قائمة الموقع

مقال: الجزيرة نجحت في استشراف الثورة

2011-02-27T16:47:00+02:00

وضاح خنفر كتب لصحيفة واشنطن بوست:

في 11 فبراير/شباط -اليوم الذي تنحى فيه حسني مبارك عن سدة الرئاسة- واجهت الجزيرة معضلة، ولكن من النوع المستحب، مشاهد الابتهاج لم تعم القاهرة فحسب، بل امتدت لتغطي المنطقة بأكملها، ورغم شبكة المراسلين الضخمة، كان من الصعب علينا الانتشار في كل مكان في الوقت ذاته، من المغرب العربي حتى شبه الجزيرة العربية، كان العرب يحتفلون باستعادة ثقتهم بأنفسهم وعزتهم وأملهم بالمستقبل.

الثورات الشعبية التي تجتاح المنطقة اليوم كان يجب أن تقوم منذ أمد طويل. ولكن بطريقة أو بأخرى لم يكن لها أن تقوم قبل اليوم. أبناء هذه الانتفاضات هم شباب وشابات ذوو تعليم عال ويتمتعون بقدر واف من الفكر ليستشرفوا مستقبلا أفضل، كما أنهم واقعيون إلى درجة كافية تؤهلهم للعمل من أجل ذلك بدون أن يقعوا فريسة لليأس. هذه الثورات يقودها شباب من جيل الإنترنت يعتبرون المساواة في التعبير عن الرأي والنفوذ حقا طبيعيا. التأثير الذي يتمتع به قادتهم هو نتاج جهدهم هم وتصميمهم هم ومهاراتهم هم وليس نتاج فكر متحجر وتطرف.

أصبح من الواضح للجميع اليوم أن الدول العربية التي نشأت بعد خروج الاستعمار قد فشلت فشلا ذريعا، حتى في القضايا التي كان يعتقد أنها ضليعة بها: الحفاظ على الأمن والاستقرار.

على مرّ العقود، كرّس وزراء الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية في الدول العربية الكثير من الموارد والخبرات للتجسس على شعوبهم. ورغم ذلك نرى اليوم الأجهزة الأمنية في تونس ومصر وليبيا تتفتت بسرعة البرق، في الوقت الذي بدأت الأنظمة القمعية الأخرى في المنطقة ترى زوال حاجز الخوف والكتابة على الجدران.

إفلاس النخبة العربية

لم يقتصر دور الثورات العربية الأخيرة على تعرية فشل السياسيين التقليديين، بل أيضا فضحت إفلاس النخبة العربية القديمة سياسيا واقتصاديا. لم تقتصر ممارسات تلك النخب على محاولات التحكم بمقدرات شعوبهم، بل سعوا أيضا إلى إفساد نهج الوسائل الإعلامية في العالم العربي.

في الواقع، لا يجب أن يتفاجأ أحد من فشل المحللين والباحثين والصحفيين الغربيين وحكوماتهم من قراءة الإشارات الواضحة لحركات الشباب العربي التي كانت تغلي وعلى وشك الانفجار على شكل ثورات تطيح بأعتى الأنظمة الحليفة للغرب في الشرق الأوسط. ذلك الفشل كشف نقصا عميقا في الفهم الغربي للواقع العربي.

لطالما فضل الحلفاء وشركاء المصالح في الولايات المتحدة وأوروبا التعامل مع قادة الأنظمة العربية الذين افتقروا تماما لشرعية تمثيل الجيل الجديد من شعوبهم. لقد كان أولئك القادة في معزل عن الواقع الجديد، ولم يكونوا أهلا للتواصل مع قوى المجتمع التي هي اليوم مركز الثقل. إن القوى المحيّدة في العالم العربي والجماهير المهملة هي التي ترسم مستقبل المنطقة اليوم وليس النخب المتعفنة.

تلك التحولات لم تكن مفاجئة بالنسبة لنا في الجزيرة. فمنذ انطلاق قناتنا منذ حوالي 15 عاما، حرصنا على أن نكون قريبين من الشارع العربي، نقيس نبضه ونعكس طموحاته. كان واضحا لنا أن هناك ثورة في طور التكوين، وأنها (أي الثورة) كانت تنمو وتترعرع بعيدا عن تأثير أجهزة الإعلام المصطفة إلى جانب مراكز القوى المتنفذة، على افتراض أن مراكز القوى أكثر أهمية والاصطفاف معها أكثر أمنا.

إعلام الأقوياء

الكثير من الوسائل الإعلامية فشلت في فهم ما كان يحدث في أوساط القواعد الشعبية العربية. وفي خضم سعي الوسائل الإعلامية إلى إجراء المقابلات مع المسؤولين رفيعي المستوى ورغبتهم في تغطية المؤتمرات الصحفية التي تجتر التصريحات المكررة، ظلت غافلة عن ما كان يحدث على الأرض.

في الجزيرة لم نأل جهدا في البحث عن المحركين الحقيقيين للأحداث أينما كانوا سواء في المدن أو في الريف أو في المخيمات أو في السجون أو حتى على صفحات المدونات. كانت لدينا قناعة راسخة بأن مستقبل العالم العربي سوف يرسمه أناس من خارج دائرة النخبة العاجزة والهياكل السياسية الواهنة التي كانت الوسائل الإعلامية الأخرى تحيطها بهالة لا تستحقها.

المحركون الحقيقيون لم يظهروا على معظم الشاشات أو أغلفة المجلات، سواء في العالم العربي أو الغربي. لم يثيروا فضول عدسات الكاميرات، وكتاب الأعمدة نادرا ما تطرقوا إليهم. إلا أن كل ذلك لم يفت في عضدهم.

السباحة ضد التيار

الجزيرة سبحت ضد ذلك التيار العارم، منحنا كل اللاعبين المساحة التي يحتاجونها للتواصل، مما أدى إلى تفحص القضايا من زوايا عديدة. خلال موسم الانتفاضات الأخير، أمطرنا الجيل الجديد باللقطات المصورة والصور الثابتة والكتابات. فتحنا شاشاتنا لهم، وأصواتهم هي التي استحوذت على انتباه المشاهدين واهتمامهم بتغطيتنا.

رفضنا المهادنة بخطنا التحريري الذي يعطي الأولوية إلى مظالم وتطلعات عامة الشعب. لم يثننا عن خطنا لا التهديد بالعقاب ولا الوعد بالمكافأة من وزراء الإعلام ودوائر الاستخبارات والمخابرات والبلاطات الملكية، ولم نتخل عن نصرة المظلومين والمقموعين الذين لا يطالبون بشيء سوى الحرية والكرامة والديمقراطية.

وكما كتبت على موقع تويتر خلال الانتفاضة المصرية عندما كان مراسلونا يلاحقون ويعتقلون في القاهرة: "عندما تزدحم الآراء ويسود الارتباك، ثبت ناظريك على خطى الجماهير، فذاك هو المستقبل".

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00