لم يتغير شيء من حب ذاك الوطن هناك ..بل زاد شوقًا كما عدد الشعرات البيضاء في رأس مبعدي كنيسة المهد بدخول العام الثالث عشر على الإبعاد !
حاصرتنا اللافتات في المكان ونفس الأمل يسكن خيمة التضامن أمام مقر الأمم المتحدة كما وقفة المبعدين من كل عام ولسان حالهم يتساءل: "ألا يكفي 13 عامًا من الإبعاد ؟ .. لقد هرمنا ".
وليس عبثًا عندما قال الشاعر أبو تمام : كم منزل في الأرض يألفه الفتى.. وحنـينه أبدًا لأول منزل، فبعيدًا عن بيت لحم التي احتفظت بذكريات المبعد من الشطر الشمالي إلى جنوب الوطن لابد للآه أن يسكن القلب, وقد رحل مِن الأحبة مَن رحل دونما عناق أو نظرة وداع !
عودة لاجئ ومبعد !
مشاعر الحنين للأرض دفعت المتحدث باسم مبعدي كنيسة المهد فهمي كنعان للوصول مبكرًا أمام المقر غرب غزة للتعبير عن تجديد رفضه لسياسة الإبعاد التي يمارسها الاحتلال "الاسرائيلي" حيث قال لـ"الرسالة نت": "الإبعاد جريمة ضد الانسانية اقترفها الاحتلال بحقنا، ولابد من رفع قضية على الاحتلال أمام المحاكم الدولية ".
وصل الأنين شمال الوطن حيث وقف أهالي المبعدين في ساحة كنيسة المهد ليقيدوا الشموع مطالبين بإعادة أبنائهم إلى بيت لحم, وذاكرتهم تسترجع العاشر من أيار من عام 2002 حين أبعد 26 فلسطينيًا من بيت لحم إلى القطاع و13 آخرين إلى الدول الأوروبية بعد حصارهم في كنيسة المهد أربعين يومًا بعد أن جرت مفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي" من المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية.
وعند سؤالنا لكنعان, "ماذا تغير عليك بعد دخول العام الثالث عشر للإبعاد؟" سبقت بسمته الكلمات وأجاب: "زدت شوقًا للأهل والوطن ويوم العودة الى ربوعه" , لم تدم ابتسامته طويلًا بعد سؤالنا الثاني :"وماذا فقدت؟" حيث تبدلت بملامح المرار التي تجرعها على مراحل وقال :"فقدنا الكثير من الأهل في بيت لحم وكذلك المبعد في الخارج الشهيد اللواء عبد الله داود".
أبرز ملامح اللجوء والتشريد فاحت من بين ثنايا خيمة التضامن مع المبعدين ورائحة النزوح وحكايات التغريبة الفلسطينية تفرض نفسها بين الحاضرين فالحاجة السبعينية أم فريد جاءت متضامنة لإدراكها بأن عودة المبعدين حق مقدس كما عودة اللاجئين, وعرفت عن نفسها بالقول: "أنا من اسدود وهي ثوبنا هناك وراح نرجع احنا والمبعدين".
تلك المشاعر التي حملتها اللاجئة المسنة كانت تضفي شيئًا من الأمل على الحاضرين والكثير من ضرورة التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية.
مرار وتقصير!
المبعد ناجي عبيات 42 عامًا لا يفصله عن والده الراقد بالعناية المركزة في بيت لحم سوى 45 دقيقة حولتها سياسة الابعاد إلى حسرة في قلبه وكأن الطريق مسدود نحو الوطن والوالد!
يتضامن عبيات مع نفسه في غزة بمرور عام جديد على الابعاد , ويهدي والده في ذات الوقت الدعوات والأمنيات بأن يشفيه الله ويتمكن من احتضانه.
ولفت انتباهنا تأمين أحد الجالسين لدعاء عبيات وهو يربت على كتفه مواسيًا له وعند تعريفه عن نفسه لـ"الرسالة نت" تبين بأنه تجرع مرارة الابعاد عن قرية حبلة جنوب قلقيلية بعد الافراج عنه في صفقة وفاء الأحرار، وأوضح المحرر محمود مرداوي أن الابعاد هو أسوأ العقوبات التي يمارسها الاحتلال حيث يشعر من خلالها الفلسطيني بلوعة لفراق الأهل وحنينه لبلدته .
خرجت كلمات مرداوي صادقة لشعوره بقسوة سنوات مبعدي كنيسة المهد .
رفرفت الأعلام الفلسطينية في حين غابت الفصائل الوطنية عن الحضور، وفي السياق أبدى الناطق باسم مبعدي المهد استيائه من تقصير الجهات الرسمية والاعلامية مشيرًا الى ان التنظيمات الوطنية لا تتفاعل مع قضية الإبعاد رغم كونها حق لابد من المطالبة به .
نفس الشعور انتاب المبعد عبيات حيث قال:" يتم التعاطي والتفاعل مع قضيتنا بشكل شعبي الا أن جوانب القصور تحيط المستوى الرسمي خاصة فيما يتعلق بتنسيق زيارات الأهل الى غزة".
وبعيدًا عن المرار والأسى الذي يسكن قلب المبعدين التقطت عدسة "الرسالة نت" صورًا للطفل المبعد الى غزة عصام أبو حميدة وهو يجوب بابتسامة وعلم الوطن يحتضنه وكأنها براءة قلبه لإشعاله شمعة ميلاده الثالثة عشر كما عمر الابعاد!
عدسة محمود أبو حصيرة