"العدل الدولية" فتوى سياسية تُبدد أوهام الفتاوى التلمودية

الرسالة نت _ وكالات

تكشف الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية، التي اعتبرت "أنّ الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير شرعيّ"، وجود صحوة دولية تجاه القضية الفلسطينية، في سياق مرحلةٍ مهمةٍ تضع العالم أمام مسؤولياته، لمحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني. وجاءت هذه الفتوى بعد تقييم المحكمة للتداعيات القضائية للممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث أشارت إلى أن هناك نوايا إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة الغربية، وضم تلك الأراضي، ما يجعل الاحتلال غير قانوني.


بدورهم، أكد خبراء في القانون الدولي وقادة سياسيون وكتاب ومحللون سياسيون في أحاديث منفصلة ، أن هذه الفتوى تعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية، وتتيح للفلسطينيين محاكمة إسرائيل على جرائمها أمام المحاكم الدولية.


ودعوا إلى استثمار الفتوى لتعزيز الحراك الدبلوماسي على الساحة الدولية، مشددين على أهمية توحيد الصف الفلسطيني، والعمل على تشكيل تحالفات دولية لدعم الفتوى وتفعيلها على أرض الواقع.


ويرى المحللون والسياسيون والخبراء أن الفتوى تمثل رصيداً إضافياً للقضية الفلسطينية، وتعزز من محاولات المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها، لكنهم أكدوا أن الوحدة الوطنية الفلسطينية أصبحت أكثر أهمية الآن لمواجهة التحديات المقبلة وتحقيق المصالحة الوطنية للذهاب بالقضية الفلسطينية بحراك دولي موحد.

نوايا للسيطرة الدائمة على الضفة بما فيها القدس

وقال أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية د. رائد أبو بدوية أن الفتوى الأخيرة للمحكمة الدولية مهمة جداً، حيث إن القانون الدولي نظم حالة الاحتلال كضرورة عسكرية أثناء الحرب، للاعتبارات والاحتياجات والضرورة العسكرية، وفرض إجراءات على دولة الاحتلال تجاه الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.


وأوضح أبو بدوية أن القانون الدولي الإنساني نظّم حالة الاحتلال كضرورة عسكرية قصيرة الأمد، لكنه لم يعالج الاحتلال طويل الأمد.


وأشار إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تناولت الوضع القانوني للاحتلال والالتزامات الدولية تجاهه، وطلبت استشارة قانونية من محكمة العدل الدولية، التي قامت بتقييم معظم السلوك الإسرائيلي في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وأكدت المحكمة أن هناك نوايا للسيطرة الدائمة على الضفة الغربية وضم تلك الأراضي، وبالتالي فإن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني.

إنهاء الاحتلال وتعويض المتضررين

وشدد أبو بدوية على أن هناك آثاراً تترتب على القرار، حيث يتوجب على إسرائيل إنهاء الاحتلال فوراً وإخلاء الأراضي الفلسطينية من مستوطنيها، إضافة إلى الالتزام بتعويض المتضررين من السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية.


وأكد أبو بدوية أن المجتمع الدولي يجب أن يتخذ تدابير لازمة لإنهاء الاحتلال، داعياً إلى حراك دبلوماسي تقوده فلسطين أو أي دولة عربية أو صديقة من أجل الترجمة الفعلية للفتوى الاستشارية التي أصدرتها محكمة العدل الدولية.

الطلب من الأعضاء إنهاء علاقاتها مع إسرائيل

وأشار أبو بدوية إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكنها الطلب من الدول الأعضاء إنهاء علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بكافة أشكاله، ومَن يرفض ذلك سيكون عرضةً للمسؤولية القضائية الدولية.


وقال إن القرار يمكن استخدامه كأداة لتعزيز القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية، وسيؤثر على قرارات المحكمة الجنائية الدولية.


