نشرتها مؤسسة الفلسطينية وفق معطيات الحرب بشأن أعداد المواليد والوفيات الطبيعية وغير الطبيعية (الوفيات غير المباشرة نتيجة نقص الغذاء والخدمات الصحية واستهداف المستشفيات والمراكز الصحية.. إلخ) والضحايا، مع الأخذ بعين الاعتبار مغادرة بضعة آلاف من الفلسطينيين القطاع ممن سُمح لهم بالمغادرة، وهُم الأفراد الذين يحملون الجنسيات الأُخرى من أجانب وفلسطينيين، فإن نسبة النمو المقدرة في القطاع لسنة 2023 ستنخفض من نحو 2.7%.
ووفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن القدرة الإنجابية ستصبح دون 1% فقط. وخلال سنة 2024، وتحديداً بعد منتصف السنة، فإن معدلات الولادة والإنجاب ستنخفض بصورة كبيرة جداً، تقترب من الصفر، نتيجة توجُه الأزواج إلى عدم الإنجاب نتيجة الأوضاع، وخوفاً على صحة الأمهات والأطفال، بالإضافة إلى انخفاض عدد حالات الزواج الجديدة خلال العدوان وبعده إلى مستويات متدنية للغاية.
ووفقا للورقة المنشورة فهذا يعني أن معدل النمو السكاني لسنة 2024 لن يزيد على 0.5%، وسيستمر في الانخفاض إذا استمر العدوان على القطاع، بمعنى أن الزيادة السكانية المتوقعة لسنة 2023 والسنتَين القادمتَين على الأقل في ظل العدوان لن تساوي ما كان متوقعاً لها خلال عام واحد، أي أن عدد السكان لن يتجاوز 2.3 مليون للفترة 2023-2025، بينما التقديرات تشير إلى أن عدد سكان القطاع سيتجاوز 2.4 مليون سنة 2025.
ويرى المحلل السياسي سليمان بشارات أن الهدف الديمغرافي ضمن أهداف أخرى يتعامل معها الاحتلال بنفس طويل، فإن لم يتحقق الهدف اليوم سيتحقق بالمستقبل وهو يراهن على عامل الزمن والاستمرارية في تحقيقها.
ويضيف بشارات:" الدافع الأول والأساسي من كل المجازر هو خلق فجوة بين المقاومة والاحتلال، والهدف الثاني والذي هو جزء من المعركة الفلسطينية الشاملة للقدس وغزة والضفة وهو البعد الديمغرافي الذي يثبت البعد الجغرافي، فطالما هنا توسع ديمغرافي فهناك توسع جغرافي".
العامل البشري واحدة من العوائق الأساسية للمشروع الصهيوني الاستيطاني، فهو يرفع الآن من نسبة الاستهداف في غزة بشكل مباشر من قتل وابادة، وتستخدم منهجيات أخرى في القدس والضفة والداخل، كل بقعة لها منهجية تتوافق وطبيعتها وكلها هدفها التوسعة الديمغرافية، حسب رؤية بشارات .
تهجير وترحيل وضرائب في الضفة والقدس، وقتل ممنهج في مناطق عرب الداخل، ومجازر ترتكب في غزة، كلها هدفها قتل الفلسطيني وتحقيق النصر الديمغرافي ، وبينما تزداد المجازر وتختلف توقعات الأرقام تكشفت إحصائية من وزارة الصحة أن عدد المواليد في الأشهر التسعة الماضية وصل إلى نحو ستة أضعاف عدد الشهداء جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وتلك معركة مهمة أخرى، تنتصر فيها غزة .