في يومها الـ295 من عدوانها على قطاع غزة، لا زالت إسرائيل تستهدف المدنيين في كل شبر بالقطاع، فقد بدأها بالأمس مجزرة في مدرسة خديجة بدير البلح، تلاها مجرزة أخرى في مدرسة أخرى تحوي النازحين أيضا في دير البلح تشرذمت فيها أجسام 60 شهيدا مدنيا كانوا يفترشون صفوف المدرسة وباحاتها .
وفي الضفة الغربية المحتلة لم يختلف المشهد وإن اختلفت الأرقام، واختلفت طرق الاحتلال أيضا، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن استشهاد اثنين، أحدهما فتى يبلغ 17 عاما، وإصابة 22 بينهم 3 بحالة خطرة، جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على مخيم بلاطة بمدينة نابلس.
في بحثه حول الإبادة الإسرائيلية بالضفة، يرى الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية "أحمد عز الدين أسعد"" أن طبيعة الإبادة في الضفة قد تكون مختلفة عن نظيرتها التي تحدث في غزة حاليا؛ فهي وإن كانت أخف وطأة، فإنها أطول أمدا وأكثر استدامة، ويصفها بالإبادة الصامتة، أو الإبادة بالقطعة.
ويرى أسعد أن تلك الإبادة تعني استهداف الأرض أو سلب أجزاء منها بشكل متفاوت ومتدرج، خاصة الأراضي الواقعة في المنطقة ج، بالإضافة إلى الإغارة على تيارات سياسية ومؤسسات محددة بشكل منفصل ومتعاقب.
ويسميها الباحث "إبادة صامتة" لأنها لا تُحدِث الصخب نفسه الذي تُحدِثه الإبادة الواسعة في العدوان على غزة، وإبادة بالقطعة لأنها متدرجة ومتراكمة على مدار السنوات، ما يصنع "عملية الإبادة الأكبر التي تهدف إلى اجتثاث الفلسطينيين بكل الوسائل والطرق الهادفة إلى محو الفلسطيني واقتلاعه وتهجيره وقتله وسفك دمه، ماديا وسياسيا وأخلاقيا.
وفي مقابلة للرسالة مع الباحث سليمان بشارات قال ان الإبادة في الضفة تستخدم منهجيات مختلفة، وكذلك المقاومة، وكل مرحلة لها خصائصها ووسائلها، وكلنا يذكر في مرحلة ما عمليات الدهس، وعمليات الطعن وهي مقاومات فردية بدأت تتشكل ملامح مرحلة جديدة بعدها مرتبطة بالمخيمات انطلاقا من مخيم جنين .
وتحدث بشارات عن تطور تجربة المقاومة في الضفة، حيث بدأت تحمل ملامح مختلفة عما وصلت اليه الآن، قائلا:" فنحن في مرحلة متطورة ومعززة وأكثر مشاركة من قبل الجماهير، وأكثر دقة وتكتيك وتطورا حسب بشارات"
بدأ الاحتلال إبادة الضفة بالحديث المتواصل عن خطورة المقاومة، وهو يرى انتقال ملامح العمل المقاوم من مجرد أشخاص بدأت تأخذ منح على شكل مجموعات أو خلايا بغض النظر عن شكلها، وهي آخذه في التوسع والتنظيم.
جرأة التنفيذ أيضا اتسعت، وفي المقابل إسرائيل حاولت أن تتعامل مع هذا التطور بأكثر من شكل، مرحلة الإنذار، ثم مرحلة الاعتقال المسبق، فقد وصل عدد المعتقلين منذ السابع من أكتوبر لعشرة آلاف وصولا إلى عمليات الردع من خلال القتل والاعتقال .
بدأ الاحتلال الآن مرحلة الحسم على حد تعبير بشارات، وهي محاولة الاحتلال لإنهاء ظاهر المقاومة من خلال القصف بالطائرات، مضيفا: لقد أعطي الجيش الصلاحيات الكاملة للتصفية بالطائرات، وأعتقد أنها ستكون عنوان مرحلة الإبادة المقبلة في الضفة"
ويلفت بشارات إلى وسائل الاحتلال للإبادة في الضفة اليومية ومنذ سنوات مثل تدمير البنية التحتية المتواصل في مخيمات الضفة جنين وطولكرم، ومئات عمليات الهدم والتدمير وتنفيذ العمليات العسكرية ، مضيفا:" وأصبح هناك اجماع لدى المراقبين الإسرائيليين أن هذه الطرق التي يستخدمها الاحتلال لم تعد ناجحة، وهو لم يستطع أن ينهي النموذج المقاومة الذي انطلق من جنين الى نور شمس ألى طولكرم وقرى رام الله وجنوب الخليل ، على حد رؤية بشارات.
ويلفت بشارات إلى أنه لا يمكن فصل ما يحدث بالضفة عن غزة في ظل ما يقوم به الاحتلال الآن من تصعيد في عمليات الاستهداف والاغتيال والتدمير في الضفة وتعزيز الاستيطان ومنح المستوطنين الكثير من الصلاحيات لتعزيز الاستيطان وتسليهم لقتل الفلسطيني، ويقول:" يبدو أن كل ذلك مقدمة لتصاعد المواجهة في الضفة الغربية والتي تعززها حالة الحرب في غزة، وان انتهت الحرب في غزة، ربما تخف وتيرة المقاومة هناك، لكنها لن تختفي"
الاحتلال يدرك أن الضفة خزان بشري حاضر دائما وان تغيرت الظروف، فكلما صرخت غزة، ردت الضفة بما لديها من قدرات تتطور يوما بعد يوم، وهي ما يخيف الاحتلال .