تصاعد إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر إلى مستويات غير مسبوقة، حيث استشهد 633 فلسطينيًا واعتُقل أكثر من 10 آلاف فلسطيني، مع توسع الاستيطان الذي تجاوز بناء 32 ألف وحدة استيطانية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك بدعم من حكومة وجيش الاحتلال، ضمن سياسة التطهير العرقي في الضفة الغربية والقدس.
وكان من أبرز اعتداءاتهم في الآونة الأخيرة هجوم نفذه نحو 100 من المستوطنين على قرية جيت شرقي قلقيلية، مدججين بالأسلحة النارية والبيضاء، حيث حاولوا اقتحام بعض المنازل وأضرموا النار في بعضها كما أحرقوا مركبات الفلسطينيين.
تلك الهجمات الممنهجة ضد الفلسطينيين في الضفة، تدفع المنطقة إلى حافة الانفجار والتي تنذر باندلاع انتفاضة ثالثة.
هذه المخاوف دفعت رئيس الشاباك رونين بار لتحذير رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت من اتساع ظاهرة "الإرهاب اليهودي" في الضفة الغربية.
ووفقا لما أوردته القناة 12 العبرية، فقد أوضح رئيس الشاباك لنتنياهو وغالانت أن "الجرائم على خلفية قومية" من قبل اليهود تتزايد، وأن قادة الحراك اليهودي القومي يسعون إلى إفقاد الجهات المختصة السيطرة على المشهد في الضفة الغربية.
ورأى بار أن الضرر الذي تسببه تلك الجرائم لـ"إسرائيل" لا يمكن وصفه، وفقا لما ذكرته القناة.
وأشار إلى أن "ظاهرة الإرهاب اليهودي تتسع بسبب عدم الخشية من العقاب وحصول المنفذين على دعم من مسؤولين في الحكومة وأعضاء في الكنيست"، مؤكدا أن الظاهرة تضر بالجيش الإسرائيلي وبعمله.
كما حذر رئيس الشاباك من أن دخول الوزير المتطرف إيتمار بن غفير -الذي يتزعم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف- إلى المسجد الأقصى قد يؤدي إلى سفك كثير من الدماء وتغيير وجه (دولة إسرائيل)، حسب تعبيره.
بينما اعتبر زعيم المعارضة "الإسرائيلية" يائير لبيد رسالة رئيس الشاباك بأنها "تحذير أخير من كارثة مقبلة".
وتدعم حكومة الاحتلال إرهاب المستوطنين عبر الأدوات التالية:
أولاً: العمل ضمن جماعات منظمة مدعومة، حيث أصبحت ما تعرف بظاهرة "شباب التلال" منذ فترة طويلة تشكل بؤرة للعنف والإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين في مدن ومناطق تواجدهم، دون أن تمارس الحكومة أي دور في ردعهم بل على العكس يتم تأمينهم وحمايتهم.
ثانياً: تأمين وحماية الجماعات المتطرفة خاصة عبر شرطة الاحتلال بقيادة الوزير المتطرف بن غفير، حيث أن المستوطنين المتطرفين الذين يشتبكون بانتظام مع الفلسطينيين في الضفة الغربية ويثيرون أعمال عنف وارهاب ضدهم، تشجعوا بالمعاملة المتساهلة وما وصفه رئيس الشاباك ”الشعور السري بالدعم” من جانب الشرطة.
وقد واجهت شرطة الاحتلال، بقيادة بن غفير، اتهامات متكررة بغض الطرف عن تصرفات المستوطنين المتطرفين.
ومما عزز حماية المستوطنين وجمعاتهم الارهابية في الضفة هو التسهيلات التي تقدمها شرطة الاحتلال في الحصول على السلاح، حيث تستخدم جماعات المتطرفين "السلاح الذي يوزع بشكل قانوني"، وهي سياسة بن غفير في تسهيل الحصول على تراخيص الأسلحة بشكل كبير، ما يدفع هذه الجماعات للشعور بالأمان الكافي ليعملوا بشكل صريح ومكثف أكثر.