ويلفت أبو بدوية إلى أن إسرائيل قد لا تلتزم بالقرار، لكنها تدرك خطورته عليها، وعزلتها الدولية، خاصة في نشاطاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.


وأعرب أبو بدوية عن أمله في أن تلتزم الدول بالقرار وتلعب دوراً فاعلاً في إنهاء الاحتلال وكافة تبعاته، مؤكداً أن الرأي الاستشاري للمحكمة يفتح الطريق أمام المؤسسات الدولية لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

بداية الطريق وليست نهايته

من جانبها، أكدت الكاتبة والمحللة السياسية نور عودة أن فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة، الجمعة، والتي اعتبرت الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي، تُعدّ بداية الطريق وليست نهايته، وتتطلب خطواتٍ عدة.


وأوضحت عودة أن القرار يحتاج الآن لإحالته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتبنيه، ومن ثم يصبح لزامًا على الدول الالتزام بالفتوى.


وأضافت: يتطلب هذا القرار العمل والتواصل الثنائي مع الدول، ما يفتح المجال لإجراءات عدة، مثل وقف التجارة بالسلاح ووقف التعامل التجاري مع الشركات التي تعمل في المستوطنات.


وأكدت عودة أن الفتوى أصبحت وثيقة قانونية وجزءًا من القانون الدولي، ولا يمكن تجاوزها في المحاكم الدولية أو المحلية في الدول التي تستند إلى القانون الدولي، كما أن الفتوى تتناول كافة القضايا المتعلقة بالواقع الفلسطيني، ما يجعل الاحتلال مكلفًا تجاريًا وأمنيًا وسياسيًا.

قرار فاق كل التوقعات

وأشارت عودة إلى أن قرار المحكمة فاق كل التوقعات، لكنه يتطلب جهدًا فلسطينيًا مكثفًا بالعمل مع الدول لترجمة الفتوى إلى واقع ملموس، حيث قد تمهد الفتوى لفرض عقوبات على إسرائيل، وربما طردها من الجمعية العامة للأمم المتحدة.


وأكدت عودة أن هناك حديثًا متزايدًا من دول ومختصين عن إمكانية وجود إسرائيل في الجمعية العامة من عدمه، مستشهدة بما حدث في جنوب أفريقيا.

إعادة القضية الفلسطينية إلى أروقة المنظمات الأممية

بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن فتوى محكمة العدل الدولية الأخيرة تُعد مهمة جداً، حيث تعيد للقضية الفلسطينية التعريف الصحيح كأرض وشعب تحت الاحتلال الإسرائيلي.


وأوضح بشارات أن إسرائيل حاولت منذ اتفاقية أوسلو إزالة صفة الاحتلال عن فلسطين عبر الاعتراف المتبادل بينها وبين منظمة التحرير، بالرغم من أن ذلك يتعارض مع القانون الدولي.


وأشار بشارات إلى أن فتوى المحكمة أعادت القضية الفلسطينية إلى أروقة المنظمات الأممية، وألغت الاستفراد الأمريكي برعاية القضية.

إمكانية محاكمة إسرائيل

وقال إن الفلسطينيين يُمكنهم الآن محاكمة إسرائيل بناءً على الرأي الاستشاري للمحكمة، ما يتطلب تجييش المختصين بالقانون لتجهيز ملفات المحاكمة أمام المحاكم الدولية.


وحول ردة فعل إسرائيل من فتوى محكمة العدل الدولية، أكد بشارات أن إسرائيل ستستمر في عمليات الاستيطان وتعزيز الإجراءات الإسرائيلية، لأنها تعتاد الإفلات من العقاب بفضل حماية الولايات المتحدة لها.


ومع ذلك، يرى بشارات أن إسرائيل ستواجه في المستقبل صعوبة في تسويق نفسها دولياً، وستتعرض لعزلة كبيرة، حيث ستجد العديد من الدول حرجاً في التعامل مع دولة الاحتلال أمام شعوبها، نظراً لوصفها كدولة فصل عنصري ودولة احتلال.

