خاص| أم خالد.. مسنة فلسطينية ابيضت عيناها حزنا

خاص- الرسالة نت

يُداري خالد التتري من بيت لاهيا شمالي قطاع غزة ذراعه المبتورة ما استطاع، وكأنه مذنب صغير، يخاف أن تراها أمه فتحزن، ويتحضر لرؤيتها بعد أشهر طويلة من الغياب، ثم يفاجأ بها لا ترى.

القصة لم تبدأ بفقدان البصر، ولم تكن الحاجة أم خالد مريضة أو مصابة بأية علة، ولكنه الحزن الذي كان أكبر من أن تتحمله قلوب الأمهات، وهذا ما حدث لشبيهة الأنبياء في حزنهم، وهي تذكرنا بحزن يعقوب على يوسف (تولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم)

ويداية القصة في نوفمبر الماضي حينما استهدف منزل العائلة في بيت لاهيا، وأصيب خالد إصابة بالغة في قدمه، وبترت ذراعه، بالإضافة إلى إصابات كثيرة في أنحاء جسده، كما أصيبت زوجته وأبناؤه، واستشهد شقيقه أيضا في نفس القصف، وظل هو في العناية المركزة لأشهر، يتنقل بين المستشفيات بسبب ما فرضه الاحتلال من حصار واستهداف لها.

ثم لسوء حالته، ولشدة الاستهدافات في الشمال، نقلته العائلة إلى مستشفى في الجنوب، ثم بدأ يفوق من وجعه، يتعافى تدريجيا بذراع واحدة، وجسم هزيل مصر على البقاء والوقوف مرة أخرى، حتى يلقى أمه التي لم يرها منذ عشرة أشهر.

أجل منعته العائلة من رؤيتها، حتى لا تضيف هما جديدا فوق أوجاعه، وظل ممنوعا بحجة أن وضعه خطير، ويحتاج للعلاج المكثف والراحة، مع وعود كثيرة بأنها ستأتي لزيارته قريبا، وبدأ هو بإكمال علاجه، ووجد بصعوبة معالجا طبيعيا حتى يبدأ جلسات العلاج الطبيعي لتساعده على الوقوف.

ثم نزحت بقية العائلة للجنوب، ورأى أمه للمرة الأولى وهو يستطيع الوقوف الآن، والسير على عكاز رغم شح الجلسات وندرة المعالجين، فإذا به بعد احتضانها يلاحظ أنها لا تنظر إليه مباشرة، فيسألها سؤالا واحدة" يمه شايفاني" فترد عليه " لا".

الحزن الذي سكن خالد التتر على أمه جعله يبكي وهو يحكي قصته، تعاطفا وقهرا على ما حدث في نوفبر وما حدث بعده من أثمان دفعتها العائلة من قلوبها الحزينة.

لم يكن خالد التتر شخصا عاديا قبل الحرب، وإنما شاب مليء بالنشاط والحيوية والأحلام الكثيرة، وكان يعمل محاسبا ومديرا للمبيعات ويرأس اثني عشر موظفا في شركة مرموقة، يحمل على كتفه الكثير من الأمنيات، التي انتهت بجسد عاجز، يخطو خطوات بسيطة فقط، وينتظر علاجا حقيقيا في ظل تدهور العملية الصحية في غزة وإغلاق المعابر ومنع تحويل المصابين للعلاج بالخارج.

 يبكي كلما رأى أمه وهي تنظر إلى الأفق المجهول، وتستذكر من رحل، وتدعو للجسد المصاب بأن يشفى، دعاء الأمهات الصادقات اللواتي دفعن الثمن كثيرا من نبض قلوبهن الموجعة.

ساقه مصابة، لا يخرج ولا يستخدمها كثيرا، تنقل بين أحد عشر مستشفى للبحث عن فرصة للعلاج الطبيعي، تداوي قدمه على الأقل، أما الطرف الصناعي فلا زال حلما يمكن تحقيقه إذا فتح المعبر وسمح له بالسفر لإكمال علاجه.

يقلب خالد التتر عينيه بين ذراعه المبتورة، وعيون أمه التي ابيضت حزنا، ويسقي كل هذه الأوجاع بالأمل وبأن تنتهي هذه الحرب قريبا لعله يبدأ حياته من جديد ويداوي جراحه وجراحها.

وفي الأرقام ذكر تقرير أصدره الأورومتوسطي أن عدد المسنين البالغة أعمارهم فوق 60 عامًا يبلغ 107 آلاف شخص وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2023 وهذا العدد يمثل نحو 5% من سكان قطاع غزة، وجميعهم أصبحوا ضحايا للانتهاكات الإسرائيلية.

كما أكد الأورمتوسطي أن هؤلاء المسنين دفعوًا ثمنًا باهظًا للهجوم الإسرائيلي، نتيجة ضعف حالتهم الجسدية والنفسية، وبأن 70% منهم مصابين بأمراض مزمنة جعلتهم أكثر عرضة لتدهور حالتهم الصحية، ولكن كل التقارير والإحصائيات المنشورة لم تذكر أمًا ابيضت عيناها حزنا وقهرًا .

البث المباشر