ثالثاً: الدعم القضائي: تحظى الجماعات المتطرفة بدعم سياسي وقضائي، حيث تُظهر الإحصاءات أن 3% فقط من لوائح الاتهام الموجهة ضد المستوطنين تصل إلى مستوى الإدانة، ما يعني أن المستوى القضائي في دولة الاحتلال تتستر على جرائمهم.
كما أن النسبة القليلة منهم التي تعتقل تعيش ظروف رفاهية داخل السجن، ويغدق عليها بالأموال عند إطلاق سراحهم من قبل أعضاء الكنيست، إلى جانب إضفاء الشرعية والثناء، ونزع الشرعية عن قوات الأمن”، ما يساهم في استمرار عمل الجماعات الإرهابية.
الأعمال الارهابية الفجة فثي الضفة دفعت عدد من المؤسسات الدولية للحديث عن الظاهرة ومطالبة حكومة الاحتلال بردع مستوطنيها، حيث حذر المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، من أن الضفة الغربية قد تتحول إلى "برميل بارود" نتيجة التصعيد العسكري "الإسرائيلي"، محذرا من أن ذلك سيؤدي إلى عنف مميت ويؤجج التوترات.
لماذا يخشى قادة الأمن الصهيوني من إرهاب المستوطنين؟
يرى المستوى الأمني في دولة الاحتلال بأن إرهاب المستوطنين سيشكل خطراً كبيراً على الكيان على عدة مستويات:
الأول: صعود الفاشية الصهيونية: حيث أن التطورات السياسية التي جرت في "إسرائيل" في السنوات الأخيرة وسيطرة العناصر المتطرفة والفاشية على الحكم تدل على نزوع كبير نحو الفاشية، وهذا ما يشبهه البعض بما جرى في أوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية حيث استحوذت العناصر الفاشية على السلطة، والحديث عن فاشية الحكومة الإسرائيلية عبر عنه بشكل واضح وزير الحرب المستقيل موشيه يعالون حيث قال في مؤتمر صحفي “هناك قوى متطرفة وخطيرة استولت على "إسرائيل"، وحركة الليكود زعزعت الاستقرار".
الثاني: تشجيع حركة المقاطعة وفرض العقوبات على الكيان: وقد تزايد الاهتمام العالمي بحركة المقاطعة (بي دي إس)، منذ بدء العدوان على غزة وباتت وسيلة للتعبير عن التضامن مع فلسطين واستنكار دعم شركات كبرى لما يتعرض له أهل غزة وفلسطين عموما من عدوان وإرهاب.
وأعلنت الولايات المتحدة الشهر الماضي، فرض عقوبات جديدة على 3 أفراد و5 كيانات "إسرائيلية" مرتبطة بأعمال العنف ضد المدنيين بالضفة الغربية المحتلة.
وفي قرار تاريخي أعلنت مدينة هامترامك الواقعة في ضواحي ديترويت بولاية ميشيغان، في يونيو الماضي عن دعمها الكامل لحملة المقاطعة ضد الكيان وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، لتصبح أول مدينة أمريكية تتخذ هذا الموقف لدعم حقوق الفلسطينيين.
كما أعلن الاتحاد الأوروبي سابقاً فرض عقوبات على خمسة "إسرائيليين"، بينهم "مستوطنون متطرفون"، وثلاث منظمات بسبب انتهاكات ضد فلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
ونصت العقوبات على تجميد الأصول وحظر منح التأشيرات لهم، وهي الرزمة الثانية من العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي وتستهدف المستوطنين الذين يمارسون العنف، ليرتفع إجمالي عدد المشمولين بها إلى 14.
الثالث: تلاشي وهم الدولة الديمقراطية صاحبة الجيش الأخلاقي، وهو ما يؤدي في النهاية لفشل المشروع الصهيوني، خاصة من خلال نزع الشرعية العالمية عن الكيان، فقد بدأت الصورة المزيفة للديمقراطية "الإسرائيلية" بالتخلخل خاصة مع وصول الفاشيين واليمين العنصري بقيادة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وتكمن الخسارة الكبرى للاحتلال على صعيد الشعوب الأوروبية والشعب الأميركي الذين يرون بأعينهم تحول صديقتهم الديمقراطية إلى دولة سلطوية قمعية، فصورة تل أبيب المتحضرة بدأت تنهار مع جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة وعنف المتطرفين في الضفة.