وثيقة قانونية وسياسية مهمة جداً

أما ماجدة المصري، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فاعتبرت أن الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية تمثل وثيقة قانونية وسياسية هامة جداً في هذه الفترة التي تمر بها القضية الفلسطينية.

 

 ودعت إلى التعامل بجدية مع هذه الفتوى بتوحيد الصف الفلسطيني لمواصلة المسيرة الكفاحية والنضال السياسي والدبلوماسي.


وأوضحت المصري أن الوثيقة أضفت عدم الشرعية والقانونية على الاحتلال الإسرائيلي، ما يستوجب البناء عليها بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية الدولية، لمواصلة النضال من أجل عزل إسرائيل وإرغامها على الانصياع للقانون الدولي، مشيرة إلى أن هذه المعركة يجب أن تستمر بالتعاون مع حلفاء الشعب الفلسطيني.


وأكدت المصري أن الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية عرّت الاحتلال والمشروع الصهيوني بشكل فاضح أمام العالم، وأحرجت حلفاءه والداعمين له الذين يتوجب عليهم الالتزام بالقانون الدولي والتوقف عن دعم إسرائيل.


وشددت على ضرورة استمرار محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في العمل خلال الفترة المقبلة، لفرض عقوبات وإجراءات بحق إسرائيل.

مرحلة غير مسبوقة من التضامن مع القضية الفلسطينية

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي هاني أبو السباع: إن الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية تُعد تأكيداً على رفض العالم لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ورداً على عدم انصياعها للقانون الدولي.


وأشار أبو السباع إلى أن الفتوى تؤكد أن الرواية الفلسطينية بدأت تنجح وتكتسب صدىً في العالم، ما يشير إلى مرحلة غير مسبوقة من دعم القضية الفلسطينية.


وأوضح أن الفتوى تمثل رصيداً إضافياً للقضية الفلسطينية في مواجهة جرائم الاحتلال، مؤكداً أن العالم بدأ بمحاكمة إسرائيل على جرائمها، ما يُعد صحوة للضمير العالمي في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

المصالحة أصبحت ضرورة

ودعا أبو السباع السلطة الفلسطينية إلى استثمار الفتوى والذهاب بها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لطلب الحماية الدولية وتنفيذ القرارات الدولية السابقة لردع إسرائيل ومحاكمتها دولياً.


وأشار أبو السباع إلى تفاعل الفصائل الفلسطينية مع الفتوى، مؤكداً ضرورة استثمار هذه الفرصة لتحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، مشيراً إلى أن الوحدة الفلسطينية أصبحت أكثر أهميةً في هذه الفترة الصعبة.

ردة فعل إسرائيلية غير مسبوقة

أما الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى، فقال: "إن فتوى محكمة العدل الدولية تعيد التأكيد على أهمية تطبيق القانون الدولي على الضفة الغربية والأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات".


وأشار موسى إلى أن ردة الفعل الإسرائيلية كانت عنيفة وغير مسبوقة، حيث استبقتها إسرائيل بقرارات من الكنيست بعدم الاعتراف بدولة فلسطينية، ثم الدعوات لفرض السيادة على الضفة الغربية.


ولفت إلى أن الفتوى غير ملزمة، ويجب أن تتبعها إجراءات في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، مع احتمال فرض الفيتو الأمريكي عليها في مجلس الأمن.


ودعا موسى إلى استثمار الموقف الفلسطيني في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال إجراء حوار وطني شامل والاتفاق على برنامج سياسي موحد، ليكون الفلسطينيون موحدين أمام المنظمات الدولية.


ويشير موسى إلى أن الفريق القانوني والدبلوماسي الفلسطيني قوي، ويجب التحرك قانونياً وسياسياً نحو الدول التي اعترفت أو وعدت بالاعتراف بدولة فلسطين، لتشكيل تحالف دولي لتفعيل الفتوى ولجم إسرائيل ومحاسبتها.

المصدر: جريدة القدس

البث المباشر