مع اشتداد حرب الإبادة على قطاع غزة منذ ما يقارب 300 يوم يتكرر نزوح المدنيين الفلسطينيين من مكان لأخر تحت وطأة القصف مدفعية وطائرات الاحتلال التي لا تفرق بين طفل وشاب وأمرة ورجال مسنين.
ففي كل مرة يجبر جيش الاحتلال المدنيين على النزوح من مكان لأخر، تبرز معاناة الفلسطينيين، فالكثير منهم يطير للنوم في العرام لعدم وجود خيام تؤويهم.
لا توجد مناطق آمنة
منذ ساعات ينزح آلاف المواطنين قسرًا من مخيم البريج وأطرافه، كذلك مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بعد تحذير من جيش الاحتلال بضرورة إخلاء بعض المناطق تمهيدًا لعمليات عسكرية قريبة.
وقبل أيام أجبر الاحتلال المواطنين بمغادرة عدد كبير من مناطق خانيونس الأمر الذي فاقم معاناة قرابة 400 ألف فلسطيني فيها، وأجبرهم للتوجه إلى مناطق مواصي خانيونس ودير البلح وسط قطاع غزة.
حيث تفتقر المنطقة التي يزعم جيش الاحتلال أنها "إنسانية وآمنة" ويجبر المواطنون على التوجه إليها، لأدنى مقومات الحياة الإنسانية، فضلًا عن اكتظاظها بالنازحين، كذلك استهداف المدارس التي تتبع لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا".
وعبرت الأمم المتحدث في تصريحات عن خطورة النزوح المتكرر للمدنيين الفلسطينيين، وقالت إنه "أكبر أمر إخلاء من نوعه منذ أن أمر الاحتلال 1.1 مليون شخص بمغادرة شمالي القطاع في أكتوبر".
آلاف العائلات تنزح
المواطن محمد صالح وهو من سكان مخيم البريج، يفترش الأرض برفقة عائلته في شارع "البركة" وسط دير البلح، يقول، :" وصلتنا رسائل من الاحتلال عبر الهاتف تطالب بإخلاء منازلنا فورًا لأنها منطقة قتال خطيرة وفق مزاعم الاحتلال".
ويضيف المواطن صالح وهو أب لعائلة مكونة من 7 أفراد، في حديث لـ"الرسالة"، :" تركنا منازلنا وخرجنا ولا نعلم أي نذهب في هذا الليل.. خرجنا تحت وطأة القذائف ولم نأخذ معنا سوا قليل من الأغطية".
ويتابع المواطن الذي ينتظر سيارة تقله لمناطق مواصي خانيونس برفقة عائلته، :" هو في مناطق آمنة في قطاع غزة، فالاحتلال قصف المدارس ومناطق النزوح.. أنا هي ثالث مرة أنزح من بيتي".
ويكمل حديثه قائلاً :" مثل ما تشاهد آلاف العائلات تسير في الشوارع ولا تملك ثمن وسيلة النقل حتى تنقلها لمناطق مواصي خانيونس، وها هم يفترشون الأرض في الشوارع والطرقات دون أي مساعدة من المؤسسات الدولية".
واللافت في قضية نزوح المواطنين أن الاحتلال يجبرهم على النزوح من المناطق التي يحددها ويشن عملية عسكرية فيها ويجعلها غير صالحة للسكن والحياة، ثم يعود الفلسطينيين لمناطقهم مرة أخرى، لكنهم الاحتلال يفاجئهم من جديد بعد أشهر على ترك مكانهم والنزوح تحت وطأة القصف.
وأكد المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني محمود بصل، اليوم الأحد، أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين نزحوا من خانيونس جنوب قطاع غزة تحت القصف، لافتًا إلى أن هناك نصف مليون فلسطيني في الجنوب لجأوا إلى مناطق مجهولة، ليس بها أي مقومات للحياة.
معاناة النزوح
أما المواطن خليل قشطة وهو من سكان مدينة غزة، ونزح إلى مخيم النصيرات، يروى تفاصيل معاناته المتكررة مع النزوح ويقول :" للمرة السادسة أنزح من مكان لأخر.. وأنا الآن لا أعرف أين سأتوجه".
ويضيف الشاب قشطة الذي يجلس على باب مخيم ما يعرف بـ"الست أميرة" في دير البلح :" حتى اللحظة لم أجد مكان يحتضني أنا وعائلاتي.. ما في وسع في المخيمات ولا أعلم أين اتجه ونحن الآن ندخل منتصف الليل".
ويكمل حديثه وملامح الإرهاق والتعب باتت واضحة على وجه، :" وين نروح في منتصف الليل، والدي مريض وهو يحتاج للراحة، وحتى اللحظة لم أجد مكان حتى يستطيع أن يأخذ قسطا من الراحة جئنا من منطقة النصيرات وسرنا على الأقدام لمدة ساعتين كما باقي العائلات التي نزحت".
والأسبوع الماضي ارتكب جيش الاحتلال مجزرتين في أحياء مدينة خانيونس التي زعم أنها آمنة، فالمجزرة الأولى أسفرت عن استشهاد 90 مواطن وإصابة 300، والثانية باستهداف المناطق الشرقية من مدينة خانيونس، وأسفرت عن استشهاد العشرات من المدنيين.
خوف ومعاناة للمدنيين
بدوره، قال مفوض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينينن (الأونروا)، فيليب لازاريني، "إن 14% فقط من قطاع غزة لا يخضع لأوامر إسرائيل بالإخلاء الفوري، التي وصفها بأنها تجلب البؤس والخوف والمعاناة للمدنيين".
وأضاف لازاريني على منصة "إكس" أن "السلطات الإسرائيلية تصدر أوامر الإخلاء وتطالب الفلسطينيين بترك منازلهم والنجاة بحياتهم ما يسبب حالة عامة من الذعر والفوضى".
وتابع: "الجميع تقريباً في قطاع غزة عانوا من أوامر الإخلاء الإسرائيلية، واضطر كثيرون للخروج من ديارهم مرة واحدة شهرياً على الأقل منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر".
وبحسب بيان صدر عن "الأونروا"، فإن 83% من قطاع غزة تم وضعه تحت أوامر الإخلاء أو تم تصنيفه "مناطق محظورة" من قبل الجيش.
ووفق آخر الإحصائيات، فإن عدد النازحين في قطاع غزة بلغ نحو مليونين، بينهم 1.7 مليون يعيشون في منطقة المواصي غرب جنوب القطاع بظروف معيشية مروعة، وفق بيان سابق لمنظمة المساعدة الإنسانية الدولية "أوكسفام".