أطفال يبحثون عن أطرافهم المبتورة وأحلامهم الموؤودة

الطفلة رهف .
الطفلة رهف .

خاص- الرسالة نت

تفهم رهف بنت مخيم النصيرات وسط قطاع غزة جيدا ما يدور حولها، ولكنها تلتزم الصمت،  تجلس ابنة الخمس سنوات على سرير المرض، تقلب بلا مبالاة دمية محشوة، جاء بها أحدهم حتى تسليها وتصرف عنها التفكير والسؤال المتكرر: بابا أين قدمي؟!.
ملفوفة القدمين بالشاش، تريد أن تنزل من على هذا السرير وتركض، وهي تعتقد أنها مع مرور الوقت ومع كثرة مواساة عائلتها لها أن قدميها يمكنهما أن ينبتا مثل شجرة زيتون من جديد !.


يقول والد رهف:" تعرضت العائلة لقصف المنزل في غرب مخيم النصيرات، مع أن المكان مصنف كمنطقة آمنة، بعد أن انسحب الجيش منها عقب اجتياحه الأخير لها، عدنا إلى البيت ثم قصفته الطائرات فوق رؤوسنا ".
استشهد جد رهف، وأصيب شقيقها، ونجت العائلة بطفلة دون قدمين، تنتظر الآن فرصة للعلاج والتأهيل وتركيب أطراف صناعية، قبل أن تنسى طريق السير وساحات اللعب، فهي تعاني من حالة نفسية صعبة حسب قول والدها، تبكي باستمرار وتتحسس قدميها وقد قضى الألم على طفولتها.


وهناك على سرير آخر في مستشفى المعمداني بغزة يتمدد الطفل عاصف أبو هادي، ابن الثانية عشر ، لاعب كرة،  كان معروفا في أكاديمية بقطاع غزة، هداف الفريق، شغوف إلى الحد الذي يجعله يشرق ويبتسم كلما تحدث أحدهم عن الكرة واللعب ويتذكر هوايته المفضلة، ثم ينظر إلى حلمه المقتول في قدمه المبتورة التي كان يعتقد أنها علقت في حفرة حينما قصف الاحتلال قبل أشهر .
كان عاصف يلعب كرة القدم مع رفاقه حينما قصف الاحتلال الطريق في غرب غزة،  فبترت قدمه فورا. نظر إليها وكان يظنها عالقة تحت الردم، فإذا بها قد طارت إلى مكان مجهول، بفعل القصف القوي.


يحاول الآن أن يقف، أن يكمل حياته بقدم واحدة، وهو كبير كفاية ليحسب خسائره الكثيرة، وحلمه الذي يتذكره ويبتسم. 
أما مالك الكفارنة، فقد بترت ذراعه بأكملها، ولم يبق سوى كتف وذراع، وضاعت مع هذا البتر كل أحلامه، وطريقه التي كان يرسمها:" كنت أحلم أن أكون مصورا، كيف يمكنني أن أمسك كاميرا لأصور؟!  لقد تدمرت حياتي كلها".
تحاول أم مالك ابن الاثني عشر عاما أن تساعده في التنقل وقضاء احتياجاته اليومية، ولم يستطع التكيف حتى الآن رغم مرور عشرة أشهر على إصابته  في بلدة بيت حانون شمال القطاع. 
ليست هذه هي القصص، وإنما ثلاثة من خمسة آلاف قصة، لأطفال فقدوا أطرافهم، ومنعوا من العلاج، بل بترت أطراف بعضهم أكثر من مرة لسوء العلاج وتعفن الجروح مع قلة الأدوية والمضادات الحيوية وصعوبة الوصول إلى المستشفيات لتعقيم الجرح كل يوم، لأن المستشفى الوحيد الذي يعمل بكل طاقته هو مستشفى شهداء الأقصى، وهذا لا يكفي وحده للتعامل مع طوفان الجرحى ومن حكمت (إسرائيل) على مستقبلهم بالضياع.


وفي الأرقام فقد قدرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بنهاية ديسمبر أن نحو 12 ألف شخص، من بينهم حوالي 5000 طفل، فقدوا طرفا أو أكثر بسبب حرب الإبادة على غزة. وقالت المنظمة  إنها أيضا لا تعرف الإحصائيات النهائية لعدد الأطفال مبتوري الأقدام، لأنها لم تتمكن من تحديث أرقامها هذا العام بسبب انقطاع الاتصال في غزة كما أن معظم المستشفيات قد توقفت عن العمل.
ولكن الأرقام من المؤكد أنها متضاربة، ففي نهاية عام 2023 توقع الجراح الفلسطيني البريطاني غسان أبو ستة بعد زيارته إلىى قطاع غزة قائلا: "تقديري أن هناك الآن ما بين 700 إلى 900 طفل مبتوري الأطراف، وبعضهم بتر أطراف متعددة".


هذا يعني أن هناك الكثير من الأرقام التي لم تدون بعد، واليوم يبدو مشهد المستشفيات الشحيحة المتبقية محزنا مع نفاد الدواء ومقومات العلاج وتصاعد أعمال القصف الإسرائيلي، والجرحى الذين يأتون إلى المستشفى وغالبيتهم من الأطفال.
ويظل  الأطباء عاجزين أمام جيش من الأطفال مبتوري الأطراف، يبحثون في حقيبة إسعافاتهم الأولية عن رواية تكون مقنعة يردون فيها على سؤال الصغيرة رهف:" أين قدماي؟!"

البث المباشر